ماذا بعد تفويض البرلمان المصري للسيسي بالتدخل في ليبيا؟
٢٢ يوليو ٢٠٢٠الخطوة المصرية بموافقة البرلمان إرسال قوات إلى لبيبا، تزيد في الواقع من خطر المواجهة المباشرة بين مصر وتركيا الحليفة لحكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج في طرابلس. بالمقابل تقوم مصر بحملة - إلى جانب روسيا والإمارات العربية المتحدة - لصالح الجنرال المتمرد خليفة حفتر. ووفقاً للعديد من وسائل الإعلام العربية، فإن الجانبين يستعدان بالفعل لصدام محتمل، ولكن هذا الصدام قد لا يكون مباشرا. وقد دّعمت تركيا بالفعل جنودها، بآلاف المقاتلين السوريين، ما مكن حكومة السراج من تحقيق نجاحات عسكرية غير متوقعة، في حين تقوم مصر بتسليح القبائل الليبية بشكل كبير، وفقا لما نشرته صحيفة رأي اليوم اللندنية.
الخطوط الحمراء المصرية
وجود تركيا في ليبيا المجاورة لمصر، بالإضافة إلى النجاحات العسكرية التي حققها حليف أنقرة السراج، أصبحت بمثابة شوكة في خاصرة السيسي، كما أن قوات السراج أعلنت عن عزمها السيطرة على مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، وهذا يعني تعدي خط أحمر آخر بالنسبة لمصر. فالسيسي وبحسب إعلانه الأخير لا يريد فقط منع وقوع المنشآت النفطية إلى الشرق من سرت بيد السراج، بل يخشى أيضا من اختراق تركي لمناطق نفوذ حفتر التي رسمها السيسي.
وفي الوقت الحالي، هناك لهجة عدائية تسيطر على الإعلام الرسمي المصري، حيث أشارت صحيفة اليوم السابع المصرية في عددها الصادر يوم الإثنين (20 يوليو/ تموز 2020) عن وجود ثلاثة أعداء تاريخيين لمصر هم أثيوبيا التي تمنع مياه نهر النيل عن مصر عن طريق سد النهضة وقطر التي تزعم الصحيفة أنها تمول جميع الخطط المعادية لمصر وأخيرا تركيا التي تهدد الحدود الغربية للبلاد.
وتساءلت الصحيفة إن كان ما يحدث حاليا في سيناء وليبيا وسد النهضة هي صدفة عشوائية أم أنها خطة تتعرض لها مصر تم التخطيط لها بعناية. وأكدت الصحيفة أن" كل هذه المخططات لن تنجح".
مصالح متضاربة
ويرى الخبير في الشؤون الليبية تيم أيتون، من مركز Chatham House للأبحاث في بريطانيا، أن الوضع الحالي في ليبيا غير مستقر، فالخبير البريطاني لا يعتقد أن السراج أو تركيا ستوافق على الخطوط التي رسمتها القاهرة، فالبلدان لهما مصالح مختلفة على الأرض ولن يمكنهما التوافق من أجل إنهاء الصراع.
ويقول إيتون إن تركيا مهتمة ببقاء حكومة السراج المتحالفة معها قوية، فمن حيث المبدأ هناك تشابه في دعم التوجه الإسلامي بينهما، كما أن أنقرة تسعى إلى تحقيق مصالح اقتصادية في ليبيا/ من حيث تعزيز الاهتمام التركي بالساحل الليبي وحقوق التنقيب عن النفط في البحر المتوسط.
بالمقابل، فإن القاهرة لها اهتمامات اقليمية بأمنها القومي، فهي ترى أن أي تواجد على حدودها لجماعة الإخوان المسلمين سيكون تهديدا وجوديا لها يجب أن تقاومه . وتعتبر القاهرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على وجه الخصوص، من الداعمين الرئيسيين لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. كما أن السراج ينظر إليه على أنه أحد المنتمين للحركة لإسلامية، لهذا تعتبر القاهرة حفتر حصنا ضد زيادة نفوذ الإخوان هناك.
جيش مصر وجيش تركيا أيهما الأقوى؟
تتمتع كل من تركيا ومصر، بنفوذ عسكري كبير - فالجيشان من بين الأقوى في المنطقة. وفي أحدث تصنيف لمؤشر القوة الضاربة العالمي لعام 2020 تحتل مصر المرتبة التاسعة من أصل 139 جيشاً في جميع أنحاء العالم. وذلك بعدد جنود يصل إلى 920 ألف جندي و215 طائرة حربية و295 4 دبابة. في حين حل الجيش التركي خلف الجيش المصري بالترتيب بعدة نقاط مع وجود 735 ألف جندي، 206 طائرات حربية و2622 دبابة.
ولا يتوقع ناصر زهير، مستشار العلاقات الدولية في مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية، مواجهة عسكرية شاملة بين البلدين. وقال زهير لـ"DW": "بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون هناك اشتباكات سريعة وقصيرة يظهر معها الجانبان قوتهما ثم يعودان إلى الحل السياسي". ومن الواضح أن البادرة التهديدية التي لجأت إليها مصر لن تردع تركيا وحلفاءها الليبيين.
ضعف دور الاتحاد الأوروبي
مؤخرا انتقد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس "الاستفزازات التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط" وقرار البرلمان المصري. وقال ماس إن القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية تضمن دائماً خطر المساهمة في التصعيد، ودعا إلى منطقة منزوعة السلاح حول سرت والجفرة.
بيد أن النداءات والمبادرات الأوروبية لم تسهم حتى الآن في حل الصراع. ويقول الخبير تيم ايتون إن "الدول الأوروبية أظهرت أنها إما غير راغبة أو غير قادرة على بذل الجهود الضرورية"، ما سيؤدي إلى ترك الأمور للجهات الفاعلة على الأرض هناك.
وفي لقاء لـ DW مع وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارنباور، أكدت الوزيرة الألمانية أن مبادرة ألمانيا للسلام والمتمثلة بمؤتمر برلين هي العملية الدبلوماسية الوحيدة المستمرة حاليا على الأرض. وأوضحت الوزيرة أن ألمانيا بصدد إرسال الفرقاطة إيريني إلى قبالة السواحل الليبية في أغسطس/ آب القادم وذلك من أجل منع تهريب الأسلحة إلى ليبيا، كما أكدت الوزيرة في المقابلة مع DW أن ألمانيا تريد أيضا الكشف عن أولئك الذين يهربون الأسلحة وفرض عقوبات عليهم. واعترفت الوزيرة بأن "خيارات ألمانيا محدودة حاليا، وهذا نابع من عدم تواجد قواتها هناك". وتابعت "نراقب بقلق إمكانية تقسيم ليبيا بين روسيا وتركيا وهو أمر لا يصب بالمطلق في صالح السياسة الأوروبية".
كرستن كنيب / علاء جمعة