ما بعد صدام رام الله: الحراك الشبابي إلى انفجار أم إلى ركون؟
٢٠ يوليو ٢٠١٢دقائق معدودة، بعد ان انتظمت مجموعات من الشباب في وقفة اعتصامية ترفع شعارات ضد المفاوضات مع اسرائيل وذلك قرب مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، حتى انقض عليهم رجال الأمن ممن يرتدون الزي المدني، مستخدمين العصي والقبضات ليوقعوا عددا من الجرحى ويعتقلوا آخرين، وسط نأي بالنفس من جانب رجال الشرطة. مشهد ليس في صنعاء ولا القاهرة ولا حماة، بل في رام الله، كشف عن احتقان في الشارع الفلسطيني وانذر بتحرك أوسع أو بانتفاضة ولكن ضد من؟ السلطة أم إسرائيل أم الطرفين؟
مسيرة وقمع
فيما كانت القيادة الفلسطينية تعلن عن تأجيل زيارة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي لمدينة رام الله للقاء الرئيس محمود عباس، دعت مجموعة "فلسطينيون من اجل الكرامة" إلى مسيرة سلمية احتجاجا على زيارة شاؤول موفاز، وعلى استمرار المفاوضات مع إسرائيل بصورة عامة. حمل المشاركون شعارات تطالب بمقاطعة حقيقية للمفاوضات، وبإيجاد البديل من خلال استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وإشراك المواطن في القرار السياسي. شعارات ليست جديدة، فقد رفعت خلال وقفات سابقة، وأيدتها الفصائل جميعا بمن فيها حركة فتح، عماد السلطة الفلسطينية. لكن المشاركين فوجئوا بقمع، قد يكون غير مسبوق، نفذه رجال الامن. وفي اليوم التالي نظمت مسيرة احتجاجا على قمع المسيرة الاولى، ووجهت ايضا بقمع مماثل، وخرجت الشرطة الفلسطينية لتعلن أن المشاركين يتحركون وفق أجندة خارجية وأنهم بدأوا الصدام مع الأمن. لكن هذا التبرير لم ينطل على احد، فقد كانت سلمية التحرك واضحة، وكان واضحا أيضا، عنف القمع. وزير الداخلية، وفي محاولة لاحتواء الوضع، أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق في سلوك رجال الأمن وتقصي حقيقة ما وقع، لكن ذلك لم يرض المشاركين ولم يرض منظمات حقوق الإنسان، وهيئات الدفاع عن الحريات.
تفاعلت القضية شعبيا وسياسيا، ووجدت طريقها إلى طاولة الرئيس الفلسطيني الذي أكد دعمه لحرية التعبير وحق المواطنين في التظاهر السلمي، وأمر بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تكون توصياتها ملزمة.
الخلفيات والمدلولات
تعيش الأراضي الفلسطينية حالة ضبابية، بتعثر البرامج السياسية لمختلف القوى، وبخاصة برنامجا التفاوض والمقاومة. وان كان اجماع تحقق حول طريق ثالث هو المقاومة الشعبية السلمية، فان المشاركة فيه لم تكن بالزخم المطلوب. هذا على الصعيد السياسي، الا ان الضبابية ايضا، تظلل الواقع الاقتصادي، حيث الارتفاع المضطرد في نسبة البطالة وخاصة بين خريجي الجامعات، والارتفاع الكبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وتعثر دفع السلطة لرواتب العاملين في القطاع الحكومي وهم أكثر من نصف القوى العاملة في الضفة والقطاع. وفي رأي المحللين السياسيين فان القضية ليست مجرد البحث عن خلاص من الاحتلال، بل أيضا البحث عن مكامن الضعف القيادية، واداء الحكومة في تلبية احتياجات المواطنين واستمرار اعتمادها على أموال المانحين بعد أن وعدت بتفعيل المصادر المحلية والاستغناء التدريجي عن الدعم الخارجي، كما ورد في برنامج حكومة سلام فياض قبل سنتين. لم يتحقق الامر طبعا، وفي الوقت ذاته تعمقت نسبة الفقر، وتزايدت مديونيات البنوك للمواطنين . وفي الوقت ذاته، فشلت المفاوضات، بل وتراجع الاهتمام العربي والعالمي بالقضية الفلسطينية وانصب على تطورات الربيع العربي. ويبدو أن ما سلف كان محركا للاحتجاجات.
