لماذا يعاني مزارعون في أوروبا من مشاكل في الصحة العقلية؟
٢٧ فبراير ٢٠٢٤الصعوبات التي ترافق الحياة الزراعية ليست غريبة على يورغن دونهاوزر، فمزرعة ابنه، التي تقع على بعد ساعة شرقي نورنمبرغ بألمانيا، كانت ضمن ممتلكات العائلة لأجيال. لكن عندما تولى دوراً للرعاية في الكنيسة قبل بضع سنوات، بدأ المزارعون المحليون بالحديث إليه عن الضغط والمشاكل المادية التي يواجهونها في عملهم.
قصصهم أصابته بالصدمة، فبعض هؤلاء المزارعين كان يحتاج الكحول ليتمكن من النوم للتوقف عن التفكير في إمكانية خسارة كل شيء، "ثم هناك قصص أخرى مثل 'إذا انتهى كل شيء، سوف أشنق نفسي على الشجرة التالية'" يقول دونهاوزر.
أن تكون الشخص الذي يتخلى أو يجبر على بيع مزرعة كانت في العائلة لعشرة بل لـ 15 جيلًا، هو عبء كبير يحمله دونهاوزر على عاتقه، فالضغط الذي يواجهه هؤلاء المزارعين "قاسٍ" حسب تعبيره.
أفكار الانتحار
مؤخراً، غضب المزارعين المحتجين في أوروبا كان مادة دسمة بالعناوين الرئيسية في الصحافة، خصوصاً بعد صور قوافل الجرارات التي تطلق أصوات التنبيه، ثم أكوام الإطارات المشتعلة خارج البرلمان الأوروبي، التي أشعلها المحتجون رفضاً للسياسات الأوروبية في المجال الزراعي.
لكن هناك وجه آخر لهذه الأخبار، تشير دراسات جديدة إلى أن الكثير من الضغوط التي تدفع المزارعين إلى الشوارع، كسياسات المناخ، القوانين، الارتفاع في التكاليف، وانخفاض الأرباح، تضر أيضا بصحتهم النفسية.
أظهر استطلاع شمل أكثر من 250 مزارعاً إيرلندياً أن 20% منهم كان لديهم أفكار تخصّ الانتحار خلال الأسبوعين السابقين، وأفاد ما يقارب 40% بأنهم يعانون من الضغط النفسي المتوسط إلى الكبير.
في شمال بلجيكا، أفاد ما يقارب نصف 600 مزارع شملهم الاستطلاع إن عملهم يسبب لهم ضغوطات نفسية. وفي ألمانيا والنمسا، أفاد أكثر من ربع المشاركين بأنهم يعانون من الإرهاق، وهو ما يمثل في ألمانيا ضعف معدل الإرهاق في الحياة العامة.
تشريعات تحاصرهم
بينما تكون أسباب المشاكل النفسية معقدة، يقول الباحثون إنهم حددوا ضغطاً كبيراً واحداً على هؤلاء المزارعين، هو سياسات المناخ.
تأتي حوالي 10% من الغازات الدفيئة في الاتحاد الأوروبي من القطاع الزراعي، وتتسبب فيها إلى حد كبير الماشية والأسمدة المستخدمة على الأرض، التي تطلق الميثان وأكسيد النيتروس، وهما غازان قويان يساهمان في الاحتباس الحراري. كما أن المبيدات التي يستخدمها المزارعون للحفاظ على استقرار المحاصيل قد تعرضت أيضا للانتقاد بسبب دورها السلبي في خسارة التنوع البيولوجي.
لكن بعض المزارعين يقولون إن السياسات المناخية التي تهدف إلى تقليل هذه الانبعاثات تُطبق بطريقة تضعهم في مواقف غاية في الصعوبة. منهم سيباستيان لوهمر، الذي يُدير مزرعة عضوية جنوب مدينة بون بألمانيا، إذ يقول إن التنظيمات الأوروبية لتقليل استخدام الأسمدة بنسبة 20% تُسبب له ضغطاً نفسياً.
تسبب الأسمدة القائمة على النيتروجين حوالي 5% من الغازات الدفيئة العالمية، كما تتسبب بتلوث المياه الجوفية أيضاً. لكن لوهمر يقول إنّ منع الفلاحين من استخدامها خلال أشهر الشتاء يُمثل تحديات لوجستية كبيرة لعمل مزرعة، لأن المنع يُقصّر الفترة الزمنية المتاحة للتسميد، أكثر مما تفعل التغيرات في أنماط الطقس.
