مأساة الموصل - ثمن باهظ لتحرير لم يكتمل
٢٧ مارس ٢٠١٧"جريمة حرب لا يجب أن تمر دون محاسبة..والعبادي هو المسؤول...ولا نقبل أي حجج تبررها"، هكذا علقت صحيفة رأي اليوم الإلكترونية على مقتل حوالي 500 مدني في الموصل، حسب مصادر إعلامية، إثر غارة نفذتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. بينما تحمل أصوات أخرى مسؤولية ما حدث لقوات الحشد الشعبي وأخرى تحملها لقوات التحالف التي نفذت الغارة.
الحادث خلف ضجة إعلامية كبيرة وانتقادات كبيرة للحكومة العراقية وحلفائها في معركة الموصل، في وقت تواجه فيه القوات العراقية صعوبات كبيرة بسبب اختراقات داعش واستغلاله للمدنيين كدروع بشرية له. وعبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء هذه التطورات مشددة على أهمية حماية حياة الناس وضرورة التزام أطراف الحرب باتخاذ كل الوسائل لتحقيق ذلك وفق القانون الدولي. كما أعربت فرنسا عن أسفها للخسائر الكبيرة في الأرواح دون أن تشير إلى مسؤولية التحالف الذي تشارك فيه أيضا.
ورغم إعلان بغداد عن توقف العمليات الجوية بعد الحادث وفتح تحقيق فيه، استأنفت القوات العراقية اليوم عملياتها في المدينة القديمة وسط الجانب الغربي للموصل، ونقل بيان عن الفريق رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية، ان "وحدات (الشرطة) الاتحادية وفرقة الرد السريع شرعت اليوم بالتقدم في محور جنوب غرب المدينة القديمة".
روايات متضاربة
وتحذر الأمم المتحدة من وجود 400 ألف شخص عالقين في وسط الموصل في ظروف إنسانية صعبة. وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها انتقاد القوات العراقية وقوات التحالف بسبب سقوط مدنيين قتلى خلال عملياتها في الموصل، لكن العدد المرتفع للضحايا هذه المرة والذي قد يصل إلى 500 قتيل، حسب بعض وسائل الإعلام، غطى على إنجازات القوات العراقية في الموصل وعزز الجدل القائم حول جدوى هذه المعركة ومدى فعاليتها. وتمكنت القوات الأمنية التي بدأت الشهر الماضي عملية لاستعادة الجانب الغربي لثاني أكبر مدن العراق، من استعادة عدد كبير من الأحياء.
وحتى الآن لم توجه رسميا مسؤولية الحادث لجهة معينة رغم إقرار قوات التحالف بتنفيذها الضربة ورغم اعتزام بغداد إجراء تحقيق في الموضوع. وركزت التصريحات بخصوص الموضوع على التضامن مع الضحايا وضرورة حماية أرواح المدنيين في الحرب.
وقال مسؤولون عراقيون وشهود عيان إن الضربات الجوية خلال الأيام الماضية أدت الى وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين في منطقة الموصل الجديدة، غربي المدينة، وتحدث البعض عن عشرات، وآخرون عن مئات الضحايا ولكن لم يتم التأكد من عدد القتلى.
حكومة بغداد أعلنت في بداية الأمر أن الحادث ناتج عن عملية لتنظيم داعش الذي جاء بمدنيين إلى مكان الحادث ووضع فيه صهريجا مفخخا ثم فجره بتاريخ 22 مارس الجاري ، طبقا لما صرح به أحمد الأبيض الكاتب والمحلل السياسي والعسكري لـ DW عربية، بينما قوات التحالف أقرت بأنها من نفذت الغارة يوم 17 مارس وذلك بناء على معلومات استخباراتية عراقية أفادت بوجود قيادات من داعش في مكان الهجوم. هذا الاعتراف وضع الحكومة العراقية في ورطة كما يقول الخبير العراقي خاصة أن شهود عيان أكدوا رواية الضربة الجوية.
