ليبيا ـ حكومة السراج أمام تحدي بسط نفوذ الدولة..فهل تنجح؟
١٢ يوليو ٢٠١٦أخيرا وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من دخولها إلى طرابلس، هاهي حكومة الوفاق الوطني الليبية – المدعومة من الأمم المتحدة – تباشر عملها من مقر رئاسة الوزراء في طرابلس، في مؤشر إيجابي على بداية بسط نفوذها شيئا فشيئا – على الأقل في غرب البلاد. يأتي ذلك بعدما نجحت نهاية مارس/آذار الماضي في إقصاء حكومة الأمر الواقع السابقة. فهل تنجح حكومة فايز السراج فيما فشلت فيه سابقاتها من حكومات تعاقبت على البلاد منذ الإطاحة بنظام القذافي عام 2011؟
خطوة إيجابية في طريق طويل ووعر
"هذه خطوة إيجابية بما أننا نتحدث عن وحدة وطنية، لكن العراقيل الميدانية كبيرة وكبيرة جدا"، على ما يقول رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، في تصريح لـDWعربية. ويوضح الصيداوي قائلا: "هناك مئات المليشيات المسلحة وكمية الأسلحة هائلة في هذا البلد (...) كما توجد عصابات وتنظيمات إجرامية أخطرها تنظيم داعش"، لافتا إلى أن الأخير لا يشكل تهديدا فقط لأمن ليبيا فقط، بل لدول الجوار أيضا وخاصة مصر وتونس التي شهدت خلال السنوات الماضية عدة عمليات إرهابية تم الإعداد لها والتدريب عليها انطلاقا من ليبيا.
يذكر أن تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يتخذ من مدينة سرت – الواقعة على بعد 450 كيلومترا شرقي طرابلس – معقلا له، بدأ منذ عام 2014 التوسع في ليبيا مستغلا حالة الفوضى التي انزلقت فيها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية والفراغ السياسي الذي نجم عن صراع عميق حول السلطة بين مختلف الأطراف الليبية.
إذن التحديات التي تواجه حكومة السراج – التي تمخضت عن اتفاق وقعته أطراف ليبية في المغرب في كانون الأول/ديسمبر 2015 – ضخمة وتكاد تعرقل ما تعهدت به من قبل بقيادة فترة انتقالية لا تتجاوز فترة السنتين هدفها الرئيسي إنهاء الصراع على السلطة.
نظريا الأمر ليس مستحيلا، على ما يرى الخبير في الشؤون الليبية رياض الصيداوي، بحيث يقول في تصريح لـDWعربية: "حتى تصبح (هذه التعهدات) إجرائية عملية، يجب أن تنضم إليها القوى العسكرية الكبرى وخاصة الجيش الليبي بقيادة (الجينرال) حفتر"، و"إنشاء جيش وطني ليبي يجمع كل الأسلحة من كل المليشيات قبل المرور إلى المرحلة السياسية"، مشددا على أن "عدم وجود قوات مسلحة وطنية (تأتمر بأمر الحكومة) يعني عدم وجود دولة لأن الجيش هو عمودها الفقري."
انقسام عميق بين الشرق والغرب
وهنا يكمن مربط الفرس، ذلك أن ليبيا مقسمة من حيث الولاءات إلى شرق وغرب، ففي الوقت التي تحظى فيه حكومة السراج بدعم كتائب مصراتة التي تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة وتقود معركة تحرير سرت من بطش تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن هناك فصائل أخرى في الشرق تدين بولائها للجنرال خليفة حفتر.
والمشكلة أن الأخير، أي حفتر، لا يحظى بشعبية تذكر في غرب ليبيا، حيث يُتهم هناك بأنه يسعى إلى تأسيس ديكتاتورية عسكرية، فيما يؤيده الكثيرون في الشرق معتبرين بأنه قد قضى على الإسلاميين المتشددين. ويرفض أنصار حفتر حتى الآن قبول حكومة السراج، الأمر الذي يعرقل من بسط سلطتها في شرق ليبيا ويحول دون توحيد البلاد.
وهو ما أكده السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت في وصف للوضع في ليبيا أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني. ففي سياق متصل اعتبر الدبلوماسي البريطاني العلاقة بين وزير الدفاع في حكومة السراج مهدي البرغثي والجينرال حفتر بأنها "ليست جيدة"، موضحا أن الأخير "لم يتقبل وجود البرغثي في منصب وزير الدفاع"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "ليبيا هيرلد" الالكترونية الناطقة باللغة الانجليزية على موقعها أمس الاثنين (11 من يوليو/تموز 2016).
ميليشيات مسلحة ولاءاتها للقبيلة وليس الدولة
وما يزيد الطين بلة أن الكتائب المسلحة في ليبيا، وهي كثيرة، عادة ما تدين بالولاء للمنطقة التي تنحدر منها أو للقبيلة التي تنتمي إليها وليس للدولة؛ "ليبيا مقسمة إلى شرق تقوده قوات حفتر وآخر غربي تسطير فيه قوات فجر ليبيا في طرابلس التي لم يتم حلها بعد بالإضافة إلى منطقة الزنتان التي تعد منطقة عسكرية مستقلة. في غضون ذلك يصول تنظيم "داعش" ويجول في سرت"، على ما يقول الصيداوي، مؤكدا أن "المشهد ألفسيفسائي الممزق في ليبيا لا يبعث على التفاؤل."
تمزق وفوضى تستغلها المنظمات الإرهابية لنشر الرعب في دول الجوار وأخرى لكسب أموال طائلة من وراء تهريب البشر إلى السواحل الجنوبية لأوروبا، التي لا تبعد سوى 480 عن الساحل الليبي. وإزاء هذه التحديات الصعبة في توحيد البلاد وتجاوز الصراعات السياسية والقبلية والقضاء على "داعش"، يبدو الأمر في الوقت الراهن وكأنه بمثابة "المهمة المستحيلة" لحكومة السراج. فهل تنجح رغم كل التحليلات التشاؤمية فيما فشلت فيه سابقاتها؟