ما تداعيات أي غزو روسي لأوكرانيا على الاتحاد الأوروبي؟
٢٨ يناير ٢٠٢٢خرجت تحذيرات واضحة وقوية من عواصم غربية من مغبة قيام روسيا بغزو أوكرانيا خاصة في ظل أن الكثير من المراقبين يرون تزايدا في احتمالات توغل القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية في الأونة الأخيرة.
تزامن مع قول وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إنه من المرجح التزام روسيا بالمسار الدبلوماسي في تعاملها مع أوكرانيا والغرب لمدة أسبوعين على الأقل بعد المحادثات التي جرت في باريس لتهدئة الوضع، وهو الأمر الذي يأتي ذلك عقب حالة الجدل التي أثارتها تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن أشار فيها ضمنيا إلى توغل روسي على نطاق صغير في أوكرانيا قد يقابله رد أقل من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وعلى وقع هذا، خرج البيت الأبيض ليتعهد برد "صارم" ضد أي تحرك عسكري روسي في أوكرانيا.
الجدير بالذكر أن روسيا حشدت ما لا يقل عن مئة الف جندي قرب الحدود المتاخمة مع أوكرانيا ما دفع حلف الناتو إلى إرسال سفن حربية ومقاتلات إلى وقرب أوروبا الشرقية وهو الأمر الذي يمثل رفضا مباشرا من قبل الحلف لمطالب موسكو بسحب قوات الناتو من بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة.
ورغم التأكيدات الأوروبية على أن روسيا ستدفع ثمنا باهظا في حال غزوها أوكرانيا، لكن هذا الأمر لا يخفي حقيقة مفادها أن الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة خطيرة في الرد على أي توغل روسي في أوكرانيا. في ضوء ذلك، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الأربعاء على أن الهدف المشترك للتكتل الأوروبي حيال الأزمة الأوكرانية لا يزال يتمثل في "الدفاع عن سيادة أوكرانيا وأراضيها."
تزامن هذا مع تعثر المباحثات التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس بين روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسية ألمانية ، إذ خرج مبعوث الكرملين الخاص بشأن النزاع الأوكراني ديميتري كوزاك في ختام المحادثات ليؤكد أنّ المباحثات "ليست سهلة"، لكنه أشار إلى اتفاق الأطراف الأربعة على عقد جولة جديدة في برلين خلال أسبوعين.
وتمثل المباحثات الباريسية أول مفاوضات مباشرة بين مسؤولين من روسيا وأوكرانيا منذ حشد موسكو قواتها قرب حدود أوكرانيا فيما يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الحديث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الجمعة في مسعى جديد لنزع فتيل الأزمة. ورغم تأكيد ماكرون على عقد المباحثات الهاتفية مع بوتين، إلا أنه حذر من أن روسيا ستدفع "ثمنا باهظا جدا" إذا شنت هجوما عسكريا يستهدف أوكرانيا.
في المقابل، أكدت الولايات المتحدة عدم وجود نية لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، لكن إدارة الرئيس بايدن حذرت روسيا مجددا من عقوبات مشددة في حال مهاجمة أوكرانيا. وفي ظل هذا الحديث عن دفع روسيا "الثمن باهظا"، لا يزال هناك غموض حيال ما هي عواقب وتداعيات غزو روسيا لجارتها أوكرانيا.
عصا العقوبات
خلال قمة أوروبية عقدت في منتصف ديسمبر / كانون الأول، اتفق قادة بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ على فرض إجراءات عقابية ضد روسيا، لكنه كان هناك اختلافا حيال ماهية هذه الإجراءات. يشار إلى أن بعض الدول الأوروبية لديها روابط اقتصادية مع الدب الروسي فعلى سبيل المثال ترتبط ألمانيا والنمسا والمجر بشكل وثيق بالاقتصاد الروسي أكثر من البرتغال أو هولندا.
ولأن القرارات الأوروبية يتطلب تمريرها الإجماع، لذا فإن الشيء الوحيد الذي تملكه المفوضية الأوروبية في الوقت الحالي قائمة بالعقوبات المحتملة فعليا وهي معروفة داخل أروقة المفوضية في بروكسل حاليا. وفي السياق ذاته، شدد دبلوماسيون أوروبيون على أن هذه العقوبات – التي لا يُعرف ملامحها حتى الآن- يتعين أن تنفذ في غضون 48 ساعة من أي غزو روسي لأوكرانيا فيما يستدعي الأمر التنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا التي أعلنت من جانبها عن خطط لفرض عقوبات على موسكو رغم أنها لم تفصح عنها الكثير.