صراعات داخلية
واعتبر البعض إعلان بغداد عن فتح تحقيق في الحادث مجرد محاولة لامتصاص الغضب الكبير حياله، لكن الأبيض يقول إن الحكومة العراقية تسعى من خلال هذه الخطوة من جهة إلى إظهار جديتها وشفافيتها في التعامل مع الموضوع والتخلص من الاتهام الموجه إليها.
ومن جهة أخرى هناك معطى ينبغي الإشارة إليه هنا وهو أن الصراعات السياسية الداخلية تلعب دورا في التأثير على معركة الموصل إذ هناك مساع من جهات سياسية داخل الموصل لأن تتحول المدينة إلى مدينة منكوبة وتصبح بالتالي تحت إدارة دولية ولهذا الغرض هناك دعوات إلى إيقاف المعركة.
هذه المساعي سبق أن كشفت عنها الحكومة لكن الأمر جاء متأخرا كما يقول الأبيض. وفي هذا السياق يضيف الخبير العراقي أن هناك صراعات داخلية في العراق، خاصة بين القيادات السنية، حول مستقبل الموصل ما بعد الحرب، من سيسيطر عليها ومن سيعيد إعمارها. وهذه الصراعات ترخي بظلالها على سير المعركة وعلى التعاطي الإعلامي مع ما يحدث هناك.
وتخوض القوات العراقية بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن حملة عسكرية لاستعادة السيطرة على الموصل ثاني مدن العراق من أيدي الجهاديين الذين يسيطرون عليها منذ أواسط العام 2014، وبدأت الحملة بمعركة تحرير الشطر الشرقي للمدينة، والآن تخوض القوات العراقية عملية تحرير الشطر الغربي.
على وسائل التواصل الاجتماعي تفاعل العرب أيضا مع ما حدث في الموصل، بما في ذلك شخصيات معروفة، فقد غرد السياسي العراقي طارق الهاشمي قائلا: "عندما يتجاهل الحكام مايحصل في #الموصل لحسابات خاصة بهم ! يصموا آذانهم عن آهات الأمهات وصراخ الأطفال فما عذر الشعوب ... لماذا لا تتحرك ؟؟".
وأخذ التفاعل مع الموضوع طابعا طائفيا أيضا إذ اتهم بعض المغردين قوات الحشد الشعبي بارتكاب إبادة جماعية لاستئصال السنة في الموصل.
ماذا يستفيد داعش؟
وفيما تعول القوات العراقية على انهيار معنويات مقاتلي داعش، بسبب الخسارات التي تكبدها في شرق الموصل والآن في الغرب، كعنصر مساعد لها في حربها ضد التنظيم، يحذر مراقبون من أن مثل هذه الحوادث تلعب لصالح التنظيم أو تضعه في نفس المكانة مع القوات العراقية بالنظر إلى أن الطرفين معا تسببا في مقتل مئات المدنيين، بالإضافة إلى أن التنظيم يستخدم أعداد القتلى المدنيين المرتفعة من الطرف الآخر للدعاية لنفسه.
وفي هذا السياق علق الكاتب والباحث العراقي هشام الهاشمي في مقال له على موقع الهافنغتون بوست عربي أن "غضب الأهالي من القصف الشديد، الذي من الطبيعي أن يسقط فيه الكثير من ضحايا المدنيين من غير قصد، سوف يُستثمر لصالح دعاية داعش وأنصاره في تشويه النصر وسمعة القوات المحررة". وأضاف الهاشمي أن "على القيادة المشتركة العراقية الاعتماد على قوات جهاز مكافحة الإرهاب وعلى المروحيات في تحرير تلك الأحياء المغلقة، وتوخي الحذر لأن الأخبار الموثوقة والمتواترة من منطقة الموصل الجديدة وباب السراي وباب طوب مؤلمة جدا، والاعتذار والتبرير والنفي العسكري ليس حلا".
ويرى الأبيض أيضا في حادث الموصل نقطة سيستغلها التنظيم لصالحه. ويقول في هذا السياق" أولا الانقسام الذي بدا من خلال التضارب في تصريحات المسؤولين العسكريين، بالإضافة إلى الحديث عن وقف العمليات الجوية بسبب الحادث، ونحن نعلم أن هذه العمليات أكثر ما يقهر تنظيم داعش".
الكاتبة: سهام أشطو