ما بعد بوتفليقة.. هل يصطدم الجيش بالحراك الشعبي؟
٣ أبريل ٢٠١٩بعد شهر من الاحتجاجات استفاق الجزائريون للمرة الأولى منذ 20 عاماً من دون أن يكون عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة، لكنهم رغم فرحتهم لا ينوون وقف حراكهم حتى رحيل النظام بكامله.
ورغم محاولات الرئيس الجزائري (82 عاما)، البعيد عن الأضواء منذ 2013 بسبب المرض، التشبث بالسلطة وتقديم الاقتراح تلو الآخررلتهدئة الشارع، لكن محاولاته كانت من دون جدوى، لينتهي الأمر بتقديم استقالته إلى المجلس الدستوري.
التضحية بالرئيس.. قبلة حياة للنظام؟
وقبيل إعلان الاستقالة، طالب رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح في بيان "شديد اللهجة" إلى "التطبيق الفوري للحل الدستوري" الذي يتيح عزل بوتفليقة. وكان يشير إلى المخرج الدستوري الذي اقترحه الأسبوع الماضي ويتمثل في تطبيق المادة 102 من الدستور التي تؤدي إلى إعلان عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه بسبب المرض.
ويرى نور الدين بكّيس، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر في حواره مع DW عربية، أن ضغوط الجيش لدفع الرئيس للاستقالة، رغم أنها غير دستورية، إلا أن الشارع الجزائري يرى أنها خطوة في الاتجاه السليم، "فالسلطة العسكرية فرضت واقعاً جديداً قد يخدم الحراك، حيث سيتعامل الشارع السياسي مع طرف واحد لا مع مختلف أجنحة السلطة المختلفة ليتجنب بذلك معركة يتم فيها الاقتتال مع أجنحة متعددة".
أما ماريا خوسوا، الخبيرة في الشأن الجزائري بمعهد دراسات الشرق الأوسط في هامبورغ، فترى أن "الجيش لم يجد بداً من التضحية بالرئيس في مواجهة الضغوطً الشعبية الهائلة والتي فشلت جميع الحلول في وقفها أملاً في استعادة الاستقرار، لكن نجاح مثل هذا التحرك لايزال أمراً تحيط به الشكوك" بحسب ما قالت لـ DW عربية.
ويطالب المتظاهرون برحيل نظام الحكم بكامل رموزه. ويبدو أن استقالة بوتفليقة لم تكن هي فقط أقصى طموحات الحراك الشعبي، والذي يبدو أنه قرر الاستمرار في التظاهر بدعوى أن الاستقالة تركت القرار في أيدي أطراف النظام الذي يصرون على تغييره جذرياً.
هل يخشى الشارع من دور سياسي للجيش الجزائري؟
ولم يكتف بيان قائد الجيش بتطبيق المادة 102 من الدستور، بل انتقد ما وصفه بـ "عدم استجابة" الرئاسة "للمساعي التي بذلها الجيش للخروج من الأزمة الحالية"، مضيفاً أن "هذه المساعي قوبلت بالمماطلة والتعنّت وحتّى بالتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها.."، في إشارة غير مباشرة إلى الدائرة اللصيقة بالرئيس وفي مقدمتها أخوه السعيد بوتفليقة.
هذا التدخل "الخشن" من قبل الجيش أثار قلق الكثيرين في الشارع الجزائري، بحسب ما يرى نور الدين بكّيس، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر. "فالجزائريون يخشون من تغول المؤسسة العسكرية وهم يعلمون جيداً أن الدولة الجزائرية هي دولة عسكر منذ عام 1962 وفترة بوتفليقة لم تكن إلا عبارة عن طرف مدني استعان بقوة العسكر، وعسكر وجد في طرف مدني ضالته التي تحمي مصالحه"، يقول الخبير الجزائري.
