ليبيا- حكومتان تتنازعان الشرعية..نُذر العودة إلى لغة السلاح؟
١١ مارس ٢٠٢٢توتر متصاعد تشهده ليبيا على خلفية صراع سياسي محتدم في أعقاب تصويتبرلمان طبرق (شرق) بمنح الثقة لحكومة جديدة بقيادة وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، فيما ترفض حكومة طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة - والمعترف بها دولياً - الإقرار بما توصل إليه برلمان طبرق.
وبعد أن تجاوزت البلاد الانقسامات بين المؤسسات المتنازعة في شرق البلاد وغربها بفضل حوار رعته الأمم المتحدة، تجد ليبيا نفسها مرة أخرى في ظل حكومتين متنافستين كما كانت بين عامي 2014 و2021 في خضم الحرب الأهلية.
حكومتان تتنازعان الشرعية!
وأدى رئيس الوزراء فتحي باشاغا اليمين أمام البرلمان قبل أسبوع، وقال إنه سيصل إلى طرابلس في غضون يومين متعهداً بأداء مهامه كرئيس للحكومة هناك سلمياً، فيما شدد الدبيبة على عدم شفافية دور مجلس النواب في تعيين باشاغا في منصب "رئيس الوزراء الموازي".
ولم تتمكن الحكومة الجديدة حتى الآن من دخول العاصمة طرابلس واستلام مهامها بسبب رفض الدبيبة التسليم بقرار البرلمان، وعدم اعتراف المجلس الأعلى للدولة في طرابلس بها، وتشكيك الطرفين في صحة إجراءات منح الحكومة الثقة، مطالبين بإعادة فتح الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا من أجل فض الخلاف. وأكد الدبيبة أنه باقٍ في منصبه حتى يتم انتخاب مجلس تشريعي جديد ويمكنه اختيار هيئة تنفيذية جديدة.
ومنذ تأجلت الانتخابات التي كانت مقررة بتاريخ 24 ديسمبر كانون أول 2021، طرحت الأطراف السياسية الرئيسية في ليبيا أفكارًا متضاربة لحل المأزق. إذ قالت مجموعة الشرق التي تتخذ من طبرق مقراً لها، والتي تضم رئيسة مجلس النواب عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر والفصائل المتمركزة في طرابلس بوعانة فتحي باشاغا والتي تريد الإطاحة بالدبيبة، إنه ينبغي على السياسيين تشكيل حكومة جديدة وتعديل مسودة الدستور قبل إجراء انتخابات جديدة.
أما الجانب الآخر، الذي يضم كتلا سياسية رئيسية في غرب ليبيا، فيريد أن يبقى الدبيبة في السلطة حتى يتم انتخاب مجلس تشريعي جديد يمكنه اختيار هيئة تنفيذية جديدة. وحتى المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الراحل، والذي كان على خلاف تاريخي مع المعسكر الثاني، كرر الحاجة إلى إبقاء حكومة الدبيبة في مكانها والمضي قدمًا في الاقتراع التشريعي.
لكن منذ انهارت عملية الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول قبل موعد التصويت بقليل، اختلف الفريقان المتنافسان على الطريق الصحيح الذي يتعين اتخاذه لعقد الانتخابات.
وفي البداية، حصل الاتفاق على موافقة خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، المجلس المنافس لبرلمان طبرق. لكن المشري سحب دعمه في أواخر فبراير/ شباط، تحت ضغط على ما يبدو من عدد من أعضاء المجلس الذي يرأسه، و الذين عارضوا خطوة تشكيل حكومة جديدة بحسب محللين.
وقال المعسكر المؤيد للدبيبة إن البرلمان الذي يتخذ من طبرق مقراً له ليس له الحق في تعيين مسؤول تنفيذي جديد وأن الدبيبة لن يسلم السلطة إلا لمن يخلفه مدعوماً بتصويت شعبي.
تحركات عسكرية مثيرة للقلق
وما زاد من حدة التوتر قيام قافلة مسلحة - تردد أنها تابعة لرئيس الوزراء الجديد - بالتحرك صوب طرابلس يوم الخميس قبل أن تعاود أدراجها.
