ما سبب زيادة نسبة الطلاق بين اللاجئين السوريين في ألمانيا؟
٢٩ ديسمبر ٢٠١٩يكاد لا يخلو نقاش عام أو على مواقع التواصل الاجتماعي حول مشاكل اللاجئين السوريين في ألمانيا، من الحديث عن ارتفاع حالات الطلاق بينهم وتحول ذلك إلى ظاهرة أو "موضة” كما يصفها البعض. ولا تتوفر لحد الآن إحصائيات وأرقام حول نسب الطلاق الفعلية بين اللاجئين في ألمانيا.
لكن يمكن رصد حالات الطلاق في عدد من مراكز الاستشارات الاجتماعية والقانونية، كما تحدث لمهاجر نيوز بعض المحامين الألمان ذوي أصول عربية، والذين يفضل العديد من اللاجئين السوريين اللجوء إليهم عند مواجهة مشاكل قانونية في ألمانيا بسبب اللغة وتقارب الثقافة؛ عن ارتفاع في عدد قضايا الطلاق التي تستقبلها مكاتبهم من اللاجئين.
ومنهم المحامي، شريف العبادي، الذي أكد أنه قد لاحظ مؤخرا "ارتفاعا نسبيا في قضايا الطلاق بين اللاجئين". لكنه يستدرك ويقول لمهاجر نيوز رغم من ذلك، لا يمكن تعميم ملاحظته. من جهته أيضاً أكد المحامي أسامة العاجي، أنه يحضر جسلة أو جلستين خلال الأسبوع الواحد في قضايا طلاق مختلفة بين اللاجئين، وهو رقم مرتفع حسب رأيه. ومن خلال القضايا التي يتابعها قال العاجي لمهاجر نيوز إنه لمس "سرعة في اتخاذ قرار الطلاق من كلا الطرفين سواء من طرف الزوجة أو الزوج واستسهالا من كليهما أيضا في الإقدام على هذه الخطوة".
حياة جديدة للمرأة؟
جرت العادة في المجتمعات العربية أن يُلقى باللوم على المرأة عند وقوع الطلاق، والتي بات يُلاحظ أنه لم يعد لكلمة الطلاق الوقع ذاته عليها، كما كان وقعها عليها بحسب ما صورت بعض المسلسلات السورية. بل على العكس من ذلك قد تصف بعض النساء حياتهن بعد الطلاق بـ "الأفضل". كما تحدثت بعض اللاجئات السوريات في ألمانيا عن تجاربهن مع الطلاق لموقع مهاجر نيوز.
"كان أفضل قرار اتخذته طوال حياتي" بهذه العبارة وصفت نهاد (41 عاما) قرار الانفصال عن زوجها. وحصلت الأم لثلاثة أطفال عام 2018 على طلاقها وكرست حياتها لتربية أطفالها منذ ذلك الوقت. تقول نهاد لمهاجر نيوز: "لم يسقط الطلاق علينا من السماء. ففي سورية كنا نتشاجر دائما وكنا على وشك الانفصال مرات عديدة لولا تدخل أهلي وإجباري على البقاء معه. لذلك أنا لا ألوم المجتمع الألماني". وتضيف اللاجئة السورية:"لقد كان أفضل قرار اتخذته طوال حياتي، لم أعد مجبرة على احتمال استخفافه بي ومعاملته لي كتابع ما عليه سوى الانصياع وتنفيذ الرغبات على اختلافها".
وعن تعاملها مع الانتقادات التي طالتها جراء اتخاذها هذا القرار، تقول: "عندما اتخذت قرار الإنفصال عن زوجي السابق قررت أن أغلق أذني عن سماع الأصوات التي تنتقد تصرفي" وتضيف أن الانتقاد الذي وُجه إليها من أهلها "لا يقل عن انتقاد أهله لي، رغم أنهم يعرفون حجم معاناتي معه طوال 20 عاما الماضية".
أما ناديا (50 عاما) وهي أم لأربعة أطفال، ترى أن "الطلاق حررها من البقاء تحت ظل الرجل"، وتروي تجربتها لمهاجر نيوز وكيف تفاهمت مع زوجها بعد الطلاق، إذ أنه "لا يزال يعيش في نفس المنزل بسبب أزمة السكن، قمنا بترتيب حياتنا بحيث أن لا نلتقي سوية إلى أن يجد منزلا وينتقل إليه".
وتضيف ناديا، التي تدير اليوم مطبخا للمأكولات السورية في منزلها واستطاعت تكوين عدد غير قليل من الزبائن، أن الإنفصال منحها حرية القرار، إذ أنه وحسب رأيها "البقاء في ظل رجل، أمر يدمر إمكانيات المرأة ويحولها إلى إنسان اتكالي بطريقة شبه كاملة. بالنسبة إلي لم أتمكن من الاستمرار في ممارسة هذا الدور، وقررت الإنفصال في مجتمع لا يعتبر المطلقة وصمة عار.
