مبادرات نسائية للتغلب على معضلة جرحى الحرب في ليبيا
٢ نوفمبر ٢٠١١حسن أبو الخيرات شيخ جامع بن شعبان بتاجوراء، أصيب بشظية في مدينة بالجنوب الليبي وعولج في بداية الأمر في مستشفى طرابلس، الا أن إمكانيات المستشفى لم تمكِّن من علاجه على الوجه الذي طلبه الأطباء. وقد تم ايفاد الشيخ أبو الخيرات الخميس الماضي إلى تركيا للعلاج على حساب الدولة، وبالاتصال معه قال أنه خضع لانتزاع الشظايا من ساقه كما تم تجبير عظامه، وكانت العملية ناجحة. وقال الشيخ أبو الخيرات في حوار مع دويتشه فيله، ان الاهتمام كان جيدا وأنهم قالوا لهم لن تعودوا إلى ليبيا إلا وانتم تمشون على أرجلكم وبحالة جيدة، وأضاف بأن الإسراع في ايفاده للعلاج خارج ليبيا ساهم في شفائه مبكرا.
ويقول أطباء ونشطاء من المجتمع المدني في ليبيا، تحدثوا لدويتشه فيله، إن مساهمة الدول الغربية في إسعاف مصابي الحرب، ما تزال "خجولة" حتى بالمقارنة مع دول عربية مثل تونس والمغرب ومصر، ولاسيما في ظل وجود عشرات الآلاف من المصابين، وضمنهم بضعة آلاف من الثوار المصابين إصابات خطيرة. وفي ظل تواضع المساعدات الخارجية في مجال إسعاف الجرحى بما فيها مساهمة ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، يعوِّل الليبيون على تفعيل دور هيئات المجتمع المدني والمبادرات الأهلية والتبرعات ومنها مبادرات نسائية لقيت دعما كبيرا من الشارع الليبي.
مشكلة الجرحى تسبب صداعا للمجلس الانتقالي
يواجه المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي للمجلس، ضغوطا متزايدة من الشارع الليبي بخصوص ملف الجرحى، بسبب ما يعتبره عدد من الليبيين الذين تحدثوا لدويتشه فيله "تقصيرا في مكأفاة الجرحى والمصابين" وعدم توفير الأموال للعلاج، وهو ما تبرره الوزارة الجديدة العهد بان الأموال الليبية مجمدة. وقد تم إنشاء وزارة جديدة للشهداء والجرحى تقلدها أحد الثوار للدفع بهذا الملف.
وحول طبيعة المشاكل التي تواجهها الوزارة الجديدة، أوضح وزير الصحة ناجي بركات وهو طبيب كان يعيش خارج البلاد ويعتبر من الكفاءات العالية في مجال الطب: إن وزارته تعانى من العديد من المشاكل، ومنها ضعف التمويل اللازم لتلبية احتياجات الوزارة، كما أن وزارته أرسلت عددا من المندوبين لجمع ما يلزم من المعلومات الإحصائية حول عدد الجرحى والمصابين والشهداء إلى المجالس المحلية والتي لم ترسل حتى الآن ما يفيد ذلك.
ويوضح المسؤول الليبي، ان بعض المدن يمكن أخذ فكرة دقيقة عن أعداد ضحاياها، مثل مدينة مصراتة والمنطقة المحيطة بها على سبيل المثال، حيث يوجد بها 25 ألف جريح، وحوالي أربعة آلاف و18 شهيداً. ومدينة طرابلس التي بلغ عدد جرحاها 7000 آلاف جريح، و786 شهيداً. كما أشار إلى أن الوزارة قد تقدمت لشركات الأدوية العالمية بطلبات أدوية تقدر قيمتها بـ400 مليون دولار أميركي ( سعر صرف الدولار بالمصرف ما يقارب 1,30 دينار ليبي)، سوف تدفع بالآجل، وأن خزينة الوزارة بها 230 آلاف دينار ليبي فقط لا غير، تصرف شهرياً فقط كمرتبات للموظفين، والعاملين، وبعض النثريات، وأن المليارات التي يعلن عنها في وسائل الإعلام كمخصصات للوزارات، هي توقعات للمستقبل، وفى مخصصات للخطط المقبلة للوزارات الليبية والتي ومنها وزارة الصحة.
الكفاءات الطبية ليست فقط خارج ليبيا
وحسب الدكتور على أبو الشواشي عضو اللجنة الاستشارية الوطنية الليبية، هناك حوالي 1900 شخص من الثوار مبتوري الأطراف، مما يستوجب من الحكومة إنشاء ورشة للأطراف الصناعية في ليبيا. وهو رقم سبق أن اكده رئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل. كما يتم تجهيز المستشفيات واستحضار الكوادر الطبية التي تحتاجها البلاد من الخارج، بحيث بات الثوار يشعرون بأنه ليس هناك فرق بين علاجهم داخل البلاد أو خارجها، ولاسيما وأن عمليات جراحية خطيرة قام بها أطباء ليبيون محليون وآخرون(ليبيون أيضا) وفدوا من الخارج. بينما يرى المنسق الصحي بالمجموعة الدكتور نصرالدين بأن قدرات الدول العربية قد لا تستجيب لأغلب الحالات التي أرسلت إليها، مما يستوجب إرسالهم للعلاج في دول أوروبية لديها إمكانيات متطورة وحديثة.
