ليبيا: مستقبل تحت سطوة الميليشيات؟
٢٧ أغسطس ٢٠١٤يتصاعد الدخان الأسود فوق مطار طرابلس الدولي والدبابات تمر على مدرج الطائرات. غرف الانتظار دُمرت، وأضرار بالغة بدت على العديد من منشآت المطار. منذ أسابيع والميليشيات المختلفة تتقاتل من أجل أهم مركز نقل في العاصمة الليبية. والآن استولت جماعة "فجر ليبيا" على المطار، مما جعل الأمل في التواصل إلى حل سلمي يتلاشى.
الحكومة بدورها بدت عاجزة أمام السيطرة على الوضع، فالميليشيات متفوقة على قوات الأمن التي لا تزال في طور إعادة التأهيل، وهي إشكالية كبيرة تواجه الدولة الليبية. إشكالية من إرث الماضي، فالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أضعف خلال حكمه قوات الأمن النظامية والجيش في البلاد لصالح الكتائب المؤيدة له. ونتيجة لذلك بات الحكومة في ليبيا ما بعد القذافي غير قادرة حتى على حماية الطرق والمباني العامة، فكيف عليها أن تحمي المطار الرئيسي؟
في هذا السياق يقول ولفرام لاخر، خبير في الشأن الليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، في حوار مع DW: "حالات التدمير تظهر أن لا أحد يمتلك السلطة في البلد وأن الأحزاب المتصارعة مستعدة لتدمير البنية التحتية لمنع خصومها من الاستفادة".
بلد يغرق في الفوضى
بعد ثلاث سنوات من سقوط القذافي ازدادت الفوضى في ليبيا، فخلال عام 2011 كانت الميليشيات تقاتل متحدة ضد القذافي. لكنها أصبحت تقاتل بعضها منذ رحيله. عن هذا التحول يقول لاخر: "بدأت الجماعات المسلحة تدريجياً تشكيل تحالفات في العامين الماضيين". يتكون تحالف "فجر ليبيا" على سبيل المثال من ميليشيات من مدينة مصراتة ومقاتلين من معاقل أخرى لثورة 17 فبراير، ولكنها تضم أيضاً قوى إسلامية. أما التحالف الآخر فهو يخضع لقيادة ميليشيات الزنتان. "كان لمدينة الزنتان دور كبير في الثورة عام 2011" يقول لاخر، مضيفاً: "تحولت التنظيم تدريجياً منذ ذلك الحين وابتعدت عن حلفائها الثوريين. وبدأت تتشارك القوى المحافظة في آرائها، بالإضافة إلى الفدراليين في الشرق، وفلول الجيش القديم والنخب القبلية، بما في ذلك الجماعات المقربة من النظام السابق".
وينتمي لهذا المعسكر أيضاً ما يسمى بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحارب منذ آيار/ مايو، الميليشيات الإسلامية المتواجدة في شرق البلاد. وانشق حفتر في أواخر ثمانينات القرن الماضي عن جيش القذافي وعاش فترة طويلة في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية. وتستند قوته على أجزاء من القوات المسلحة النظامية، وخاصة سلاح الجوي.
دور الحكومة المركزية
قويت شوكة الميليشيات لدرجة أن دور الحكومة المركزية بات لا يُلحظ في كل أرجاء ليبيا. وعلى الرغم من انتخاب برلمان جديد في شهر حزيران/ يونيو، إلا أنه لم ينل اعتراف جميع الفصائل. إذ فقد الإسلاميون أغلبية أصوات الناخبين وأعلنت تلك الفصائل عن مقاطعاتها للبرلمان غير الشرعي في نظرها. يرى كثير من المراقبين في هجوم الميليشيات الإسلامية محاولة للتغلب على هزيمتها في الانتخابات بالقوة. عن ذلك يقول لاخر "أتخذ البرلمان موقفاً مضاداً من المعسكر الثوري في طرابلس وأعتبر الميليشيات جماعات إرهابية". ويضيف الخبير الألماني بالقول: "وهذا ما يجعل البرلمان طرفاً في الصراع، كما قاطعت قوى سياسية مهمة جلسات البرلمان، ما يقلص من إمكانية تفرده بدور قيادي في البلاد".
وبسبب العنف الذي يمزق العاصمة طرابلس وبنغازي يعقد البرلمان جلساته في مدينة طبرق شرقي البلاد. وهرباً من أعمال العنف هذه، فر الآلاف من الليبيين إلى تونس المجاورة خلال الأسابيع الأخيرة، كما أوقفت العديد من السفارات والمنضمات أعمالها في البلاد. وطالب رئيس البرلمان عقيلة صالح عيسى تدخل الأمم المتحدة قائلاً في لقائه مع قناة "سكاي نيوز" التلفزيونية: "ما زلنا ننتظر أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية الليبيين ووقف إراقة الدماء".
ليبيا على حافة الحرب الأهلية؟
وفي ظل هذا المشهد القاتم يتوقع العديد من المراقبين الآن أن البلاد باتت مقبلة على حرب أهلية أو حتى تفككها، فليبيا لم تكن موحدة حتى عام 1963 حين تم الجمع ما بين أجزاء شبه مستقلة في البلاد هي طرابلس وبرقة وفزان لتشكيل حكومة مركزية. ليبيا لم تنل استقلالها من السيطرة الاستعمارية الإيطالية إلا عام 1951 وكانت تحت حكم الملك إدريس.
لكن اليوم، باتت هذه الوحدة في خطر، لأنه من الواضح أن الحكومة والبرلمان فقدا السيطرة على مناطق واسعة وعلى المدن الكبيرة في ليبيا، واستيلاء "فجر ليبيا" على المطار هو مجرد مثال على ذلك. عن ذلك يقول لاخر: "هناك احتمال لتشكيل حكومة منافسة، وربما مضادة البرلمان في طرابلس". ويضيف "بذلك تكون العملية الانتقالية السياسية قد فشلت". ويخشى جيران ليبيا بالفعل أن الفوضى قد تنتقل إلى بلدانهم، ما دفع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى المطالبة في اجتماع مع زملائه من ليبيا ودول جوارها بتعزيز الحكومة الليبية ونزع سلاح الميليشيات.