من جهتها تقول كاتيا (33 عاما)، وهي أم لطفلين: "لا أبالغ إذا ما قلت أن أولادي اليوم بعد عام على الطلاق أصبحوا أكثر سعادة وتوازنا وأقل قلقا. لا شجار ولا الصراخ ولا العنف، فهم لم يروني أبكي منذ أن انفصلنا. وأنا أكثر قدرة اليوم على الاهتمام بهما". وتضيف لمهاجر نيوز "طلاقي لم يكن نزوة ولا قرارا أرعن، لقد فعلت ما كان يجب أن أفعله منذ زمن طويل".
وتقول كاتيا أنها تعرفت على الكثير من النساء الألمانيات خلال السنوات الأربعة الأخيرة، وأكثر من نصفهن كن مطلقات، ولم يشكل الطلاق أي مشكلة، بلحتى أن لبعضهن "علاقات رائعة مع أزواجهن السابقين". وتتساءل: "لماذا لا يجري الأمر بنفس الطريقة بالنسبة لنا؟ لماذا يجب على المرأة أن تخسر كل شيء إذا ما قررت الانفصال؟ لماذا تصبح بنظر المجتمع امرأة غير سوية؟".
صدمة للرجل؟
لكن وقع الطلاق كان مختلفا على اللاجئ السوري معتز (37 عاما)، الذي يلقي باللوم على المجتمع المضيف (الألماني) وقيمه وقوانينه في وقوع الطلاق بينه وبين زوجته في مارس/ آذار الماضي، حيث لم تنجح جميع محاولاته في إقناع زوجته بالعدول عن قرارها. ويقول لمهاجر نيوز: "بعد عامين من المعاناة والانتظار تمكنت من لم شمل زوجتي وطفلتي في ألمانيا. إلا أن فرحة لم الشمل لم تدم طويلا، لأن حياتنا لم تعد كما كانت من قبل، فزوجتي تغيرت إلى حد بعيد، إذ باتت انفعالية للغاية ومستعدة للشجار في أي وقت ولأتفه الأسباب".
اعتقد معتز أن الأمر ربما يعود للسنوات التي أمضياها بعيدين عن بعضهما، لكن هذا لم يكن وحده السبب، حسب قوله، إذ أنها تعرفت "على صديقات جدد و بدأت تمضي وقتا أطول خارج المنزل وأصبحت أكثر اهتماما بشكلها ولباسها حتى أصبح وضع ابنتنا ذات الثماني سنوات، أسوأ في المدرسة وكانت ترفض تماما فكرة إنجاب طفل آخر". ويتابع: "في أول شجار دار بيننا بسبب ذلك، قامت بتهديدي باللجوء إلى الشرطة!!. كان من الواضح أنها في طريقها لاتخاذ قرار الانفصال عني. حاولت جاهدا ثنيها عن قرارها إلا أنها كانت تزداد تعنتا كلما شعرت برغبتي في التمسك بها. ثم حصل الطلاق كما أرادت".
ظاهرة سببها مجموعة من التراكمات
في حديثه لموقع مهاجر نيوز، أكد الباحث الاجتماعي، سامي شرشيرة أن الطلاق في أوساط اللاجئين تحول بالفعل إلى "ظاهرة"، كثر الحديث عنها مؤخراً في وسائل الإعلام وأنه يمكن رصد هذا الارتفاع في نسب الطلاق بين هذه الفئة من خلال الحالات التي تستقبلها مكاتب الإرشاد الاجتماعية والقانونية وحتى المساجد في المدن التي يقطنها عدد كبير من اللاجئين السوريين.
وعن أسباب انتشار الطلاق بين اللاجئين في ألمانيا، وهل للمجتمع الجديد وثقافته وقوانينه، دور في تغير الثقافات والقناعات للقادمين الجدد وبالأخص للمرأة ؟ يرى شرشيرة أن هناك تأثيرا نسبيا للمجتمع الجديد، لكنه ليس "المسؤول المباشر" عن حالات الطلاق بين اللاجئين، وإنما هناك عوامل مختلفة وتراكمات من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها المرأة بالأخص في بلدها السابق:
ويضيف بالقول: "لا شك أن اكتشاف المرأة للحقوق التي يضمنها لها البلد الجديد وبالأخص الاستقلال المادي، الذي كانت تفتقده في بلدها مع طموحها لممارسة نمط حياة أكثر تحررا ومواجهة الرجل لهذا الطموح بعدم تقبله له، يمكن أن يكون دافعا آخر لاتخاذ هذا القرار. لكن الانتقال إلى مجتمع متحضر مثل المجتمع الألماني ليس هو السبب المباشر، وإنما يوفر لها عوامل اتخاذ القرار بشكل مستقل".
إيمان ملوك/ يحيى الأوس