مبادرة "صراحة" لرفع الوصم بالعار عن مرضي الايدز في مصر
٣٠ نوفمبر ٢٠٠٩ألقت الشرطة في محافظة أسيوط المصرية القبض على مريض بالإيدز بعد هروبه من احدي المستشفيات بساعات عقب تأكيد التحاليل بأنه مصاب بهذا المرض. وفى التحقيق اعترف الهارب أنه دخل مستشفى أسيوط الجامعي بعد إصابته بالتهابات جلديه، وبعد إثبات التحاليل إصابته بفيروس فقدان المناعة "الإيدز"، قرر الهرب قبل عزله بمستشفى حميات أسيوط خوفا من الفضيحة"...هذا الخبر تناولته الصحف المصرية منذ شهور، وهو يوضح بصورة كبيرة وضع مريض الايدز في المجتمع المصري الذي ينظر إليه على أنه اقترف جرما، أما المريض نفسه فيخشى من الفضيحة والعزل ووصم العار الذي سيطارده حتى يوم وفاته.
ولا يختلف حال "كريم" الذي رفض ان يكتب اسمه بالكامل في حواره مع دويتشه فيله، فهو مصاب بالمرض منذ عامين، لكنه يعيش كالميت حيث فوجئ بنفسه وحيدا في مواجهة مجتمع وصمه بالفاحش، منذ أن اكتشف إصابته إثر إقامته علاقة جنسية مع فتاة أجنبية، فخسر عمله وأهله. غير انه بدأ مؤخرا يشعر بالأمل بعد حصوله على دعم وعلاج من المسئولين في البرنامج الإقليمي للايدز التابع لبرنامج الأمم المتحدة الذي يتخذ من القاهرة مقرا له.
على العكس تواجه "فاطمة" المرض بقوة، كما تواجه نظرة المجتمع إليه، لاسيما وأنها أصيبت به عن طريق زوجها الذي لم يكن يدرك وقت زواجه منها انه أيضا مصاب بالإيدز جراء نقل دم ملوث، فهي تشترك في الندوات وبعض البرامج التليفزيونية لتثبت للجميع أن مريض الإيدز ليس جرثومة، بل شخص مصاب بمرض مثله مثل أي مرض آخر.
ويبلغ عدد مرضى الايدز في مصر بحسب الإحصائيات الأخيرة من وزارة الصحة 10 آلاف حالة مسجلة، إلا أن الأمم المتحدة تؤكد إن الرقم أعلى من ذلك حيث يصل إلي 22 ألفا، وبرغم أن المرض لا يعد منتشرا بقوة في مصر مقارنة بدول أخرى، إلا أن ما يثير القلق هو ضعف قدرة المصابين بالفيروس على الوصول إلى المعلومات لأنها محدودة، ولوجود نقص في الوعي المجتمعي وحتى الطبي بالمرض.
مبادرة لمساعدة المرضى عبر الفيس بوك
ولمواجهة ذلك الأمر أطلق مؤخرا مجموعة من المدونين المصريين والعرب مبادرة "صراحة" للتضامن مع المتعايشين مع فيروس مرض الايدز، وتدعم المبادرة حقوقهم الإنسانية، وتنادي بمنع كل أشكال التمييز ضدهم. وأكد شريف عبد العزيز أحد مؤسسي المبادرة في مصر في حوار خاص مع دويتشه فيله أن الفكرة جاءت بحكم عمله كمدون ومستشار للبرنامج الإقليمي للايدز "هارباس" التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بعد أن نظم البرنامج عدة دورات تدريبية للمدونين والإعلاميين ورجال الدين حول قضية الايدز في مايو/ أيار من العام الماضي، فقرر بعد ذلك حوالي 60 مدون مصري وعربي يعملون بصورة أو بأخرى في مجال الايدز سواء عبر عملهم بجمعيات أهلية أو كأطباء وإعلاميين، التجمع على شبكة الانترنت وتكوين المبادرة على الفيس بوك حيث دشنت في يوليو 2008 بحضور عدد من الفنانين والإعلاميين والسياسيين والأطباء المتخصصين ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وعلماء النفس والاجتماع ومتعايشين مع المرض لرواية تجربتهم وأحوالهم.
