ليبيا - دوافع وتبعات اغتيال الورفلي على مسار الحل السياسي

غموض شديد حتى الان يكتنف عملية اغتيال "محمود مصطفى بوسيف الورفلي"، القائد العسكري في قوات المشير خليفة حفتر والمطلوب من جانب المحكمة الجنائية الدولية.

وقعت العملية على أحد طرق مدينة بنغازي حيث توقفت مركبة من نوع تويوتا بيك أب رباعية الدفع بجانب سيارة الورفلي وفتحت النار باتجاهها قبل أن تلوذ بالفرار، بحسب ما ذكر مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية طلب عدم ذكر اسمه. أسفرت العملية عن مقتل الورفلي آمر جهاز الصاعقة والمنتمي إلى ما يسمي "القوات المسلحة العربية الليبية" التي يقودها حفتر، وكذا مقتل ابن عمه أيمن بعدما أمطرهما مسلحون مجهولون بوابل من الرصاص بالقرب من جامعة العرب الطبية وسط بنغازي.

رجل حفتر الأول.. المطلوب دولياً

ذاع صيت الورفلي -43 عاماً- مع انتشار عدد غير قليل من تسجيلات الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها شخص يؤكد ليبيون أنه الورفلي وهو يقوم بعمليات قتل ميدانية أو توجيه أوامر بعمليات قتل لأشخاص عزل موثقي الأيدي والأرجل، وهي العمليات التي صنفتها محكمة الجنايات الدولية "جريمة حرب في سياق سبع حوادث شملت (قتل) 33 شخصا" وقعت بين حزيران/يونيو 2016 وتموز/يوليو 2017 في منطقة بنغازي.

وبحسب المحكمة أيضاً، فقد عُرف الورفلي بتنفيذ عمليات إعدام دون محاكمة لسجناء سياسيين، فقد "أطلق الرصاص على 10 أشخاص أمام مسجد بيعة الرضوان في بنغازي" في كانون الثاني/يناير 2018.

وفي ديسمبر 2019 أدرجته الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات "لارتكابه جرائم خطيرة متعلقة بحقوق الإنسان"، وهو ما فعله الاتحاد الأوروبي لاحقاً، ليفرض على الورفلي عقوبات إضافية.

لكن ذلك لم يمنع حفتر من ترقيته من رتبة رائد إلى مقدم في تموز/يوليو 2019. وقد عبّرت حينها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة عن أسفها، معتبرة أن "الترقية تبعث رسالة واضحة مفادها أن خليفة حفتر ليست له نيّة" بمتابعة الورفلي قضائياً.

لكن باغتيال الرجل يبدو أن ملفه الضخم لدى المحكمة الجنائية الدولية قد أغلق، فيما لاتزال ملفات آخرين عالقة مثل سيف الإسلام معمر القذافي والتهامي معمر خالد رئيس جهاز الأمن الداخلي السابق، وهو ما يلقي مسؤولية كبرى على عاتق الحكومة الليبية الجديدة، خاصة أن هناك من يعتقد أن اغتيال الورفلي جاء لطمس الكثير من المعلومات المتعلقة بملف انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، خصوصاً من جانب الأشخاص والجهات المرتبطة بحفتر أو حتى الداعمين له، وهو الأمر الذي إن تكشفت أبعاده بتسليم الورفلي للمحكمة لكان قد سبب حرجاً شديداً لأطراف عدة، بحسب ما يرى محللون.

هل يقف حفتر وراء عملية الاغتيال؟ 

وحتى هذه اللحظة، لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن اغتيال الورفلي. وهناك أقوال متناثرة تتحدث عن ضلوع الكتيبة 101 والكتيبة 106 في العملية وغيرها من الكتائب والميليشيات على خلفية صراع سياسي ومكتسبات اقتصادية، لكن الدكتور محمد فؤاد الباحث السياسي الليبي المقيم في إيطاليا يؤكد أنه "من دون شك فإن حفتر هو من يقف خلف عملية الاغتيال، فلا أحد يمكنه القيام بعملية مثل هذه إلا هو"، وهو الأمر الذي أشار إليه أيضاً المحلل السياسي مراد التائب والذي غرد بأنه على ثقة بأن "حفتر وحلفاءه ضحوا بالورفلي بعد أن أصبح عبئاً على الجميع". 