وفي حوار مع دويتشه فيله، قال الدكتور الطيب الشاوش رئيس قسم الجراحة بمستشفى طرابلس المركزي، إن أغلب الحالات تتركز في علاج الجروح البسيطة من الشظايا إلى الشلل الرباعي وجراحات المخ والأعصاب، وأضاف"حقيقة فهي جروح حرب في الصدر والبطن والأطراف وهي تشكل ثلث الحالات، ويعتبر ثلثا الحالات كسور مركبة، وتوجد معها حالات بتر".
وأضاف الشاوش بأن جرحى الجبهات قد تم ايفادهم للعلاج في الخارج، أما الجرحى الآن فهم من جراء إطلاق النار العشوائي والبوابات، وسيبدأ استقدام مصابي تفجيرات الألغام إلى المستشفيات وتوجد حالات في مصراته وزليتن وأيضا حالات بقصر بن غشير القريبة من طرابلس. وعدد كبير من المصابين، مبتورو الأطراف واصاباتهم خطيرة جراء تلقيهم رصاص القناصة ورشاش سيارات ال 14.5 و23 وغيرها ومدافع 106 وراجمات الجراد وأيضا القنابل العنقودية في مصراته، أو جراء انفجارالألغام في بعض مناطق ليبيا.
وفي تعليقه على الجدل القائم بصدد معظلة الجرحى، قال الدكتورالشاوش بأن الموضوع له شق اجتماعي وسياسي فقد تحدث المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي بأن الألوية لجرحانا وأن الأموال المجمدة ستصرف عليهم بإيفادهم إلى الخارج، وأضيف بأن نسبة كبيرة منهم تم علاجهم بليبيا والذين تعتبر حالاتهم حرجة وعويصة لا يمثلون الا المئات وليس الآلاف.
ولاحظ الدكتورالشاوش أن حالة المستشفيات والعلاج بالداخل بصفة عامة قبل الثورة وخروج الناس للعلاج في الخارج أضاف مساحة للإثارة الانتقادات ضد ظروف العلاج بالداخل وأيضا على الأطباء الطواقم الطبية المحلية.
أحد رجال الأعمال لا يريد ذكر أسمه، يعتقد بأنه كان من المفترض تطوير المستشفيات في ليبيا وتجهيزها بأحدث المعدات والمستلزمات الطبية سيساهم في نقل الخبرة بزيارة الطواقم الطبية العالمية والمستشارين والخبراء إلى ليبيا، والحصول على تجهيزات طبية تساعد ليبيا وتساهم في الحفاظ على أموالها بالداخل وتطور قدراتها.
مبادرات نسائية
أمام تفاقم مشاكل المصابين والجرحى في ليبيا، بادرت جمعيات ومنظمات من المجتمع المدني بتشكيل لجان للتطوع لعلاج الجرحى وخاصة في الجبهات وأيضا في المستشفيات والتي غاب عنها القائمون بالتمريض. وبسبب الأزمة المالية الخانقة التي تجتازها البلاد تحرك رجال أعمال مع منظمات المجتمع المدني وآخرون من أوساط شعبية بتقديم الدعم الإنساني من وجبات غذائية ومعدات ومستلزمات طبية، وبعض المواد الغذائية. وأقيمت البارزات لتقديم الدعم المادي للجرحى والمصابين وقام رجال الأعمال بتوظيف أموالهم في علاج الجرحى والمصابين.
وقالت سهيله الجبالي رئيسة "جمعية صرخة الصامدين" في حوار مع دويتشه فيله، بأن الجمعية تقوم بتسيير قوافل طبية للمستشفيات والمستوصفات الميدانية في الجبهات وخاصة في مدينة طرابلس وجبل نفوسة منذ بداية ثورة فبراير، وسيتم تيسير قافلة طبية هذه الأيام إلى منطقة الجفرة، وتقوم الجمعية بتجميع التبرعات وتوصيل المساعدات الغذائية والأدوية للعائلات المحتاجة في مناطق طرابلس وجبل نفوسة والزاوية وتقديم مساعدات عينية مالية لبعض العائلات، تحت إطار العمل التطوعي "دون تمييز بين أبناء الشعب الليبي" كما تقول الجبالي. كما ستقوم بجمع التبرعات للجرحى والمصابين المتواجدين في مشافي تونس.
وفي حديث مع دويتشه فيله قالت السيدة محاسن المشاركة في العديد من البازارات كمبادرة فردية منها، إنها تقوم بالمشاركة في السوق الخيري أو البازارلأي جمعية خيرية فعالة من أجل تحقيق"اللحمة الوطنية وبقدر الجهد من أجل تقديم التبرع والعون للأسرالمحتاجة والنازحين وأيضا للجرحى والمصابين، والذي نهتم بعلاجهم كثيرا فقد قدموا لنا خدمة كبيرة هي تحرير ليبيا".
عصام الزبير- طرابلس
مراجعة: منصف السليمي