ويضيف أن "السؤال المطروح: هل السلطة العسكرية اليوم مستعدة لتسليم مقاليد الحكم للهيئات المدنية المنتخبة أم لا؟. حتى الآن لا توجد إجابات حقيقية لأسئلة من هذا النوع؟"، متوقعاً أن "نرى رسائل صريحة ومبطنة من الشارع الجزائري في هذا الشأن في تظاهرات الجمعة المقبل".
لكن أحمد عظيمي، المتحدث باسم حزب طلائع الحريات المعارض، يرى أن رئيس أركان الجيش الجزائري "لم يفعل سوى الاستجابة لمطالب الجماهير بإزاحة رجل مريض منذ 5 سنوات، فالناس كلها تعلم أنه ليس هو من يسير الجزائر وإنما قوى غير دستورية استولت على مركز القرار وأصبحت تستعمل الدولة الجزائرية كلها لمصالحها ومصالح الاوليغاركية في البلاد".
ويرى عظيمي في حواره مع DW عربية أن "بوتفليقة تسبب، هو ومن معه، في تفريغ كل المؤسسات الجزائرية من الكفاءات على مدى سنوات وأصبح الشغور يمس كل القطاعات بدءأ من موقع رئاسة الجمهورية ونزولاً إلى كل مؤسسات الدولة، فيما كانت القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت واقفة ومنظمة ومنضبطة فاتجهت كل الأنظار نحوها، فقامت بدورها الوطني المتوقع".
سيناريوهات مستقبلية
في مقال مطول بموقع "TSA الجزائر" يرى الهواري عدي، أستاذ علم الاجتماع في معهد الدراسات السياسية في جامعة لويس لوميير بفرنسا، أن "الدولة الجزائرية بعد الاستقلال عن فرنسا بنيت بأيدي الجيش الذي حكم البلاد حتى اليوم من خلال تزوير الانتخابات والتخفي وراء التعددية الحزبية وأصبح هو مصدر السلطات بدلاً من الشعب؛ بل إن الجميع يعلم أنه هو الجهة التي تقوم بتعيين رئيس الجمهورية".
ويضيف الهواري عدي أن "الجيش الجزائري به ما لا يقل عن 500 جنرال يديرون فيما بينهم اقتصاد دولة بحجم الجزائر من خلال وكلاء في قطاعات اقتصادية مختلفة أهمها النفط. ويتنازع هؤلاء مع عشيرة بوتفليقة ورجاله موارد البلاد المالية والاقتصادية ما خلق برجوازية نقدية شرسة ومفترسة انتقلت إلى الأجيال التالية من أبنائهم وذلك كله على حساب الشعب الجزائري".
على مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر فكرة أن الجيش الجزائري نظراً لقيادته للبلاد على مدى عقود متصلة فمن الصعب أن يتخلى بهذه البساطة عن مقاليد الحكم. ويرى البعض أن الجيش قد يستجيب لفترة لمطالب الشارع حتى تهدأ الأوضاع ليعود إلى تطبيق السيناريو القديم بوجود مرشح للجيش يحفظ مصالح قياداته وتواصل المؤسسة العسكرية من خلاله هيمنتها على مقاليد الأمور في البلاد،
ولا تستبعد ماريا خوسوا، الخبيرة في الشأن الجزائري بمعهد دراسات الشرق الأوسط في هامبورغ، أن تكون استقالة بوتفليقة لصالح شخصية أخرى من داخل النظام لتستمر الأوضاع السياسية والاقتصادية كما كانت عليه من قبل وإن بوجوه مختلفة.
لكن أحمد عظيمي، المتحدث باسم حزب طلائع الحريات المعارض، يرى بأن مطالب الحراك الجزائري واضحة ولا يمكن الالتفاف عليها. وهي (المطالب) برأيه تعيين شخص تتفق عليها كافة الأطياف السياسية. شخص مشهود له بالاستقلالية وبنظافة اليد والخبرة، يقوم بتشكيل حكومة كفاءات وطنية تتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية تمهيداً لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة بشكل كامل.
عماد حسن