ماذا بقي من منظمات المجتمع المدني في العراق؟
٢٥ أكتوبر ٢٠١٣مع خروج العراق من مظلة الديكتاتورية في عام 2003 دخلت إليه تجربة منظمات المجتمع المدني، غير الحكومية. كان الإسم بالنسبة للعراقيين غريبا في البداية، ولم يعرف عنه شيئا سوى العراقيين الذين عاشوا خارج البلد لزمن وطويل، وهؤلاء في الأغلب هم من تولوا نقل التجربة إلى العراق محاولين تعريف الناس بها.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأولى بعد التغيير عام 2003 ولادة عشرات من هذه المنظمات، بعضها ولد في داخل العراق، وبعضها ولد خارجه وانتقل إليه، وأخرى ولدت خارج البلد وبقيت هناك بل وماتت هناك.
التجربة اليوم بلغ عمرها 10 أعوام، ويشعر كثير من الناس بغياب هذه المؤسسات بشكل تام وانقطاعها عن همومهم، فيما يعتبر القائمون على هذه المنظمات ورواد التجربة أنّ الأحزاب قد صادرت منظمات المجتمع المدني وحولتها إلى واجهات حزبية، والى ذلك أشار الحقوقي حسن شعبان رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية في العراق وقد دخل حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية مشيرا إلى أن المجتمع المدني في العراق ما زال في مكانه ولم يتمكن أن يلعب دوره الحقيقي.
وعزا حسن شعبان - الذي أنشا ويرأس منظمة مجتمع مدني مستقلة غير حكومية منذ عام 2005 - هذا الإخفاق إلى "أن تلك المنظمات قد ولدت هجينة وبدأت عملها وهي ضعيفة وقد لعبت الأحزاب والقوى السياسية دورا هاما في التأثير على هذه المنظمات وأفقدتها صفتها الأساسية والرئيسية، وهي الحياد والموضوعية".
وكشف شعبان أن منظمات المجتمع المدني أصبحت أضعف من أن تدافع حتى عن وجودها، حدث ولا حرج عن مصالح وهموم الناس. الحقوقي والناشط حسن شعبان عاد واستدرك بالقول"هناك منظمات ما زالت تحتفظ باستقلالها، ولكنها عاجزة عن القيام بمهامها بشكل فعال".
" التمويل مفتاح الحرية والاستقلال"
الحرية والاستقلال يضمنها مصدر التمويل، وأغلب منظمات المجتمع المدني اليوم محرومة من مصادر التمويل الحر، ففقدت حريتها واستقلاليتها وصارت تابعة لأحزاب وجهات وحتى لأشخاص متنفذين تروج لهم ولمشاريعهم وطروحاتهم.
الأخطر أن عشرات المنظمات تتلقى تمويلها من مؤسسات دولية أوربية ووغربية وآسيوية ، لكن التمويل وبسبب الفساد يتسرب إلى جيوب أشخاص متنفذين. وقد أيّد الناشط والحقوقي حسن شعبان هذا الأمر، مؤكدا أن عددا من العاملين في سلك منظمات المجتمع المدني كانوا يعملون في سفارات النظام السابق، وقد تعرفوا على منظمات دولية، فصارت هذه المنظمات تثق بهم وتتعامل معهم حصرا بسبب الانهيار الأمني الحالي في العراق.
الوضع العراقي بتفاصيله الصعبة يجعل من الصعب جدا على أي شخص أجنبي وخاصة الغربيين منهم أن يزوروا العراق ليطلعوا على مصير الأموال والمواد التي يمنحونها لمنظمات المجتمع المدني والتي تذهب في الغالب إلى جيوب منتفعين قلة لتحل محلها عينات يقصد منه التمويه والتضليل.
فوق ذلك، فان تقارير كثيرة من داخل منظمات المجتمع المدني تتحدث عن عمليات ابتزاز للناشطات العاملات في المنظمات، يقوم بها في الغالب وسطاء بين تلك المنظمات وبين الحكومة أو بين المنظمات وبين المنظمات الدولية الداعمة.