وتقوم المبادرة بعمل ندوات وأنشطة مختلفة لرفع وعي الناس بالمرض، وتوفير معلومات علمية وحقائق مثبته عنه بالإحصائيات والأرقام الموثقة بعيدا عن الخرافات والأساطير، كما تعمل على رفع الوصم بالعار الذي يلحق بالمتعايشين مع الفيروس من أجل مساعدتهم وحماية حقوقهم وتوفير الرعاية والعلاج لهم ومدهم بكل الدعم الذي يحتاجونه، وخاصة لأن الإقصاء قد يضاعف من مشكلة انتشار الفيروس، نظراً لخوف المريض من الإعلان عن إصابته.
بالإضافة إلي تعريف الجمهور بأن الدولة توفر الدواء مجانا حاليا للمتعايشين وكذلك توفر أماكن بالمجان للفحص الطوعي والاستشارة، وانه لا توجد مستشفيات خاصة بالمرض لان طبيعة المرض مثلها مثل أي مرض أخر كالسكري يعيش مع المريض طيلة حياته. ويزيد من أهمية نشر الوعي وجود بعض الأطباء الذين يخشون التعامل مع مريض الايدز بسبب الأفكار الموروثة، ولوجود قصور في تأهيلهم للتعامل مع المرض رغم معرفتهم بأن الفيروس لا ينتقل إلا بأساليب محددة مثل نقل الدم أو العلاقة الجنسية غير الآمنة، وانه لا ينتقل باللمس والأكل والعناق والقبلات وجميع أشكال المعايشة اليومية مع المريض.
وأضاف شريف أن الأهداف أيضا تكمن في تعريف الجمهور المصري أو العربي المتدين بصفة عامة، بأن علماء الدين الإسلامي والمسيحي يدعون الجميع الي احتضان المرضي ورعايتهم وتوفير كل سبل المساعدة لهم، وبأن الخطاب الديني تجاه المريض خطاب رحمة واحتواء وليس طرد وانتقام.
تطور إيجابي على صعيد نظرة المجتمع لمرضى الإيدز
ويرى شريف أن المبادرة بدأت تحقق أهدافها وان كان بصورة بطيئة حيث أنه يعتقد أنه في وسط المدونين والمتعاملين مع الانترنت والفيس بوك أصبح مستوى الوعي مرتفعا، ولكن في الشارع المصري ووسائل الإعلام مازالت الأمور تسير ببطء أشد، ولكن نحو الهدف حيث اصبحت وسائل الاعلام مؤخرا تتناول المرض وترحب بحوارات مع المرضي بصورة محايدة دون اتهامات مسبقة.
ويعتقد شريف أن هناك تغير بسيط حدث في السلوكيات العامة للدولة يؤشر بأن الصورة ليست سوداء ولكنها مازالت بعيدة عن الشكل الذي يسعون إليه عبر المبادرة في الوصول إلي تطبيع مجتمعي مصري وعربي تجاه مريض الايدز كإنسان مصاب بأي مرض عادي له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات كأي فرد في المجتمع.
وعن تمويل الحركة قال أنهم يمولون أنفسهم بصورة ذاتية وأحيانا عبر الرعاة و المعلنين للفعاليات، أما على المدونات فالكتابة لا تكلف شيئا على حد قوله. وأكد شريف أنهم يدعمون أيضا شبكة المتعايشين مع المرض عن طريق الوصول إليهم عبر برنامج الأمم المتحدة، أو البرنامج الخاص لمكافحة الايدز بوزارة الصحة المصرية أو من خلال جمعية كاريتاسال العالمية والتي تمتد فروعها حول العالم، ولها فرع بمدينة الإسكندرية. وأشار الي ان اكثر الفئات عرضة للمرض في مصر هم الذين يتعاطون المخدرات لاستعمالهم نفس الحقن الملوثة وأيضا الذين يمارسون الشذوذ الجنسي، كما أكد بأنه لابد لكل فرد في المجتمع أن يذهب لعمل تحاليل معملية وقائية لمعرفة إصابته بالمرض من عدمه وأن هناك خط ساخن بوزارة الصحة المصرية يقدم أيضا كافة الاستفسارات حول المرض، وقد تلقى 153 ألف اتصال منذ إنشائه عام 1996 وحتى نهاية عام 2008 بواسطة مواطنين تقع أعمارهم بين 15 و49 سنة، وتبين المعلومات المتوفرة بأن 81.2 بالمائة من المصابين من الرجال و 18.8 بالمائة من النساء.
الكاتبة: نيللي عزت
مراجعة: ابراهيم محمد