وإزاء كل هذا، لا يزال غير واضح ما هي العقوبات التي ينوي الاتحاد الأوروبي أو حتى الولايات المتحدة وبريطانيا فرضها على روسيا وهل قد تشمل فصل روسيا عن نظام تحويل المدفوعات في جميع أنحاء العالم الذي يُعرف باسم "سويفت" أو وقف خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا؟
أماندا بول – خبيرة أمنية في مركز السياسة الأوروبية المعني بالتكامل الأوروبي – تعتقد أن فرض عقوبات صارمة على روسيا قد يكون له "عواقب على الاتحاد الأوروبي بسبب الترابط الاقتصادي". وفي مقابلة مع DW، قالت إن هذا الأمر سيحمل في طياته "تكلفة يتعين دفعها في حين لا ترغب بعض بلدان التكتل في تحمل هذه التكلفة". وأضافت بول أنه يتعين على المسؤولين الأوروبيين النظر في احتمالية دخول لاجئين من أوكرانيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، فضلا عن ضرورة الأخذ في الاعتبار أن زعزعة الاستقرار في أوكرانيا قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة البحر الأسود بأسرها.
ورغم التداعيات الاقتصادية على الاتحاد الأوروبي حال فرض عقوبات على روسيا، إلا أن جوستاف جريسيل- الزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية – شدد على أن العقوبات القاسية والصارمة تعد الكفيلة لدفع بوتين إلى تغيير مواقفه والتراجع عن أي غزو لأوكرانيا.
وفي مقابلة مع DW، قال: "نجح بوتين في تقدير ثمن هذه العقوبات بل وقام باعداد روسيا على نطاق واسع لمواجهة أي عقوبات اقتصادية. إن استهداف قطاع الطاقة الروسي بعقوبات قاسية هو الأمر الذي من شأنه أن يلحق الضرر بروسيا بشكل فعلي لأن العقوبات الأخرى ستكون بمثابة مصدر إزعاج لكنها ليست عقبة خاصة وأن موسكو لديها ثقة بقدرتها على مواجهة والتغلب على مثل هذه العقوبات."
الغزو..ما هو؟
وبالتوازي مع احتدام النقاش داخل أروقة المفوضية الأوروبية حيال شكل العقوبات التي قد تفرض على روسيا، هناك أيضا نقاش حيال الحاجة إلى تحديد الخطوة العسكرية التي قد تقدم عليها روسيا ضد أوكرانيا وتدفع التكتل الأوروبي إلى فرض عقوبات.
وقد أثار ذلك تساؤلات أبرزها هل يشمل الأمر التوغل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية فحسب؟ أم هل يشمل ذلك تسلل عناصر تُعرف بـ "الرجال الخضر الصغار" وهم جنود روس بدون زي رسمي كما حدث خلال غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014؟
كذلك هل يدخل في السياق ذاته تزايد حدة القتال في شرق أوكرانيا، حيث لا يزال الانفصاليون يسيطرون على مناطق بدعم من موسكو منذ 2014 ؟ وماذا عن شن هجوم إلكتروني يستهدف البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا، هل يرقى ذلك إلى خطوة تُرغم أوروبا على الرد؟
التنسيق الأوروبي - الأمريكي
في ضوء كل هذه المعطيات، لا يزال يكتنف المشهد الكثير من الغموض فيما يتفق الخبراء على أن أي رد فعل ضد روسيا يستلزم التنسيق والترابط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليخرج الأمر بشكل موحد. وشدد على هذا البعد نائب رئيس مركز "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" إيان ليسر. وفي مقابلة مع DW، قال "بدون وجود ترابط قوي وتماسك بين الموقف الأمريكي والأوروبي، فإن روسيا ستشعر أنها مُنحت شيكا على بياض". وشدد ليسر على أن روسيا تهدف إلى إثارة الخلافات عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "بقدر الأهمية التي تمثلها أوكرانيا لها".
