ليبيا في نهاية 2017.. انقسام يبدّد تباشير إنهاء الفوضى
٢٨ ديسمبر ٢٠١٧تشارف سنة 2017 على النهاية دون أن تطرأ تحوّلات كبيرة على المشهد الليبي الغارق في الفوضى والانقسام السياسي، فرغم أن هذا العام شهد أوّل اتفاق بين فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، قائد قوات "الجيش الوطني الليبي" الذي يبسط سيطرته على شرق البلاد، حول تنظيم انتخابات تنهي الانقسام، إلّا أن الخلاف عاد ليظهر بعد أشهر من الاتفاق، فيما استمرت الفوضى الأمنية التي سمحت لشبكات تهريب البشر بالعمل لدرجة الحديث عن وقوع أسواق نخاسة في بعض المناطق.
الخلاف الجديد بين حفتر والسراج يعود إلى ما أعلنه الأوّل قبل أيام، عندما صرّح أن اتفاق الصخيرات، الذي رعته الأمم المتحدة ووُقع في مدينة الصخيرات المغربية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، انتهى تماماً، وأن كل الاسماء المنبثقة عنه "فقدت شرعيتها المزعومة"، في إشارة منه إلى السراج الذي كان أكبر الأسماء التي اختيرت في هذا الاتفاق.
وكان منتظرا أن يرفض السراج تصريحات حفتر، عندما ردَّ بأنه لا يوجد أيّ تاريخ لانتهاء الاتفاق السياسي، إلّا عندما يحدث تسليم السلطة لهيئة منتخبة من الشعب. واتهم السراج بعض الموقعين على اتفاق الصخيرات بالتراجع وعدم الوفاء بالتزاماتهم.
غير أن السراج وجد نفسه في وضع صعب بما أن الاتفاق، ينصّ من الناحية القانونية على تشكيل حكومة لمدة عام، قابلة للتمديد مرة واحدة، وقد انتهى أجل سنتين دون أن يتمكن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من نيل ثقة البرلمان الذي يدعم خليفة حفتر. لكن وفي الإطار ذاته، يبقى الدعم الأممي حاضراً للسراج رغم نهاية المهلة القانونية، فالمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، طالب بعدم تقويض العملية السياسية، كما أكد مجلس الأمن الدولي أن اتفاق الصخيرات يعدّ "الإطار الوحيد القابل للاستمرار".
هل وُلد الاتفاق ميتاً؟
الكثير من الليبيين اعتبروا أن هذا الاتفاق وُلد ميتاً، إذ وُقع في غياب الكثير من الشخصيات البارزة، وفي غياب ممثلين رئيسيين عن أطياف مهمة سواء عن البرلمان الليبي، أو عن المؤتمر الوطني العام الذي كان يبسط نفوذه على طرابلس. ورغم أن الاتفاق شمل تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق بمثابة الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، إلّا أنه لم ينجح في لمّ شتات الليبيين بسبب الخلاف على بعض مواده كالمادة الثامنة التي تنقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا إلى حكومة الوفاق.
وقد قام المبعوث الأممي فعلا بإجراء جولات حوار لأجل تعديل الاتفاق منذ شهر سبتمبر الماضي، إذ اعترف أن الاتفاق "تم التوصل إليه على عجل ما أدى إلى عدم تبنيه من قبل كل الأطراف". وقد وضع المبعوث خطة لتعديل الاتفاق منها عقد مؤتمر أممي يحضر فيه جميع من تم استبعادهم من الاتفاق، حتى يتم الاتفاق على مشروع للدستور وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية عام 2018، غير أن جلسة المفاوضات الأولى التي انعقدت في تونس شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لصياغة تعديل الاتفاق، انتهت متعثرة بتبادل التهم بين مجلس النواب ومجلس الدولة التابع للمجلس الرئاسي.
