ليبيا على منوال السيسي.. فرصة مواتية أم رهان خاسر؟
١٥ أبريل ٢٠١٩كر وفر مستمر بين قوات ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير المتقاعد خليفة حفتر وقوات حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً بزعامة فايز السراج في مناطق متفرقة من أطراف العاصمة طرابلس، تتخلله أنباء من كلا الفريقين حول تحقيق انتصارات لا يراها أحد غيرهما. لكن المؤكد حتى الآن أن حسم المعركة لم يحالف أياً من طرفي الحرب، ما يُخشى معه إطالة أمد المعارك التي سيكون المدنيون وقودها الأساسي.
الجنرالان يلتقيان في القاهرة
يعد لقاء خليفة حفتر بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو الأول منذ بدء العمليات العسكرية الهادفة لإسقاط حكومة طرابلس. وعلى الرغم من غموض تفاصيل ما دار خلال اللقاء بين السيسي وحفتر، اللهم إلا الكلمات المعتادة حول "محاربة الإرهاب والجماعات الإسلامية المسلحة والعمل على توحيد ليبيا"، لا يخفى على أحد أن حفتر ما جاء إلى مصر إلا طلباً لدعم سياسي في مقابل الضغوط الدولية المتصاعدة لوقف العملية العسكرية، خاصة بعد فشل المساعي الأممية في هذا السياق، إلى جانب محاولة الحصول على المزيد من الدعم العسكري واللوجستي في الوقت الذي تتصاعد فيه خسائر قوات حفتر على الأرض.
وترى كانان أتيلجان، الباحثة في مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في تونس، أن السيسي لن يسمح بحكومة في ليبيا على غرار تونس، حيث كان فيها فصيل إسلامي ولو كان شديد الاعتدال، "فبالنسبة للنظام المصري - وينطبق الشيء نفسه على الإماراتيين والسعوديين - فإن جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي ليس مسموح بتواجدهم بأي شكل في معادلات الحكم في المنطقة، لا في الحكومة ولا في المعارضة ولا بأي صورة. ولذا فهم يرفضون حكومة طرابلس رفضاً قاطعاً"، بحسب ما قالت خلال مقابلة لها مع DW عربية.
الأمر نفسه يراه ستيفانو ماركوتزي، الباحث الزائر في معهد كارنيغي بأوروبا في بروكسل والمتخصص في الشأن الليبي، "فالتعاون بين مصر وحفتر قائم على مكافحة الإرهاب، خاصة مع مشاكل مصر في سيناء وقلق القاهرة من تواجد عناصر من داعش في ليبيا، ما استدعى تدخل مصر بشكل مباشر في عمليات عسكرية تمت في العمق الليبي للقضاء على هذه العناصر في عامي 2015 و2016".
لكن ماركوتزي يرى بعداً آخر للدعم المصري لحفتر، "فهناك احتياج مصري شديد للطاقة، وبالتالي فإن استقرار ليبيا تحت حكم شخص كحفتر قد يدعم كثيراً إمداد مصر بحاجتها من الوقود من مصدر قريب للغاية، خاصة وأن حكومة الوفاق لا تسيطر على كل آبار النفط في ليبيا، التي يقع أغلبها فعلياً تحت سيطرة حفتر وقواته". ويستدرك ماركوتزي بأن الدعم المصري لحفتر تحاول من خلاله القاهرة أن تبدو أمام العالم كلاعب دبلوماسي ربما للتغطية على دورها العسكري في الملف الليبي، ففي سبتمبر/ أيلول 2016 استضافت مصر مؤتمراً خاصاً بليبيا حاولت فيه الظهور بمظهر المعتدل الذي يحاول التدخل بين كافة الأطراف لإصلاح الأوضاع ".
خلافات أوروبية حول الملف الليبي
تقرير لباتريك وينتور، المحلل الدبلوماسي لصحيفة الغارديان البريطانية، ذكر أن لندن يعتريها قلق شديد من التدخل "الخشن" لحلفائها الخليجيين في النزاع الليبي، بخلاف الاتهامات المتصاعدة لفرنسا، سواءً من جانب حكومة الوفاق أو الفاعلين الدوليين، بدعم باريس لحفتر، وهو اتهام ينفيه قصر الإليزيه بشدة ويحيله إلى روسيا.
ويقول الباحث ستيفانو ماركوتزي إن السبب الأساسي للخلافات الأوروبية حول الملف الليبي هو أن الحل الأوروبي للمسألة الليبية لم يلق النجاح الذي كان متوقعاً منه رغم دعم أوروبا لحكومة الوفاق ولجهود الأمم المتحدة من أجل استقرار الأوضاع وإطلاق عملية "صوفيا" المعنية بمحاربة تهريب البشر وإنقاذ المهاجرين في عرض البحر المتوسط وامداد ليبيا بمساعدات انسانية.