الحراك الشبابي: نسعى إلى إشراك الشعب في صناعة القرار
لم يدر في خلد الداعين إلى المسيرات الشبابية أنهم سيواجهون هذا الرد من جانب الأجهزة الأمنية، فهم يفترضون أن الفلسطينيين جيمعا، بمن فيهم رجال الأمن، بحاجة إلى مخرج من الأفق المسدود، وان مناهضة المفاوضات مثلا أو الدعوة إلى تحسين الوضع الاقتصادي، لا يمكن أن تشكل استفزازا للسلطة وأجهزتها! وهم يقرون بأنهم فوجئوا بالرد العنيف، كما يقول حافظ عمر، مصمم غرافيك ، (أحد أعضاء) مجموعة فلسطينيون من اجل الكرامة، التي تضم عدة مجموعات شبابية، بدأت نشاطها في الخامس عشر من آذار- مارس 2011 في الدعوة إلى إنهاء الانقسام، وهي ليست تنظيما سياسيا ولا تمتلك هيكلية قيادية، هدفها استعادة الوحدة الوطنية، واتفاق الفلسطينيين في الوطن والشتات على برنامج سياسي موحد يقود إلى "تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني". وترى هذه المجموعة أن المفاوضات مع إسرائيل عبثية وهي تقود إلى تراجع القضية الفلسطينية. نشطت المجموعة في الدعوة إلى انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، ونظمت فعاليات مختلفة في إسناد الأسرى خلال إضرابهم عن الطعام، كما نظمت وقفات اعتصامية ضد المفاوضات. كان حافظ، من بين الذين تعرضوا للضرب في تظاهرة الثلاثين من يونيو حزيران في رام الله، يقول إن المجموعة نظمت عدة أنشطة وفعاليات خلال الأشهر الفائتة، ضد المفاوضات، دون أن يقع أي صدام مع الأجهزة الأمنية، بل أن الشرطة عملت على تنظيم حركة السير وحماية المشاركين. ويضيف: "بصراحة فوجئنا بقمع الأجهزة الأمنية للمشاركين في وقفة سلمية ضد زيارة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي لرام الله، ولم نتوقع أبدا أن نتعرض للضرب والاهانة بهذه الصورة ومن مجموعات ترتدي الزي المدني.، فالمشاركون لم يوجهوا أي اهانة أو شتيمة لرجال الأمن، ولم يسعوا إلى أي شكل من المواجهة، كل ما في الأمر أننا رفعنا شعارات ضد المفاوضات وضد زيارة موفاز". وفي رد على سؤال حول ما إذا كانت السلطة تخشى تحركا أوسع على هيئة ربيع فلسطيني مثلا قال، "إن هناك احتقانا في الشارع الفلسطيني، بسبب اجراءات الخنق، والاغلاق والتوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين، وما من أفق سياسي أمام الفلسطينيين والحل لدى السلطة هو طريق المفاوضات وهذا لا يستجيب لمطالب الشعب". يتابع حافظ، "المطلوب تحقيق وحدة حقيقية وعودة القرار للشعب وليس اقتتالا او انتفاضة ضد السلطة، فما ينطبق على بعض الدول العربية لا ينطبق على بلادنا" .
الانفجار مؤكد والانتفاضة غير واردة
يرى النائب المستقل في المجلس التشريعي، حسن خريشة ان الاحتقان كامن ومنذ فترة طويلة وان التحرك الشبابي الأخير، هو بمثابة وضع الأصبع على الجرح، " هؤلاء الشباب، لا علاقة لهم بالتنظيمات التقليدية ولا يتحركون وفق أجندة خارجية كما تروج بعض الجهات في السلطة، بل هم يعبرون عن موقف شعبي يناهض كبت الحريات ويناهض الاعتقالات والعسكرة، ويناهض المفاوضات وهي عوامل رئيسية في تحريك الاحتجاجات" ويضيف ان هناك عوامل مساعدة كتردي الوضع الاقتصادي، والأزمة التي نجمت عن أداء الحكومة، ما خلق بطالة وفقرا وجوعا. ويجزم خريشة أن الشباب دقوا جدار الخزان، وان الكرة ستكبر لتقود إلى انتفاضة جديدة. ويتابع :"ما جرى بعد قمع المسيرات السلمية، أن أهالي المعتقلين السياسيين، بدأوا بتنظيم مسيرات احتجاج، والمواطنون بدأوا برفض الاستجابة للاستدعاءات الأمنية وهذه مؤشرات على تحرك شعبي واسع، وان كان ظاهره ضد أداء السلطة، فان باطنه يقوم على تصحيح المعادلة مع إسرائيل، لتعود تصادمية وليست تفاوضية "
يلتقي الوزير احمد مجدلاني مع سابقيه في أن الاحتقان هو ما يميز الحالة الفلسطينية الراهنة، لكنه يرد ذلك إلى أسباب موضوعية متصلة بانسداد الأفق السياسي، وفشل المصالحة والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تسود المناطق الفلسطينية. "هذه الحالة تفتش عن تنفيس عن الاحتقان، والتعبير عن حالة الغضب في صورة مسيرات واعتصامات وطرق احتجاج مختلفة". ويرى مجدلاني أن الحديث عن انفجار للأوضاع في هيئة انتفاضة ليس واردا، فهناك مبالغة ووهم لدى من يعتقد ذلك ويضيف:" يدرك الجميع أن ما يتمناه البعض من انفجار تستفيد منه إسرائيل فقط، فهذا الاتجاه سيقود إلى فوضى تؤدي إلى تفتت المجتمع الفلسطيني" .
عبد الكريم سمارة - رام الله
مراجعة: يوسف بوفيجلين