ولم تعرف تبعية هذه القوات أو المجموعات المسلحة على وجه الدقة، لكن تقارير لم يتسنّ التأكد من صحتها أفادت أن هذه القوات مؤيدة للحكومة الجديدة التي يرأسها فتحي باشاغا، وتدعم دخول حكومته إلى العاصمة لاستلام مهامها رسمياً.
ويحظى كل من الحكومتين المتنافستين بدعم من فصائل مسلحة تتمركز في طرابلس. ويرى خبراء ومتابعون للشأن الليبي أن أي محاولة لإدخال باشاغا إلى العاصمة قد تفجر القتال بين الفصائل المسلحة الداعمة له وفصائل أخرى تدعم رئيس الحكومة "المنتهية ولايته" عبد الحميد الدبيبة.
وفي ورقة تقييمة للوضع، قالت مجموعة الأزمات الدولية (مقرها بروكسيل) إن ليبيا تقف مرة أخرى على مفترق طرق خطير خاصة مع تصلب موقف المعسكرين، ما يجعل نُذُر تجدد القتال واضحة للمرة الأولى منذ أنهى وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر 2020 ست سنوات من النزاعات السياسية والصراعات المتقطعة.
وبحسب مجموعة الأزمات الدولية فإن الصراع على السلطة في ليبيا يخاطر بتقويض جهود إعادة الإعمار والاقتصاد بشكل عام، كما أن الخصوم السياسيين باتوا أكثر اعتماداً على الولاءات المسلحة. إذ يُذكر أن المسلحين المتحالفين مع حكومة طرابلس احتجزوا وزيرين، ومنعوهما من القيام بواجباتهما.
ويرى خبراء مجموعة الأزمات، أنه من غير الواضح كيف سترد القوات التي يقودها حفتر، والتي تسيطر على شرق البلاد والمتحالفة مع حكومة باشاغا. فخطر الحرب يعتمد على الإجابة عن هذا السؤال وعلى ما يقرر الداعمون الخارجيون للطرفين فعله.
وحتى الآن، يبدو من غير المرجح أن يحمل الخصوم في الحرب الأهلية السلاح من جديد بسبب الإعياء العام من الحرب. ولا يبدو أن القوى الخارجية راغبة بتجدد الصراع المسلح. رغم ذلك، فإن العداء المتزايد بين الحكومتين يمكن أن يغير هذه الحسابات، بحسب تقدير مجموعة الأزمات الدولية.
انقسام داخلي عميق
وبحسب موقع ReliefWeb لخدمة المعلومات الإنسانية والتابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) فإن تصويت فاتح مارس آذار ينطوي على خطر تفكك الحكومة المؤقتة الموحدة.
ويرى راجين هارشيه الباحث بمؤسسة اوبزرفر للأبحاث والدراسات السياسية أن إحجام الدبيبة عن تسليم السلطة إلى باشاغا يمزق ليبيا، مشيراً إلى قلق الأمم المتحدة من جانب آخر بشأن تعيين باشاغا الذي رأت أن عملية انتخابه "لم ترقَ إلى مستوى المعايير المتوقعة".
وقال هارشيه إن الدولة الغنية بالبترول تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، وغالبًا ما أدت القضايا المتعلقة بإنتاج الطاقة إلى صراعات مسلحة في ليبيا. وفي هذا المنعطف، يمكن أن يتسبب التنافس على السلطة بين باشاغا والدبيبة في زعزعة الاستقرار السياسي وانتشار الفوضى في ليبيا. ولا يرى هارشيه حلاً لهذا المأزق إلا بتحقيق قدر ضئيل من الاستقرار السياسي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
ويشير الباحث السياسي إلى أن "أحد أهم أسباب الأزمة الحالية هو أنه لم يتم تمرير القوانين الانتخابية الجديدة من قبل البرلمان ولكن تم التصديق عليها مباشرة من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأن الطريقة التي تمت بها صياغة القوانين جعلت الجهاز التنفيذي قويًا للغاية"، مشيراً إلى أن رئيس مجلس النواب بدوره يعمل كحليف للجنرال حفتر الذي أراد خوض الانتخابات الرئاسية دون أن يفقد خيار العودة إلى منصبه العسكري إذا خسر الانتخابات.
