مبادرة لحماية الشباب من براثن الإرهاب
١ ديسمبر ٢٠١٥بعد تفجيرات باريس، كثفت الدول الأوروبية من إجراءاتها الأمنية، وهو ما يحدث عادة بعد كل حادث إرهابي، وتخصص الدول مبالغ كبيرة من أجل تحقيق المزيد من الأمن، ولكن لايتم الركيز عن الاسباب التي تستقطب شبابا ولدوا في أوروبا للقيام ب "أعمال جهادية"، والسؤال هو كيف يمكن حمايتهم من الوقوع في براثن الإرهاب. هذا السؤال شغل مجموعة من الشباب الألمان من ذوي الأصول العربية بعد حادث اعتداء سلفيين على رجال شرطة في مدينة بون الألمانية في مايو/آيار 2012. عندها قررت المجموعة ألا تقف مكتوفة الأيدي. ميمون باريسون، شاب من أصول مغربية، ولد في مدينة كولونيا، هو أحد هؤلاء الشباب.
أطلق ميمون مع مجموعة من أصدقائه مبادرة تحمل اسم "التحول 180 درجة"، وهي منظمة غير حكومية، هدفها الأساسي هو مساعدة الشباب ووقايتهم من الدخول في خط التطرف أو الجريمة كما يوضح باريسون في مقابلة مع DW: "وجدنا الكثير من الشباب من أصول عربية وتركية أضاعوا حياتهم وأضاعوا الكثير من الفرص، ودخلوا جماعات متطرفة أو عصابات الإتجار بالمخدرات، فقررنا أن نقوم بشيء من أجلهم.".
من الشباب وإلى الشباب
تقوم "مبادرة 180 درجة" بمساعدة الشباب أنفسهم، فهم يعتمدون على متطوعين من أصول عربية وتركية أو من خلفيات إسلامية مختلفة، ليكونوا أقرب للشباب المعنيين، ويحصلون على تدريبات خاصة بمساعدة الشباب الذين يعانون من مشكلات اجتماعية مختلفة. العاملون الأساسيون في المنظمة مؤهلون في مجالات متعددة مثل علم النفس والتربية والقانون. ميمون باريسون درس العلوم الاجتماعية في جامعة كولونيا، ويساعده ذلك في العمل في هذا المجال. كما تقوم المنظمة بالتعاون مع عدة جهات، مثل المدارس والمساجد والجميعات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني والشرطة الألمانية. وتساعد هذه الجهات في المشاركة بإعطاء الخبرات التي يحتاجها المدربون للتعامل مع الشباب الذين دخلوا عالم التطرف والجريمة، كما يوضح باريسون: "بالطبع هناك بعض المخاطر التي قد تواجهنا، لكن هذه التدريبات تساعد على تعلم كيفية التعامل مع الأمر. والشرطة لديها مثلاً برامج لتدريب من يتعاملون مع شبكات الاتجار بالمخدرات ويعرفون كيفية التعامل معهم وما الذي يجب مراعاته، وكيف نساعد دون تعريض أنفسنا للخطر، ويقدمون لنا تلك الخبرات. وفي نهاية الأمر فهناك مخاطر في هذا العمل، لكن هذا هو أقل ثمن علينا دفعه لنعيش في مدينتنا آمنين".
تبحث المبادرة عن شباب مندمج من أصول مهاجرة، يجيد لغته الأم، ويعرف ثقافته جيداً، ليكون قريباً من الشباب الذين يتحدث معهم. ويعمل الشباب المشاركين بشكل تطوعي بعد الحصول على تدريب مكثف لمدة سنة كاملة. منذ 2012 وحتى الآن، أصبح لديهم 18 مدرباً، بالإضافة إلى أكثر من 134 شخص مساعد، ممن يتواجدون مع الشباب في أماكن مختلفة مثل المدارس والمساجد والجميعات المختلفة، أو يساعدون على اكتشاف الحالات والتواصل مع أفرادها.
