مبادرة فريدة لتشجيع القراءة وثقافة البحث لدى الاطفال في اللاذقية
٥ ديسمبر ٢٠١٠لم تعد "ليليان القاموع"، الطالبة في الصف الأول الإعدادي تشعر بملل خلال أوقات فراغها منذ تعرفها على "المكتبة العمومية للأطفال" بمدينة اللاذقية السورية، فقد وجدت ليليان ما يشغلها في هذه الأوقات عبر البرامج المتنوعة التي تقدمها المكتبة على مستوى المدينة وريفها. يمكنني ممارسة هواية الرسم والمطالعة والتمثيل والمشاركة في مسابقات ورحلات تنظمها المكتبة إلى المناطق الأثرية والسياحية الأخرى على حد قول ليليان. وليليان واحدة من عشرات الأطفال الذين يتوافدون يوميا إلى المكتبة مع أولياء أمورهم لممارسة هوايتهم في الرسم والموسيقى والمطالعة والتمثيل وحلقات النقاش الهادفة إلى تبادل الخبرات ليس فقط بين الأطفال، بل وبين أولياء أمورهم كذلك.
الابتعاد عن أسلوب التلقين للطفل
تُعد المكتبة أول مشروع ثقافي أهلي من نوعه في سوريا، وقد تم تأسيسها قبل ثلاث سنوات بمبادرة من جمعية "قوس قزح" الأهلية غير الربحية بهدف تنمية ثقافة الطفل وموهبته. وفي هذا الإطار تبرز الأنشطة المتعلقة بتشجيع المطالعة ومناقشة محتويات الكتب بشكل جماعي والقيام بمشاريع ومسابقات في التمثيل والكتابة والرسم وغيرها على حد قول عدوية ديوب المدير التنفيذي للمكتبة. "ليست الفكرة فقط إنشاء مكتبة تقدم خدمات متنوعة بوسائط الاتصال الحديثة أيضا عبر الإنترنت، فنحن نبدأ مع الطفل منذ صغره حيث نعلمه مهارة البحث والحوار والتقصي عن المعلومة والتجربة من خلال الكتب والمشاركة في مشاريع على ارض الواقع"، تضيف عدوية. ومن هذه المشاريع حسب عدوية مشروع إعادة تصميم "حديقة المرور العامة" في مدينة اللاذقية خاصة بشكل يلبي احتياجات الطفل. "شارك في وضع التصميم الجديد أطفال المنطقة المحيطة بمنطقة الحديقة بإشراف طلاب وأساتذة كلية الهندسة المعمارية بجامعة تشرين. وسوف يتم تنفيذ الحديقة حسب التصور الذي وضعه الأطفال.
مشاريع ثقافية متنوعة وتواصل عالمي
وعلى الرغم من أن المكتبة حديثة العهد فقد تمكنت من كسب عشرة آلاف عضو وصديق يدعمون أنشطتها المتنوعة. ولولا تميز هذه الأنشطة التي يفوق عددها المئات سنويا لما توفر مثل هذا العدد من الداعمين حسب ديوب. "ومن ثمار أنشطتنا المشاركة في ملتقيات للرسم الدولي، وتقديم مسرحيات ومعزوفات جديدة. كما نقوم بتقديم وتشجيع كتّاب صغار تدربوا في المكتبة على أيدي صحفيين وكتاب عرب معروفين، إضافة إلى استضافة علماء آثار في الجولات السياحية التي ننظمها"، تقول المديرة التنفيذية.
ومن ميزات المكتبة أنها مفتوحة أيضا للكبار من أولياء الأطفال وطلاب المدارس وغيرهم بهدف المطالعة والاستماع إلى الموسيقى ورؤية الأفلام والمشاركة في عرض محتويات الكتب ونقدها على حد قول أيمار كوسا أحد زائري المكتبة والمتابعين لأنشطتها بشكل متكرر. ويرى كوسا بأن المكتبة تساهم بشكل ريادي في تنشئة جيل قادر على الحوار والتواصل مع بعضه البعض ومع العالم. وعلى سبيل المثال هناك حوار وتواصل بين طلاب المكتبة وطلاب من مكتبة اوهايو الأمريكية. أما موضوع الحوار فهو المواضيع والهموم التي تشغل الطلاب في المدرسة وفي حياتهم العامة على حد قول أحد المشاركين في الحوار.
صعوبات وحلول
ونظرا للزيادة المضطردة في الطلب على خدمات المكتبة تبرز الكثير من الصعوبات على صعيد تمويل الأنشطة المتنوعة، لاسيما وسط بيئة تُعتبر فيها ثقافة الدعم لمشاريع اجتماعية من قبل الأفراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية ضعيفة. ويعود السبب في ذلك حسب تعبير سميح قاسم الموظف في أحد مؤسسات القطاع العام الكبيرة إلى عدم تقدير أهمية ذلك على المدى الطويل، أي أن المؤسسات لا تعي حقيقة أن مثل هذا الدعم ينعكس إيجابيا على المجتمع ككل. ومن الصعوبات التي تواجهها المكتبة على ضوء ذلك صعوبة في توفير أعداد الكتب اللازمة للإعارة، إضافة إلى صعوبات تحمل تكاليف صيانة المتوفر منها في الوقت المناسب.
ومن أجل تجاوز الصعوبات المالية، أطلقت المكتبة بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2010 مشروع دعم "الأسر الصديقة" الذي يمكن لأصدقاء المكتبة المساهمة فيه بمساعدات نقدية أو عينية. وترى السيدة ريم خضور، التي تشارك أسرتها في المشروع بأن خطوة كهذه تشجع على تبني العمل الجماعي والتشاركي من أجل دعم مشروع ثقافي فريد من نوعه في سوريا وربما في المنطقة العربية ككل على حد قولها. وتدعو السيدة راميا رجب، من داعمي المشروع، أهالي اللاذقية إلى دعم هذا المشروع الذي يتبع لمؤسسة حققت إنجازات كبيرة في فترات قياسية. ومن هذه الانجازات برأيها برامج دروس التقوية في الرياضيات واللغات لطلاب المدارس المنتسبين للمكتبة. وهو الأمر الذي وفر الكثير من المصاريف للأهل. أما المديرة ديوب فتأمل أيضا بدعم مؤسساتي عالمي أيضا حيث عرضت مؤسسات جمعية "أغاخان" ومؤسسة "أنا ليند" وجمعية "فردوس" السورية دعمها للمكتبة مؤخرا.
دعم ثقافة المطالعة وراء إنشاء المكتبة
وحول فكرة إنشاء المكتبة قالت مديرتها ديوب بأن الفكرة جاءت كرد على قلة المطالعة وعدم الاهتمام بالكتاب. "نريد إنشاء جيل مبدع يعتمد على المبادرة الذاتية في التعلم والمطالعة بدلا من التعليم بالحفظ والتلقين. بشكل عام وبنفس الوقت إنشاء جيل مبدع وبناء يعتمد البحث بدل التلقين،ومن هنا تأتي مشاركة الأطفال في مشاريع مثل مشروع تصميم حديقة المرور ومشروع تصميم بيت لمرضى السكري"، كما تقول المديرة ديوب.
عفراء محمد - اللاذقية
مراجعة: هيثم عبد العظيم