لكن من ناحية أخرى يرى هارشيه أن "الدبيبة رجل الأعمال المرموق لا يمكنه تفسير شبكات أعماله القوية للغاية وثروته الهائلة إلا من خلال الفساد الهائل"، موضحا أن الدبيبة في السنوات الأخيرة، دفع ملايين الدولارات لجماعات الضغط في الولايات المتحدة وفرنسا لتحسين صورته. ولتعزيز موقفه، اعتمد الدبيبة على الإعلان والإنفاق على الخطط الشعبوية مثل مساعدة الناس على شراء الأراضي والمنازل ورفع الرواتب ودعم حفلات الزفاف، وأنه يفعل ذلك كلما رأى تهديدًا لمنصبه.
وخلص الباحث السياسي إلى القول بأن "جوهر المستنقع الليبي يتمثل في تعيين باشاغا كرئيس للوزراء ما يعزز من الانقسام المجتمعي خاصة وأن الدبيبة لا يرغب في تسليم السلطة إلى النظام الجديد".
وانقسام خارجي أيضاً
وترى مجموعة الأزمات الدولية أن الانقسامات بين الجهات الفاعلة الخارجية قد عكست الانقسامات في الداخل الليبي. فالقاهرة وموسكو منحتا مباركتهما الأولية لجهود المجلس في تنصيب حكومة جديدة، اعتقاداً منهما على ما يبدو بأن ليبيا ستستفيد من وجود تحالف بين أعداء سابقين مثل باشاغا وحفتر. وبداية بمطلع عام 2022، دعت مصر بشكل فعال إلى التوصل لتفاهم بين المعسكرين والمضي إلى تنفيذ الخطة استناداً إلى اتفاقهما.
أما تركيا، وفي حين أنها تحتفظ بعلاقات ودية مع باشاغا، فقد تمسكت بالدبيبة ودعت إلى إجراء انتخابات جديدة، معوّلة على أن تشكل الانتخابات ضمانة أفضل لاستقرار طويل الأمد. من ناحية أخرى، دعمت الإمارات العربية المتحدة الدبيبة، في حين أجرت قطر اتصالات حذرة مع باشاغا بينما استمرت في تقديم الدعم المالي لحلفائها التقليديين المتحالفين مع الدبيبة.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن تحالفات الأنظمة الملكية الخليجية تغيرت؛ فقبل عام، كانت أبو ظبي تدعم حفتر عسكرياً، في حين كانت الدوحة تقدم دعماً دبلوماسياً ومالياً للسلطات التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. وسط هذه التغيرات السريعة، تبنت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى موقف: 'لننتظر ونرى'.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا قد دعت منذ أسبوعين مختلف الأطراف في ليبيا إلى الحفاظ على "الطبيعة غير السياسية" للمؤسسة الوطنية للنفط في ظل توتر بين رئيسها ووزير النفط. وحضّت الدول الخمس في بيان مشترك، على احترام "الوحدة والنزاهة والاستقلال والحفاظ على الطبيعة غير السياسية والتقنية للمؤسسة الوطنية للنفط".
ويرى خبراء سياسيون أنه يمكن للتحولات الجيوسياسية أن تؤثر أيضاً في التوترات في ليبيا. فالتوازن القلق بين تركيا وروسيا، ولكلتيهما حضور عسكري في ليبيا، يمكن أن يتغير بسرعة. ومع اشتداد حدة القتال في أوكرانيا، يصبح ثمة خطر من امتداد الصراع وجر ليبيا إلى حرب جديدة بالوكالة.
وترى مجموعة الأزمات الدولية أنه رغم انقسامات الجهات الفاعلة الأجنبية، فإنها ينبغي أن تتحدث بصوت واحد في الضغط على جميع الأطراف الليبية لإظهار ضبط النفس وإدانة ما أسمته بالاحتجاز القسري لأنصار الحكومة الجديدة، وأنه ينبغي أن يكون هذا الحد الأدنى من التوافق الدولي قابلاً للتحقق، بالنظر إلى أن القوى الخارجية لها مصلحة مشتركة في منع العودة إلى ليبيا مقسمة أو الانزلاق إلى حرب جديدة.
محمود حسين