"لو اقتصرت المشاركة السياسية على العالم الافتراضي لظل مبارك في السلطة"
٢٢ مايو ٢٠١٢تزامنت ثورات الربيع العربي مع الثورة التكنولوجية في العوالم الافتراضية. في هذه العوالم استطاع الناشطون كسب مساحات للتعبير وللحشد والتنظيم وكسر جدار الصمت وتحطيم حواجز الخوف ليتبع هذا الحراك في العوالم الافتراضية احتلال مساحات من الحرية في العوالم الحقيقية، في الميادين والشوارع على طول العالم العربي من مشرقه إلى مغربه. لكن ورغم تأكيد الكثيرين على أهمية دور شبكات التواصل الاجتماعي فإن ديناميكية التفاعل بين الشارع الثوري على أرض الواقع والنشاط السياسي عبر وسائل التواصل والإعلام في العالم الافتراضي بقت غائبة عن النقاش الدائر. كما شهد النقاش تهويلاً وتعميماً للدور الفعلي، الذي لعبته أدوات التكنولوجيا الحديثة. دويتشه فيله حاورت رونالد مايناردوس، المدير الإقليمي لمنظمة فريدريش ناومان بالقاهرة، أثناء حضوره للمؤتمر، الذي عقدته أكاديمية DW عن دور الإعلام في عملية التحول، التي تمر بها المنطقة العربية.
DW: ما هو مقدار الحقيقة، الذي ينطوي عليه مصطلح "ثوره الفيسبوك"؟
رونالد مايناردوس: مصطلح "ثورة الفيسبوك" جزء من نقاش ساخن. لقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر دوراً هاماً في تفعيل الحراك السياسي في مصر وتونس وأيضاً في البحرين واليمن، لكن من الخطأ أن نرجع أسباب هذه التحولات أو الثورات إلى وسائل التواصل الاجتماعي فقط٬ وسائل التواصل الاجتماعي هي عبارة عن أدوات، أما أسباب وخلفيات الحدث فهي أعمق من ذلك بكثير، بمعنى أن المجتمع كان يغلي بمشاعر الإحباط وعدم الرضا بسبب سوء الأوضاع السياسية. هذه هي الأسباب التي أدت إلي اندلاع الثورات أما وسائل التواصل الاجتماعي فكانت هي الأداة، التي تم توظيفها لحشد وتعبئة الجماهير. هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام الأخرى كقناتي الجزيرة والعربية وقناة DWإلي درجه ما.
وما هو الدور، الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي بالتحديد قبل وأثناء بداية الثورات العربية؟
الثورات لا تهبط من السماء، بل تسبقها فترة طويلة من الاستعداد والتعبئة، حتى إذا بلغ الضغط أقصاه، انفجرت الجماهير التي تغلي بمشاعر السخط على الأوضاع في البلاد. مصر كانت ترزح منذ سنوات طويلة تحت ضغط هائل. كان الوضع أشبه ببركان هائج، قابل للانفجار في أي لحظة.
وفي ظل هذه الظروف لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دوراً حيوياً منذ عام ٢٠٠٦ ولا سيما بسبب طبيعتها الديناميكية التي تجعل المعلومات تنتقل من مستخدم لآخر بسرعة انتشار النار في الهشيم . طبيعة هذا التفاعل الديناميكي هي أحد أسباب نزول الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير .
وكيف حدث التفاعل بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي؟
لو كانت عملية حشد وتعبئة الناس قداقتصرت على العالم الافتراضي لما حدث أي تغيير على أرض الواقع. العامل الحاسم يكمن في تحول المعلومات والتواصل في العالم الافتراضي إلى أفعال وموجات احتجاجات وتمرد على الأوضاع، حيث أصبحت شرعية النظام السياسي والطبقة الحاكمة محل تساؤل ونقد في الشارع المصري. كانت مشاركة جميع أطياف الشعب وليس فقط مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تطورا هاما حول الفعل الجمعي إلى ما يشبه الكرة ثلجية، التي يزداد حجمها كلما تدحرجت على الأرض. لو كانت المشاركة السياسية اقتصرت على التواصل في العالم الافتراضي ، لظل مبارك في السلطة.
هل يمكن القول بأن شبكات التواصل الاجتماعي بطبيعتها الديناميكية تلعب دوراً أكثر أهمية وحسماً في المجتمعات، التي تحكمها أنظمة سياسية شمولية؟
بالطبع ، لو كانت مصر تتمتع بنظام حكم ديمقراطي، ولو كانت هناك قنوات مؤسساتية و مساحات لحرية التعبير عن حالة الإحباط والغضب، لما كانت هناك حالة احتقان. في المجتمعات الديمقراطية توجد آليات في إطار مؤسسات الدولة، التي تسمح بالتعبير عن حالة الاستياء وتغيير الأوضاع الراهنة. وفي الانتخابات البرلمانية في نوفمبر ٢٠١٠، تأكد المصريون من عدم جدية النظام في وضع أسس لحوار ديمقراطي وأن الانتخابات ليست إلا مسرحية تمهد لاستبدال دور الأب بالابن. وفي ظل غياب الحوار والمشاركة الديمقراطية في إطار مؤسسات الدولة، لم يجد المصريون بداً من الخروج للشارع كخيار لا بديل عنه.
تأثير شبكات التواصل الاجتماعي لم يقتصر فقط على المشهد السياسي بل وعلى الساحة الإعلامية أيضا؟ كيف تقرأ هذا التطور؟
يتعين علِي الاعتراف بأن المصريين خاصة، ولكنهم ليسوا وحدهم، على دراية ووعي تامين بشبكات التواصل الاجتماعي ويتعاملون معها بأسلوب حداثي وخلاق، حتى أننا هنا في أوروبا يمكننا التعلم منهم. المصريون يعرفون هذه الوسائل الإعلامية وإمكانياتها جيداً وهذا يعود أيضاً لأسباب أخرى من بينها الاقتصاد، فصحيفة المصري على سبيل المثال واجهت تراجع الإقبال على شراء الطبعة الورقية، التي لا يقدر على توفير ثمنها شريحة كبيرة من المصريين، بتطوير صفحتها الالكترونية والحوار التفاعلي وأصبح عدد قرائها على شبكة الانترنت اكبر من قارئي الجريدة الورقية. يمكن قراءة هذه الظاهرة من المنظور الثقافي أيضا وبدون اصدر أحكام تعميمية، فالحقيقة هي أن المصريين اجتماعيين ولذا فإنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط للتواصل على المستوى الشخصي، بل على المستوى السياسي العام أيضا.
رغم الاعتراف بالإمكانيات الهائلة لوسائل التواصل والإعلام الجديدة ألا يتعين علينا إعادة النظر في اعتماد وسائل الإعلام التقليدية ولا سيما في تغطية أخبار الثورات العربية بشكل كبير على المعلومات التي تتناقلها هذه الوسائل الجديدة ؟
بالطبع وهذه إشكالية لا ترتبط فقط بالإعلام المصري، بل بوسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية وهذا هو ما شاهدناها من خلال التغطية الإعلامية للإحداث في ليبيا والآن في سوريا والتي تعتمد على المعلومات من شبكات التواصل الاجتماعي والمواطنين الصحفيين. هذا التطور يرتبط أيضاً بالمنافسة بين وسائل الإعلام، التي تتطلب الأسبقية والسرعة.
أجرت الحوار مي المهدي
مراجعة: هبة الله إسماعيل