أحمد حمزة، مقرّر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، يرى في تصريحات لـDW عربية أن أسباب تعثر الاتفاق يتحمل مسؤوليتها جميع الأطراف، بدءًا من "التدخلات الخارجية التي أعاقت جهود التوافق، والدور السلبي للمجلس الأعلى للدولة الذي لم يلتزم بما نص عليه الاتفاق السياسي في تحديد مهامه كونه جسم استشاري وليس تشريعي، وتأخر مجلس النواب في تضمين الاتفاق السياسي ضمن الإعلان الدستوري المؤقت، وموقف حفتر الرافض للاتفاق، وتشتت القرار داخل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ممّا أعاق التخفيف من معاناة المواطنين، فضلا عن عدم تغليب أطراف الأزمة للمصلحة الوطنية العليا واستمرار سياسات الإقصاء".
دور حفتر.. حجرة العثرة
لم يكن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بكل هذه القوة السياسية عندما وُقع اتفاق الصخيرات، إذ كانت أطراف الأزمة مقسمة حول مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام، والحكومتين المنبثقتين عنهما، غير أن نفوذ المشير بدأ يتزايد بشدة منذ بداية عام 2016، حتى فرض نفسه على القوى التي استبعدته من الحضور في اجتماعات الصخيرات بدل أن يكون مجرّد قائد لعمليات عسكرية في بنغازي، فقد كان ضيفا ثقيلا على فرنسا التي حاولت طيّ خلافه مع السراج، وأضحى الموقف الروسي بدعمه أكثر وضوحا، كما تعددت لقاءات حفتر بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد.
يدافع الصحفي الليبي، حسن أندار، عن خليفة حفتر بالقول إنه استطاع أن يجمع من حواله ما تبقى من الجيش الليبي في الشرق وأطياف المجتمع القبلي، إذ "لا يمكن لحفتر القيام بأيّ شيء لولا هذا الاصطفاف"، يتابع أندار، مشيراً أن حفتر استطاع أن يتغلب على الميليشيات المؤدلجة في بنغازي واستطاع أن يفرض نفسه على المجتمع الدولي، وبات الشرق الآن قريبا من تشكيل ملامح دولة ليبية، بل إن 80 في المائة من الليبيين، حسب قول أندار، يدعمون الجيش بقيادة حفتر.
ويتابع أندار لـDW عربية أنه من أكبر الأخطاء التي ارتكبها مجلس حكومة الوفاق، هو استعانته بـ"الميليشيات الخارجة عن القانون" بدل أن يقود البلاد إلى توافق. ويوّضح المتحدث أن مجموعات إسلامية تحاول إطالة أمد الفوضى لأنها تدرك أنها لا يمكن أن تستفيد إلّا من خلالها، كما يُحمل الصحفي ذاته المجتمع الدولي مسؤولية استمرار هذه الميليشيات: "لو رغبت القوى المؤثرة بإزالة سلاح هذه المجموعات، لقامت بذلك كما فعلت مع ميليشيات القذافي، لكن على العكس، هي تعتمد عليها، بل إن المبعوث الأممي لا يرفض أن تساهم هذه الميليشيات في حماية الانتخابات بالجهة الغربية" يردف أندار.
غير أن عمر الكدي، وهو محلل سياسي ليبي، كتب في مقال بجريدة القدس العربي، أن حفتر يرغب في تنصيب نفسه قائدا للبلاد، ولكن مشكلته الرئيسية مع الانتخابات، التي يطالب المبعوث الأممي بإجرائها في أقرب وقت، هي أن عليه نزع بذلة المشير لأجل الترّشح، ولكن إذا فشل في الانتخابات، فـ"لن يستطيع العودة إلى هذه البذلة وبالتالي سيفقد كل شيء، لذلك فقد لجأ إلى إعلان إنهاء الاتفاق السياسي حتى يتم إعلان إنهاء كل الهيئات المنبثقة عنه". ويوّضح الكدي أن أكبر عائق يواجه حفتر في مسعاه هو أن غرب البلاد، حيث لا يسيطر، يوجد أكثر من 62 بالمائة من عدد الناخبين، كما أن شعبية حفتر بدأت بالانكماش بسبب الواقع الحقوقي في شرق ليبيا.