ويضيف ماركوتزي أنه مع فشل تلك المساعي، أصبح من الصعب مواصلة السير في المسار نفسه، وبالتالي "بدأت كل دولة تبحث عن مصالحها، لتتصاعد الخلافات بين إيطاليا وفرنسا كما شهدنا مؤخراً، وكذلك التنافس بين أوروبا نفسها وبين روسيا".
قلق مصري-خليجي من نجاح التجارب الديمقراطية؟
كان حفتر قد زار الرياض قبيل الهجوم على طرابلس بأيام، حيث اجتمع بالملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والتقى عدداً من المسؤولين السعوديين. قبل هذا اللقاء، أكد فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، في تصريحات صحفية "أن حكومة دولة عربية (لم يسمها) أعطت الضوء الأخضر لحفتر حتى يهاجم طرابلس، وأن هذه الدولة دخلت على خط الأزمة الليبية مؤخراً".
كثيراً ما يتحدث معلقون ومحللون سياسيون حول مخاوف القاهرة ودول الخليج من قيام دول ديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتصاعد المخاوف خاصة مع حالة عدم الاستقرار في كل من السودان والجزائر، ما يهدد بشكل مباشر استقرار الحكم في مصر، لتلحق بهما ليبيا إن فشلت عمليات حفتر، خاصة وأن السيسي مقبل على تعديل الدستور في بلاده بما يمهد لاستمرار حكمه لعشرين عاماً على الأقل، ولا يريد الكثير من القلاقل في هذا الوقت الحرج.
وترى كانان أتيلجان من مؤسسة كونراد أديناور أن الذعر الذي أصاب الأنظمة العربية - خاصة الخليجية - بسبب أحداث الربيع العربي في 2011 مستمر إلى اليوم ويُخشى من تكراره، وبالتالي كان الدرس هو القضاء على أي تحرك قد يفضي إلى ديمقراطية يكون الإسلاميون جزءاً منها.
هذا ويشير معلقون وسياسيون إلى أن الإمارات والسعودية ترغبان في تكرار النموذج المصري في ليبيا. لكن الرياح لا تسير بما تشتهي السفن، والأوضاع على الأرض - رغم الدعم المالي والسياسي والعسكري - لم تتغير كثيراً.
من جانبه، يرى ستيفانو ماركوتزي الباحث الزائر في معهد كارنيغي بأوروبا أن التدخل الخليجي، سواءً من قطر أو السعودية والإمارات ومعهما مصر، بدعم الفريقين المتصارعين في ليبيا يعقّد الأمور بشدة ويطيل أمد الصراع ويقضي على أي أمل في استقرار الاوضاع، لاسيما وأن كل الأطراف خرقت الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على تصدير السلاح لليبيا، بخلاف الضربات الجوية المصرية والإماراتية في العمق الليبي لمناصرة قوات حفتر، وهي كلها أمور تنتهك قرارات الأمم المتحدة. ويواصل ماركوتزي بالقول إن هذا الصراع الممتد سيؤثر سلباً أًيضاً على الأوضاع في الدول المجاورة، ليس في مصر وحدها، وإنما أيضاً في السودان والجزائر، كما حدث تماماً في 2011. لذلك فإن هذا التصعيد المتواصل في ليبيا يجب أن يتوقف في أسرع وقت، بحسب الباحث ماركوتزي.
هل ينجح حفتر في تغيير المعادلة على الأرض؟
قد يحاول حفتر السيطرة على طرابلس باستمالة عدد من الميليشيات الموجودة هناك بجانب طلبه للدعم السياسي من حلفائه في مصر والخليج وأوربا تمهيداً لسيطرته الكاملة على طرابلس وما حولها، بحسب ستيفانو ماركوتزي، الذي يضيف: "لكنه في الحقيقة فشل في استمالة تلك الميليشيات، خاصة تلك المتواجدة في مصراته والتي لا تراه إلا قذافي جديد، بجانب الخلاف الأوروبي بشأن العمليات العسكرية التي يقوم بها على الأرض. وربما ينتهي به الأمر قريبا منسحباً دون الحصول على أي مكاسب".
ويختتم ماركوتزي حديثه مع DW عربية بالقول: "وصول (حفتر) إلى حدود طرابلس ليست المشكلة، ولكن المشكلة هي في اقتحام المدينة والسيطرة عليها. والأصعب هو السيطرة على غربي ليبيا، والغالب أنه سيُقابل بمقاومة عنيفة للغاية من كل الجبهات. لذا فإن أمله الوحيد هو وقوع خلاف بين الميليشيات المناوئة له".
ع.ح./ كريستن كنيب