وأضاف فؤاد في حواره مع DW عربية أن "سؤال من القاتل الإجابة عنه سهلة للغاية، بل يمكن التحديد والقول إن أولاد حفتر هم المنفذون لأنهم من يديرون العملية اليوم، ولا أحد يستطيع اغتيال شخص بقوة الورفلي في بنغازي إلا جهة من طرف حفتر، إذ يكاد يكون من المستحيل أن يفعلها شخص آخر".

لكن محمد عامر العباني المحلل السياسي الليبي من بنغازي يختلف مع هذا الطرح ويقول إن "الإجابة واضحة ولا تحتاج لاجتهاد .. فالورفلي والذي نحتسبه شهيداً كان أحد من قاوموا الدواعش في بنغازي بضراوة وقتل منهم الكثير عنوة واتهم دولياً بأنه مجرم حرب بسبب تصفيته للدواعش، بالتالي فإن الدواعش في ليبيا هم من له المصلحة الأولى في تصفية هذا البطل".

ووصف المحلل السياسي الليبي في حواره مع DW عربية الحديث الدائر عن احتمال تورط المشير حفتر أو داعميه في عملية الاغتيال بأنه " كلام هراء وهرطقة تدعيها جماعة الإخوان المسلمين وأفرادها الذين لا يحبون ولا يروق لهم المشير حفتر، ويحاولون الكيد له واتهامه بكافة التهم".

ويضيف العباني قائلاً إن "المشير حفتر أنزه وأكثر جرأة وبطولة على التعامل مع ابنه الشهيد محمود الورفلي وهو من محبيه، فالورفلي أحد ضباط الجيش الليبي الذين أبلوا بلاء حسناً في عملية الكرامة منذ انطلاقها في 16– 5 – 2014، والشهيد لم يكن بغريب على القيادة العامة للقوات المسلحة وهو مناصر لها وأحد اركانها والعاملين بها". 

خلفيات الاغتيال

لكن ما السبب الذي قد يدعو جهة ما لاغتيال رجل بهذا الوزن؟ تتعدد التفسيرات والأسباب، فهناك من يرى أنها عملية انتقامية نفذها أهالي غاضبون قام الورفلي باغتيال أبنائهم بدم بارد دون خوف من محاسبة، فيما يرى آخرون أن الرجل صار يشكل عبئاً على ملف التهدئة الليبية والمسار السياسي، كما يظهر رأي ثالث يشير إلى أن الورفلي أصبح يمثل عبئاً شديداً على خليفة حفتر وتطلعاته المستقبلية للمشاركة في العملية السياسية الليبية خاصة مع ارتباطه المباشر بالجنرال المتقاعد.

ويستبعد الدكتور محمد فؤاد الباحث السياسي الليبي فكرة الانتقام ويؤكد أن "من يقول ذلك لايعرف شيء عن الوضع في ليبيا أو بنغازي، فمعظم من قتلهم الورفلي إما أنهم مقموعين أو أنهم مهجّرون في بنغازي، ولا أحد منهم يمكنه اغتيال شخص بحجم الورفلي، فهم أضعف من أن يقوموا بعملية كهذه، أما مسالة الانتقام فهي أيضاً شبه مستحيلة، فلو قام شخص عادي بهذه العملية فسيتم الانتقام منه هو شخصياً أولاً ثم من كافة أفراد أسرته ..هذا موضوع غير قابل للنقاش".

ويرى الدكتور فؤاد أن الورفلي تعدى حدوداً كثيرة في الآونة الأخيرة وأنه أصبح يشكل خطراً ليس فقط على حفتر وإنما على عموم العملية السياسية، "فالورفلي ليس شخصية عادية في بنغازي لأن الشباب الذين كانوا يحاربون مع حفتر كانوا يرون فيه بطلاً شعبياً لكنه أصبح مزعجاً للغاية بالنسبة للعملية السياسية". وأضاف أنه لا يعتقد أن قرار قتل شخص بحجم الورفلي كان فقط قراراً محلياً اتخذ من جانب حفتر، "فبدون شك هناك تدخلات أجنبية وبدون شك فإن قتل الورفلي أمر مريح لجميع الأطراف إذ أنه يغلق ملفات كبيرة لأنه متورط بشكل مباشر في عمليات قتل مثبتة".

