ليبيا ـ ضبابية المشهد تسمح لداعش بوضع قدم بشمال إفريقيا
١٩ فبراير ٢٠١٥بدت الصور مطابقة لأبشع فظائع تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا باسم "داعش". مقاتلون يتشحون بالسواد و"مسلح" جهادي يتحدث الانجليزية بطلاقة. إنه يخاطب الغرب بلغة تمزج بين السخرية والاحتقار قبل أن يقوم الرجال بنحر ضحاياهم الذين ارتدوا ملابس برتقالية على الساحل الليبي. بعدها يميل ملثم بوجهه، يبدو أنه زعيم المجموعة المنفذة لعملية القتل، نحو البحر المتوسط ملوحا بسكين ملطخة بالدماء وكأنه يخاطب أوروبا متوعدا "سنفتح روما إن شاء الله".
كان إعدام 21 قبطياً مصرياً على أيدي متشددين في ليبيا بايعوا تنظيم "الدولة الإسلامية" بمثابة إعلان بأن التنظيم الإرهابي تمدد من سوريا والعراق إلى ليبيا. وانتهز المتشددون حالة الفوضى لإيجاد موطئ قدم لهم في شمال إفريقيا على مبعدة رحلة بالقارب من سواحل إيطاليا.
الخطوة الأكثر نجاحاً
ويبدو أن ليبيا هي الخطوة الأكثر نجاحا لتنظيم "الدولة الإسلامية" خارج معقله في الشرق الأوسط، حيث يجذب المزيد من الأتباع ويزيد مخاوف الغرب من وجود قاعدة جديدة للمقاتلين الجهاديين في شمال إفريقيا. وعلى الرغم من ازدهارهم وسط حالة الفوضى في ليبيا إلا أن المتعاطفين مع هذا التنظيم المتطرف لابد أن ينخرطوا في الصراع والاقتتال بين الفصائل، الأمر الذي يجعل من تأمين المكاسب الميدانية على غرار ما حققه التنظيم في العراق وسوريا أمراً أكثر تعقيداً.
عن ذلك يقول الكاتب حسن حسن الذي شارك في تأليف كتاب عن هذا التنظيم: "البيان (الذي تلاه الملثم) في ليبيا بيان مفعم بالتحدي... من خلال قتل مدنيين مسيحيين يرسل المتشددون رسالة مفادها إنهم يتوسعون". ولم يكن صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" مفاجئاً، إذ تشهد ليبيا اقتتالاً بين فصائل متناحرة مما دفع البلاد إلى حالة من انعدام القانون تقريباً بعد أربع سنوات من سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
استعراض قوة
وتتنافس حكومتان من أجل السيطرة والنفوذ تدعم كل منها فصائل مسلحة. وغادر الدبلوماسيون هذا البلد وتعرض مطار طرابلس للدمار، في حين يتعثر تدفق النفط مع تبادل القصف بين المتحاربين بالصواريخ والغارات الجوية.
ويستخدم المتعاطفون مع "الدولة الإسلامية" وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار قوتهم واستعراض رجالهم المسلحين والمطالبة بتطبيق الشريعة في مدينة درنة بشرق البلاد التي تعد معقلاً للتشدد الإسلامي. لكن هذا العام صعد متشددو التنظيم المتطرف عملياتهم في ليبيا، فأعلنوا الشهر الماضي المسؤولية عن هجوم على فندق كورنثيا في طرابلس أدى إلى مقتل تسعة أشخاص.
وهاجم مسلحو التنظيم أيضاً حقل نفط المبروك في ليبيا حيث تمتلك شركة توتال الفرنسية حصة وقطع المهاجمون رؤوس بعض الضحايا.
وقال مصدر بالحكومة الأمريكية إن المسؤولين الأمريكيين لا يعرفون حتى الآن عدد الهجمات التي نفذها أتباع "الدولة الإسلامية" المرتبطة بصورة مباشرة بالتنظيم المركزي أو تلك التي لا تعدو عن كونها مجرد مزاعم. لكن محللين يقولون إن إعدام المصريين ونشر فيديو ذبحهم عبر موقع رسمي تابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" ونقل مقتبسات من مجلة التنظيم بشأن الرهائن وعمليات الإعدام تظهر وجود علاقة بقيادة التنظيم.
