ماذا وراء الاتهامات الموجهة للعاملين بالمنظمات الأجنبية بمصر؟
٤ يوليو ٢٠١٢عمليات شد وجذب استمرت لعدة أشهر، قبل أن يأتي الأول من مارس/ آذار، عندها انتهى هذا الكابوس بالنسبة لسبعة عشر متهما، حيث استقل موظفو المنظمات الأجنبية غير الحكومية سيارات مصفحة في منطقة الزمالك الفاخرة في القاهرة، واتجهوا إلى مطار القاهرة. اضطر كل منهم أن يودع كفالة بقيمة حوالي 250.000 يورو، كشرط للسماح لهم بالرحيل. ثم نقلتهم طائرة عسكرية أمريكية إلى قبرص، حيث تنفسوا الحرية أخيرا.
كريستينا باده من مؤسسة كونراد أديناور كانت واحدة من أعضاء هذه المجموعة. وكانت أيضا ممن اعتقلوا في عملية المداهمة الكبيرة التي شنتها السلطات المصرية في ديسمبر/ كانون أول الماضي. التهمة الموجهة لها هي الإقامة بشكل غير شرعي وعمليات تحويل أموال من الخارج إلى مصر بشكل غير مشروع. مؤسسة كونراد أديناور متهمة بتحويل مبلغ مليون يورو إلى منظمة محلية - أي أكثر من ضعف الميزانية السنوية لمؤسسة كونراد أديناور. اتهامات سخيفة وغير معقولة، كما يقول هانز غيرت بوتيرينغ، رئيس مجلس إدارة مؤسسة كونراد أديناور، في حوار مع DW. كريستينا تمتلك تصريح عمل في مصر منذ 20 عاما، وكان يتم تجديده بشكل منتظم، كما أن مؤسسة كونراد أديناور تنشط في القاهرة منذ 35 عاما.
"دوافع سياسية خلف القضية"
القضية مرتبطة ارتباطا وثيقا باسم فايزة أبو النجا. وزيرة شؤون التعاون الدولي الحالية، والتي سبق وأن كانت في حكومة الرئيس حسني مبارك. هي من حرك القضية ضد المنظمات غير الحكومية من الولايات المتحدة وألمانيا. الدافع المحتمل: انتقام شخصي. ربما يكون ما أزعجها هو قرار اتخذته مؤسسات أميركية ناشطة في مصر. فمنذ عام 2004 توقفت هذه المؤسسات عن تحويل المساعدات المالية عبر وزارة أبو النجا، وصارت تقوم بذلك مباشرة إلى المنظمات المحلية. فهذا غير شرعي، كما توضح الوزيرة، ولذلك فقد حان الوقت للوقوف في وجه ذلك الأمر.
ولكن هل يتعلق الأمر هنا بنص القانون؟ يبدو ذلك موضع شك. المنتقدون يظنون بأن الإجراء الجديد للمنظمات حرم الوزيرة أبو النجا من أموال كان يمكن أن تأخذها لنفسها.
الوزيرة أبو النجا قادت هذه الحملة ضد المنظمات غير الحكومية، وما ساعدها في ذلك هي صلتها الوثيقة مع المشير طنطاوي، الذي يدير اللعبة السياسية خلف الكواليس، منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك.
تحقيقات مستمرة ضد منظمات محلية
نهى السباعي، الباحثة في مجال العلوم السياسية، ومنسقة برامج المنظمة المصرية غير الحكومية " نهضة المحروسة"، متأكدة من أن المجلس العسكري قام بالتحرك ضد المنظمات غير الحكومية بشكل استراتيجي متعمد وتضيف: "إن المجلس يحاول تدمير القوى الثورية بالتدريج". فبعد بداية الانتفاضة المصرية في يناير/ كانون الثاني 2011، كانت البداية مع المدونين والناشطين. إذ تم إلقاء القبض عليهم وأحيلوا إلى المحاكم. تبع ذلك مسألة الأقباط، وبعدها جاء الدور على المنظمات غير الحكومية.
في هذه الأثناء علقت العديد من المنظمات نشاطها في مصر، والبعض الآخر، مثل كونراد أديناور، صار عملها جزئيا فقط. و تقول نهى السباعي: "إن المنظمات غير الحكومية الخارجية كانت دائما الداعم للمجتمع المدني المصري". هذا المجتمع الذي يعتمد كثيرا على الدعم المالي الخارجي. ثم تضيف السباعي: "إذا كنت ستضيّق على تلك المنظمات الأجنبية، فإنك بهذا ستوقف الدعم المالي لكثير من المنظمات المحلية غير الحكومية". وحتى منظمتها "نهضة المحروسة" تعاني من هذه التطورات. وهكذا كان لا بد من إلغاء مشاريع وتأجيل مؤتمرات. ويبدو أن الوضع يزداد سوءا. فالقضاء يحقق حاليا في ملفات حوالي 400 منظمة مصرية، وخاصة ضد تلك التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن، حتى داخل السلطة القضائية المصري يبدو أن هناك ارتياحا لهذا التدبير. اذ تم تأجيل المحاكمة ضد المنظمات غير الحكومية الأجنبية أربع مرات. ومن يحدد موعد صدور الحكم في محاكمة موظفي مؤسسة كونراد أديناور هم القضاة. ربما سيكون ذلك في غضون أشهر قليلة، وربما سيستغرق الأمر عدة سنوات.
موعد النطق بالحكم
على عكس الكثير من المدعى عليهم، فإن كريستينا باده ستبقى في القاهرة لمتابعة القضية بنفسها. منذ أواخر أبريل/ نيسان، عادت كريستينا (46 عاما) إلى مصر، رغم الخطر الذي ينتظرها بعقوبة قد تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات كحد أقصى. وتوضح في حوار مع DWأسباب عودتها بالقول: "أطفالي وعائلتي موجودون هنا ... لذلك عدت". ولذلك فهي تأمل أن يتقدم النظر في القضية بسرعة وأن تنتهي قريبا. "هذا الغموض أصبح أمرا مرهقا مع مرور الوقت". واليوم الأربعاء (الرابع من يوليو/ تموز 2012) يجب على كريستينا باده أن تعود مجددا للوقوف خلف القضبان في قاعة المحكمة. حيث سيتم لأول مرة استدعاء الشهود. إنه يوم حاسم لأنه سيظهر فيه مدى استعداد النيابة العامة للتعاون، وإذا ما كان بإمكان المحامين أن يتدخلوا في القضية أم لا.
وفي برلين، تأمل إدارة مؤسسة كونراد أديناور، بإعادة فتح مكتبها في مصر قريبا. هاردي أوستري، مدير قسم أفريقيا والشرق الأوسط يأمل بأن يعود فرع مؤسسته في القاهرة للعمل مجددا، كما كان عليه الأمر في السنوات الـ 35 الماضية. ويقول: "في نهاية الامر نحن ندعم المصريين منذ فترة طويلة ونريد أيضا أن نساعدهم في عملية التحول إلى الديمقراطي".
فيكتوريا كليبر/ فلاح آل ياس
مراجعة: يوسف بوفيجلين