وإن كان محمد عامر العباني المحلل السياسي الليبي من بنغازي يعتقد أن "اغتيال الورفلي عملية مرتبطة بانتقام أفراد من الجماعات الإرهابية وخصوصا الدواعش"، إلا أن الدكتور محمد فؤاد يعتقد بتورط جهات خارجية في المسألة فيقول: "هناك أكثر من دولة تتدخل في المنطقة الشرقية من ليبيا ومخابرات عدة دول تسيطر تدير عمليات من وراء الستار هناك.. الهدف الأساسي الآن لكل ما يحدث في ليبيا هو العملية السياسية".

أي تأثيرات على المسار السياسي؟

ولا يعتقد محمد عامر العباني المحلل السياسي الليبي أن عملية اغتيال الورفلي سينجم عنها تأثيرات على المسار السياسي الليبي، "فالشهيد الورفلي بطل من أبطال الجيش الليبي ورجال الجيش هم رجال أبطال يقدمون حياتهم لصنع الاستقرار في بلادهم فهكذا كان الورفلي"، مضيفاً أن "الشهيد لم يكن مشروعاً سياسياً حتى يؤثر في المشهد السياسي، وإنما هو جندي من جنود الوطن قدم حياته فداء له وهو مشروع شهادة من يوم دخوله الكلية العسكرية".

أما الدكتور محمد فؤاد الباحث السياسي الليبي فيعتقد أن "موت الورفلي مريح للجميع سواء بالنسبة لحفتر أو لداعميه بل وحتى للحكومة الجديدة في طرابلس والتي كانت ستجد نفسها أمام ملف في غاية التعقيد ومطلوب منها التعامل معه، فهذا شخص مطلوب دولياً ولو كانت بالفعل حكومة وحدة وطنية فعليها أن تقوم بتسليمه وإلا ما كانت حكومة وحدة وطنية وهي الآن بهذا الاغتيال تخلت عن هذه المهمة وانتهى الأمر وأصبح الملف محلياً وليس دولياً"، متوقعاً أن يكون "الغضب الداخلي محدوداً وقد يستمر عدة أيام وينتهي".

ويتابع الدكتور فؤاد بأن استمرار العملية السياسية في ليبيا يقتضي خروج أشخاص مثل الورفلي من المعادلة، مضيفاً أن "حفتر يواجه مشاكل حقيقية هذه الفترة في المنطقة الشرقية لم يواجهها أبداً طيلة السنوات الست الماضية، فشعبيته انخفضت كثيراً جداً وهناك انتقادات كبيرة موجهة له، بل إن هناك مطالبات بإبعاده عن المنطقة الشرقية ..هذا لم يحدث من قبل .. لذلك يريد حفتر الآن إعادة ترتيب كل أوراقه في المنطقة الشرقية".

ويختتم فؤاد حديثه بالقول إنه "من الضروري أن نقول مثلاً إن الاتصال الذي حدث بين وزير الخارجية الأمريكي برئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة والذي لم يخرج للإعلام كان اتصالاً حاداً بعض الشيء، فالوزير الامريكي قالها بكل وضوح لرئيس الوزراء الليبي إن هذه الحكومة مهمتها هي الانتخابات وأن واشنطن تريد إجراء انتخابات في شهر ديسمبر القادم وأن أي تراخي في هذا الأمر غير مقبول"

وأضاف أن "الأمر وصل بوزير الخارجية الأمريكي أن قال لرئيس الوزراء إن حتى تشكيلة حكومته غير مقبولة فهي كبيرة للغاية وهي بذلك ليست حكومة انتخابات وليست حكومة 6 أو 7 أشهر وهو ما لاتريده الولايات المتحدة التي كانت ترغب في حكومة مؤقتة تدير ملف الانتخابات، لذلك فالاتجاه الدولي على الأقل في المرحلة الحالية هو الانتخابات .. فالكثير من الجهات الدولية لاتريد أبدً تعطيل العملية الانتخابية ووجود شخص مثل الورفلي في المشهد كان أمراً مزعجا جداً للجميع وقد يشكل عبئاً كبيراً على المسار السياسي في البلاد".

عماد حسن