مراكز تدريب
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قال الجنرال ديفيد رودريغيز قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا إن بضع مئات من المتشددين يوجدون في مراكز تدريب في شرق ليبيا ترسل على الأرجح مقاتلين إلى سوريا. والآن يقتل الأجانب وهم يقاتلون في صفوف جماعات إسلامية في ليبيا. وحملت صحف تونسية إشارات عن مقتل جهاديين لقوا حتفهم ليس فقط في سوريا والعراق لكن أيضاً في مدن ليبية مثل بنغازي.
وبالنسبة لمصر فإن صعود "الدولة الإسلامية" وتمددها على حدودها الغربية أمر مزعج. ويرى مسؤولون مصريون أن هناك علاقات بين الإسلاميين في ليبيا والمتشددين في سيناء. وقال مصدر أمني مصري رفيع لرويترز: "لديك دولة تسودها الفوضى ينشط فيها على حدودك (تنظيم) الدولة الإسلامية وجماعات متشددة أخرى.. هدفنا ليس احتواء الإرهابيين بالغارات الجوية.. هدفنا هو القضاء على الإرهاب في ليبيا".
وتوجد في ليبيا أيضاً جماعة أنصار الشريعة - التي تحملها واشنطن مسؤولية الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي مما أدى إلى مقتل السفير الأمريكي- فضلاً عن جماعات متصلة بتنظيم القاعدة وفصائل إسلامية أصغر حجماً تعمل بدوافع محلية أكثر من كونها عالمية. هذا الوضع سيحد من قدرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على التماسك في ليبيا.
عن هذا يقول جيف بورتر، المتخصص في شؤون شمال إفريقيا والأستاذ المساعد بمركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت: "سينتهي به المطاف إلى ضربات متفرقة مثل الهجوم على (فندق) كورنثيا... هذا الأمر مختلف عن السيطرة على أراض وجمع ضرائب وتوفير خدمات الدولة".
قاعدة إسلامية جديدة
لكن في درنة، وهي مدينة محافظة كانت يوماً مسرحاً لمقاومة الإسلاميين المتشددين للقذافي، يقول سكان إن أنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" يمارسون نفوذا أكبر ويشنون حملة على التدخين في الأماكن العامة والمقاهي التي تقدم النرجيلة لروادها. ويظهر تنظيم "الدولة الإسلامية" مهارة في الدعاية التي غالباً ما تبالغ في الانتصارات ومن الصعب التحقق مما ينشر على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن في واحدة من هذه الصور استعرض متشددو "داعش" قوتهم في طابور طويل من عربات الجيب ماركة تويوتا قرب سرت. وتظهر صورة أخرى في درنة أنصار التنظيم وهم يقودون عربات دفع رباعي بيضاء وقد كتب عليها عبارة "الشرطة الإسلامية" باللون الأسود.
ويخشى السكان والنشطاء في درنة من الحديث عن المتشددين الذين نفذوا عمليات اغتيال هناك. ويقولون إن يمنياً يُعتقد أن اسمه أبو البراء الأزدي وصل إلى درنة أواخر العام الماضي ممثلاً للتنظيم. ويحشد التنظيم الدعم المحلي في درنة من خلال جماعة ليبية تسمى مجلس شورى الشباب المسلم. وحتى هناك في قاعدته الرئيسية في ليبيا يقول محللون وسكان إنه لا يسيطر تماماً على الوضع ويواجه مقاومة من جماعات إسلامية منافسة.
ويقول توماس جوسيلين الذي يتابع أخبار الحركات الجهادية لحساب صحيفة لونغ وور جورنال إن التنظيم- مع ذلك- قد ينتزع مؤيدين من حركات أخرى وخاصة بين المقاتلين الشبان الذين تجذبهم رسالته القوية وشهرته العالمية. من جانب آخر قال العديد من السكان المحليين إن التنظيم احتجز الرهائن الأقباط المصريين في درنة لكنهم شاهدوهم وهم ينقلون إلى خارج المدينة قبل أسبوعين. وكان معهم طاقم مصورين. وقال سكان بعد نشر الفيديو إن أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية" شددوا إجراءات الأمن واختبأ بعض قادته.
ع.غ/ أ.ح (رويترز، أ ف ب)