يبدأ العمل عندما يلاحظ أحد الشباب أو الأهل حدوث تغييرلدى أحد معارفهم، فيلاحظون أنه أصبح أكثر تشدداً، أو أكثر عدوانية نتيجة مشاكل يواجهها، أو نتيجة تأثره بدعاية إعلامية للشبكات الإرهابية، وعندها يتم إبلاغ المنظمة، التي تسعى لمساعدة الشخص: "كثيراً ما تكون المشكلة نتيجة ظلم واجهه الشخص، أو بسبب إحباطات لم يستطع التعامل معها، ويكفي في هذه الحالة أن نوفر له فرصاً للعمل، أو نساعده في كتابة سيرته الذاتية عند التقدم لطلب العمل".
معظم الشباب الذين تعاملت المنظمة معهم كانوا يعانون من مشاكل اجتماعية أو يفتقدون لهدف في الحياة، وعندما يجد أحدهم الفرصة، فإنه يتحول ب "180 درجة" وينضم أحياناً للمنظمة ليساعد آخرين مثلما يوضح أحدهم: "عندما يجد الشاب مكاناً له داخل المجتمع، يكون من الصعب استقطابه، ولا تصبح لديه مشاعر سلبية تجاه مجتمعه". وإن كانت هناك بالطبع مقاومة وانتقادات، خاصة من جانب هؤلاء الذين اختاروا التطرف عن قصد، والذين يسعون لاستقطاب آخرين لهذا التوجه. ويوضح باريسون أنهم يعملون أيضاً عن قرب مع الأئمة في المساجد، بمحاولة تصحيح مفاهيم خاطئة لدى بعض الشباب، قد يحصلون عليها من الانترنت. نصف عدد المتطوعات في المبادرة من النساء، وهن يساعدن الفتيات أيضاً، لأنهن كثيراً ما يفقتدن لدعم أسري، كما يوضح الشاب المغربي: "كثيراً ما يقول لنا الألمان إنهم يرون الفتيات المسلمات وهن صغيرات، ولكنهن يختفين عندما يكبرن"، ويضيف أنهن عادة لا يجدن دعماً من الأسرة لتحقيق ذاتهن، وهذا ما تسعى المدربات لتغييره.
تقدير من المجتمع الألماني
حصلت هذه المبادرة على جوائز عديدة، منها جائزة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزارة الداخلية الألمانية كما يتلقون مساعدة من وزارة الأسرة والشباب الألمانية، وهم يحصلون على مساندة كبيرة، مادية ومعنوية، سواء من الحكومة الألمانية أو من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. ويعتبر د. فولفغانغ اولنبرغ فان داون، المتحدث عن الطاولة المستديرة للاندماج في مدينة كولونيا أن "الاستثمار في مثل هذه المبادرات التي تساعد الشباب لتحقيق المزيد من الاندماج، أكثر فعالية واستمرارية واستدامة من صرف ملايين لتشديد الإجراءات الأمنية"، كما أبدى ماتياس فيرينغ، من شرطة مدينة كولونيا تقديره لهذا المشروع قائلاً: "هذا العمل التطوعي يدعم الشباب الذين يعانون من مشاكل في حياتهم ويتعرضون بذلك لخطر التوجه للتطرف. مساعدة هؤلاء المتطوعين وعملهم يساهم في بناء العملية الديمقراطية، رغم تعرض بعض ذوي الأصول المهاجرة للتمييز." ويحكي التلميذ ديميري فراكت تجربته مع المبادرة قائلا: "لم تساعدني تلك المبادرة في تغيير اتجاهي فقط ، لكن أيضاً في إيجاد أفق مستقبلي جديد، فقد ساعدتني نصائح المدربين لتجهيز سيرتي الذاتية والتقدم للتدريب مهني. والآن أشارك أيضاً في مساعدة آخرين من خلال هذا المشروع".