ويعارض الكدي فكرة أن حفتر يملك زمام المبادرة العسكرية في ليييا، إذ يشير إلى أن القوة العسكرية الأهم توجد في مصراتة، فهي التي تمكنت من طرد داعش من سرت بتنسيق مع مجلس حكومة الوفاق، كما أن حفتر يواجه مشاكل في الزنتان بعد تعيين فايز السراج لقائد عسكري جديد هو اللواء أسامة الجويلي، زيادة على أن حفتر وحلفاؤه لم يستطيعوا هزيمة القوى المسيطرة في الجنوب. وبالتالي فسيناريو التقسيم أضحى واردا بشدة إذا طالت الأزمة، يبرز الكدي.
وممّا يقف من الناحية النظرية إلى صف السراج وليس صف حفتر، أن بلدان جوار ليبيا، وهي تونس والجزائر ومصر، أكدت في آخر بيان ثلاثي لها أنها تدعم الاتفاق السياسي باعتباره إطاراً للحل السياسي، ورحبت ببيان مجلس الأمن الذي يدعم بدوره هذا الاتفاق، وشدّدت على دور الأمم المتحدة في رعاية الحوار الليبي، كما أن عدة تقارير إعلامية محلية بدأت تتحدث عن خلاف بين حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وهو ما قد تفسره دعوة صالح لليبيين بالاستعداد للانتخابات التي يضع حفتر العديد من الشروط أمام تنظيمها.
الثمن الباهظ للخلاف
الخلافات السياسية الليبية أجّجت تدهور الوضع الأمني بالبلاد، فرغم إعلان فايز السراج تحرير مدينة سرت من "داعش"، في عملية لم تشارك فيها قوات خليفة حفتر، ورغم إعلان هذا الأخير بدوره تحرير بنغازي من قبضة مجموعات إسلامية، بعضها مصنف دوليا على كونه إرهابياً، إلّا أن البلاد لا تزال تعاني أمنياً، خاصة مع استمرار الاشتباكات بين الميليشيات في أكثر من منطقة كما حدث في صبراتة وطرابلس، وخاصة مع وقوع هجمات عنيفة بين الفينة والأخرى كالهجوم الذي تعرّضت له قوات حفتر في قاعدة براك الشاطئ العسكرية، شهر ماي/أيار المنصرم، والذي أوقع 141 قتيلا.
ويبقى مجال الهجرة الأكثر تأثراً بالنزاع السياسي، فقد أعلنت الأمم المتحدة هذا الشهر أن نحو 36 ألف طفل مهاجر يحتاجون إلى المساعدة في ليبيا، يشكّلون نسبة 9 بالمائة من عدد المهاجرين المتواجدين في لييبيا والبالغ عددهم 400 ألف شخص. وقد غرق حوالي 400 طفل خلال محاولة العبور إلى إيطاليا عام 2017 بين آلاف المهاجرين الغرقى. كما أكدت عدة شهادات من مهاجرين تعرّضهم للبيع في مزادات علنية، وهو ما وصفه مجلس الأمن الدولة بـ"انتهاكات مشينة يمكن أن تشكّل جرائم ضد الإنسانية.
لذلك يظهر أن الحل لمواجهة هذه التداعيات السلبية للأزمة لن يكون سوى سياسيا بحتا، بإجراء انتخابات لاختيار رئيس واحد وبرلمان واحد وتشكيل حكومة واحدة بدلا من الفوضى السائدة في البلاد، وفق ما يؤكده حمزة أحمد لـDW عربية. حل يظهر بسيطا من الناحية النظرية، لكن من خبر منعرجات السياسة الليبية، يُدرك أن الطريق نحو إجراء أوّل انتخابات حرة ونزيهة في التاريخ الحديث للبلاد، لا يزال يواجه الكثير من العقبات، جزء منها مرتبط بإرث القذافي الثقيل الذي غيّب مقوّمات الدولة، وجزء آخر بالمطامح الشخصية لعدد من أطراف الأزمة، وجزء آخر بالمصالح الإقليمية.
إسماعيل عزام