ماذا عن الناتو؟
أثارت قضية توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا قلق روسيا التي طالبت الحلف بسحب قواته من أوروبا الشرقية بل والتعهد بعدم انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى التحالف كشرط مسبق قبل انسحاب القوات الروسية من الحدود الأوكرانية.
في المقابل، أكد الحلف على أن قرارات الانضمام إلى التحالفات والتكتلات الدولية هي محض قرارات سياسية وسيادية خاصة بكل دولة، مشددا في الوقت نفسه على عدم تغيير سياسة "الباب المفتوح" الخاصة بانضمام أعضاء جدد إليه.
ورغم ذلك، يعتقد لسير أن ما يدور خلف الأبواب المغلقة قد يتخلف عن المواقف المعلنة. وفي ذلك، قال "في الحقيقة، هناك القليل من الحماس داخل حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو إذ يرى البعض أن الالتزام تجاه أوكرانيا هو التزام أمني".
وفيما يتعلق بحماية أعضاء الحلف من أي عدوان روسي، فإن الحلف قد أكد على أن أوكرانيا رغم أنها تتطلع للانضمام إلى الناتو، إلا أنها في الوقت الحالي لا تندرج تحت مظلته الدفاعية بسبب أنها ليست عضو في الحلف. وفي هذا السياق، قال مجلس شمال الأطلسي الذي يعد كيان صنع القرارات السياسية في حلف الناتو، في ديسمبر / كانون الأول: "سنرد دائما بشكل حازم ضد أي تدهور في البيئة الأمنية للحلف بما يشمل تعزيز المواقف الدفاعية الجماعية إذ لزم الأمر".
وشدد الحلف على أن التطورات الأخيرة تُجيز تفعيل قوة المهام المشتركة عالية الجاهزية التابعة للناتو والتي قد تضم حوالي خمسة آلاف جندي في غضون فترة قصيرة وقد يتم توسيع الأمر في غضون 30 يوما ليصل عدد الجنود إلى 40 ألف جندي في إطار ما يطلق عليه "قوة الرد السريع" لحلف الناتو.
يشار إلى أن مهمة "قوة الرد السريع" الدفاع عن الدول الأعضاء في الحلف فيما تضع ألمانيا 16 ألف جندي في حالة تفعيل الناتو هذه القوة. تزامن هذا مع تعهد الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا مع تصاعد التوتر بين كييف وموسكو واستمرار الحشد العسكري الروسي قرب الحدود.
وقالت كارين دونفريد - مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون أوروبا وأوراسيا – "سنقدم لأوكرانيا المزيد من المساعدات العسكرية بما في ذلك المعدات والأسلحة الدفاعية في غضون الأسابيع المقبلة. وإذا قامت روسيا بالغزو، فسوف نقدم المزيد لأوكرانيا."
نشر قوات أمريكية
وفي هذا السياق، يدرس الرئيس الأمريكي إمكانية إرسال قوات أمريكية إلى أوروبا الشرقية أم لا فيما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقابلة مع شبكة "سي. بي. إس." الإخبارية الأحد الماضي إن واشنطن "تركز بشكل كبير على تقوية أنظمة الردع والدفاع".
وقال مسؤولون أمريكيون إن الأمر لا يشمل نشر قوات أمريكية في أوكرانيا إذ يتوقع أن تذهب التعزيزات العسكرية الأمريكية إلى بلدان البلطيق المنضوية تحت راية حلف الناتو وهي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا خاصة مع تزايد القلق في هذه الدول الثلاث إزاء تحركات روسيا. وأضاف المسؤولون الأمريكيون أن التعزيزات العسكرية قد تشمل نشر ما بين 1000 و 5000 جندي أمريكي.
يشار إلى أنه في ديسمبر / كانون الأول توجهت وزيرة الدفاع الألمانية الجديدة كريستين لامبرخت إلى ليتوانيا في أول رحلة لها إلى الخارج منذ توليها منصبها حيث قامت بتفقد قوات الناتو في هذا البلد الأوروبي الذي أرسل إليه الحلف تعزيزات خلال السنوات الأخيرة لمواجهة أي تهديد محتمل من روسيا عقب قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم.
وفي ليتوانيا، شددت لامبرخت على أن الوضع في أوكرانيا بات خطيرا للغاية، مضيفة "أتفهم مخاوف حلفائنا من دول البلطيق والخوف من تعرضهم للتهديد".
جاك باروك وبيرند ريجيرت / م ع