ويؤكد لوهمر أنه ليس ضد سياسة المناخ، بل في الواقع فإن مزارعين مثله هم في الخطوط الأمامية لتغير المناخ، فالجفاف وعدم قابلية التنبؤ المتزايد بالمواسم المناخية أصبحا الآن واقعاً.
فوق هذا، يقول إنه يُواجه ضغوطاً بسبب ارتفاع التكاليف وتشدد قوانين البناء، ما يجعل تحقيق الربح أمراً غاية في الصعوبة. يتحدث لوهمر عن جده الذي كان يمكنه شراء جرار من محصول واحد جيد، لكن اليوم حتى عشرة محاصيل لا تكفي.
"كبش فداء"
يقول العديد من المزارعين إن الخطة لإلغاء الدعم الحكومي عن الديزل في الزراعة، وهو السبب الذي دفعت الآلاف منهم للاحتجاج في ألمانيا وفرنسا - كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.
يقول دونهاوزر إن جيل والده من المزارعين، قيل لهم بعد الحرب العالمية الثانية "ابذلوا كل جهودكم لكي لا نعاني من الجوع مرة أخرى." لكنه الآن يعتقد أن احترام دورهم كحُرّاس للأرض وموفري الغذاء لم يعد قائماً.
من جانب آخر، يفيد المزارعون أنهم يكافحون مع التصوير الإعلامي السلبي لنشاطهم الاقتصادي، "نحن نتعرض للنقد باستمرار وهو أمر مُرهق" يقول دونهاوزرز ويضيف: "من يريد أن يُنعت بقاتل الحشرات، المتسبب بتسميم الآبار، مُعذب الحيوانات؟ بالطبع، هذا يؤثر على أيّ واحد".
"هم يشعرون أنهم أصبحوا كبش فداء من حيث كونهم عنواناً رئيسياً، كما لو كانوا يتسببون في أزمة المناخ بشكل يتجاوز دورهم"، تقول لويز ماكهيو ، أستاذة علم النفس في جامعة دبلن والمشاركة في قيادة دراسة الصحة النفسية عن الفلاحين الإيرلنديين، لـDW.
إيجاد حلول وتقديم الدعم
تقول ماكهيو إن المزارعين الذين تحدثت معهم في إطار دراستها كانوا متحمسين للمشاركة في الممارسات والسياسات المبتكرة التي تعالج تغير المناخ، ولكن شعروا أن هذه السياسات تحتاج إلى أن تشمل أصواتهم، والأكثر أهمية أن تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
وتتابع: "نحن بحاجة إلى النظر في الصحة النفسية وجميع التغييرات التي سيتعين علينا جميعًا مواجهتها في السنوات القادمة ". وبدأ الباحثون بالفعل في محاولة تغيير الوضع، عبر تقديم دروس حول الصحة النفسية للطلاب الذين يدرسون العلوم الزراعية في بعض الجامعات والمعاهد.
كما يجب أن يتم التأكد من حصول المزارعين على معلومات أكثر وفرص للحوا، حسب فرانزيسكا أومر، التي تتدرب لتصبح متخصصة في مزارع الألبان في بافاريا بألمانيا. أومر، هي واحدة من ثلاث مؤسسات شابات لـ "أكير شفيسترن"، (أخوات الحقل)، وهي حملة بدأت قبل مدة لمواجهة " تأثير السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين يحاولون، استغلال يأس المزارعين".
وتؤكد أن الرحلة كانت صعبة، فكل واحدة من هؤلاء الشابات تعرف مزارعاً انتحر، "في حالتي، كان شابًا، كان يبلغ من العمر 25 عاماً"، تقول أومر. "كان مفعماً بالحياة. ناضل من أجل مزرعته لسنوات." وتؤكد إن هذا المزارع، الذي كان هولندياً، فقد مزرعته مثل العديد من المزارعين في هولندا في أعقاب تشديد التنظيمات على انبعاثات النيتروجين.
لكن على الرغم من القصص المأساوية التي عايشتها والتحديات التي تواجه القطاع، تقول أومر إن الاستسلام ليس خياراً لها: "آمل أن يقدّر السياسيون والمجتمع ما نقوم به وأن يقدموا لنا الدعم لكي يكون لمهنتنا مستقبل، وحتى لا يتم التسبب بآلام للناس".
أعده للعربية: ع.ا
تنويه من المحرر:
الانتحار ليس حلا لأي مشكلة، فإذا كنت تعاني من ضغوط حياتية وتكافح من أجل مواجهة مصاعب الحياة وتجد صعوبة في تحمل ذلك، عليك التحدث مع أحد الأشخاص المختصين في الدعم النفسي أو الهيئات والجمعيات الأهلية الموجودة في بلدك دون تردد أو تأخير.