"منظمات المجتمع المدني عندنا لا تفهم دورها الديمقراطي"
الناشط المدني هادي ناصر سعيد الباقر رئيس منظمة السلام الأخضر في العراق والذي مارس نشاطات المجتمع المدني منذ عام 2004، شارك حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية، مشيرا إلى انه انفق نحو 17 مليون دينار عراقي ( نحو 15 ألف دولار أمريكي ) من ماله الخاص لإدامة عمل المنظمة التي أسسها ويرأسها والمعنية بحماية البيئة في العراق والحفاظ على مصادره المائية، والتي لا تتلقى دعما من أي جهة محلية أو دولية.
وشرح الباقر الغاية من إقامة منظمات المجتمع المدني، معتبرا أنها في النهاية، وفي مجتمع ديمقراطي، ستمكّّن المجتمع أن يحكم نفسه بنفسه. وبيّن الباقر " أن وظيفة المنظمات، هي رقابية، استشارية، مشاركة، إلا أن منظمات المجتمع المدني عندنا لا تفهم هذا الدور، لذا فقد وقعت فريسة لمنظمات أجنبية قامت بتسييسها، أو أنها وقعت فريسة الحكومة وصارت تابعة لها".
وبيّن الباقر أن العاملين في منظمات المجتمع المدني يجب أن يكون عملهم تطوعيا دون أجر، لكن هذا لا يتحقق دائما بسبب طبيعة العمل والحياة في البلد. واتفق معه في هذا الرأي الحقوقي حسن شعبان، لكن بوسع المعني بالموضوع أن يسأل: "إذا كان العمل تطوعيا، فكيف يعيش العاملون في هذه المنظمات وما هو مصدر دخلهم؟". وضع السؤال بهذا الشكل سيثير إشكاليات تتعلق بفساد غير منظور في عمل المنظمات المعنية.
نبض الشارع
في اتصال من بغداد، تحدث صباح رئيس منظمة (البصيرة الثقافية لرعاية المكفوفين وضعاف البصر) إلى مايكروفون مجلة العراق اليوم من DW عربية شارحا أن منظمته تسعى إلى رفع المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للمكفوفين وضعاف البصر، "وقد أقمنا عدة دورات عن طريق الكومبيوتر والبرامج الناطقة لتعليم المكفوفين على أسلوب استخدام الكومبيوتر، ونوفر كافة المناهج الدراسية لطلة المكفوفين" .
ومضى الناشط في منظمات المجتمع المدني إلى القول : "الدعم المالي الذي نتلقاه يأتي من الناس الخيرين، كما نتلقى بعض الدعم من بعض المؤسسات الحكومية، وعدد أعضاء منظمتنا هو 600 عضو". وأوضح صباح أن المكفوف في العراق مهمّش ويحتاج أن يوصل صوته إلى العالم، معتبرا أن مجلة العراق اليوم توفر منبرا إعلاميا دوليا يمكن أن يصل من خلاله صوت منظمته.
اتصالات المستمعين ذهب أغلبها إلى أن المنظمات غائبة اليوم تماما عن هموم الناس، وليس لها أي حضور، والى ذلك أشارت المستمعة أم يوسف من بغداد، وبينت" أن منظمات المجتمع المدني تساعد في تحسين الوضع الاجتماعي للناس، وهذا ما لم نلحظه حتى الآن رغم كثرة عدد هذه المنظمات" .
أم يوسف أكدت بالقول: "إن هذه المنظمات غير فاعلة وتنشط فقط أمام أجهزة الإعلام لتضمن تدفق الأموال إليها".
من جانبها تساءلت المستمعة هديل من البصرة في مداخلة وضعتها على فيسبوك" هناك منظمات للمجتمع المدني تعمل بشكل مخفي بهدف معلن هو مساعدة الضعفاء وخصوصا الذين فقدوا معيلهم الوحيد، ولكن الهدف الحقيقي أبعد من ذلك، لأنهم يعملون لحزب معين ولو كان هدفهم فعلا كما ذكروا لماذا هذا التخفي ؟؟ أليس هذا تساؤل ( منطقي) ؟".
المستمعة أم علي من بغداد تساءلت" ماذا فعلت منظمات المجتمع المدني منذ عام 2003 حتى الآن؟ إنها لم تفعل شيئا قط، أين هي حقوق الإنسان؟ أين هي حقوق الطفل؟ أين هي حقوق المرأة؟ وكل من يظهرون على شاشات التلفزة وخلف مايكروفونات الإذاعات وفي الصحف يكذبون".