لماذا يدعم الناخبون الشباب "حزب البديل" في شرق المانيا؟
١٢ يونيو ٢٠٢١كان فوز الحزب المسيحي الديمقراطي بالانتخابات لتي أُجريت الأحد الماضي في ولاية ساكسونيا – انهالت الألمانية لانتخاب برلمان إقليمي جديد، بمثابة رسالة تطمينيه لأحزاب الوسط الرئيسية في ألمانيا، لكن يحمل هذا الفوز في الوقت نفسه تحذيرا يقلقهم أيضا.
ويعد مبعث هذا القلق نتائج استطلاعات الرأي التي كشفت عن تصدر حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي المرتبة الأولى لقاعدة الناخبين دون سن الثلاثين.
وأثار هذا الأمر انزعاج الكثيرين الذين باتوا يتساءلون حيال مصدر هذا الدعم لليمين المتطرف في شرق ألمانيا خاصة ماركو فاندرفيتس الذي يشغل منصب مفوض الحكومة لولايات شرق ألمانيا أو ما كانت تعرف في السابق بألمانيا الشرقية.
وأثار فاندرفيتس مؤخرا نقاشا حادا قبل إجراء الانتخابات في ولاية ساكسونيا – انهالت بعد أن أشار إلى أن بعض الألمان في شرق البلاد من المرجح أن يصوتوا لصالح حزب البديل بسبب أنهم نشأوا في كنف الديكتاتورية.
ونسفت البيانات الانتخابية التي أظهرت أن واحدا من بين خمسة ناخبين ولدوا بعد عام 1991 قد صوتوا لصالح حزب البديل، بعض النظريات السابقة.
ماذا حدث؟
لاحظت كريستين فولكل - أستاذة العلوم السياسية والمتخصصة في الشؤون الانتخابية في مدينة هاله شرق ألمانيا، أن حزب البديل لديه استراتيجية أفضل للاستقطاب الناخبين الشباب. وفي مقابلة مع DW، قالت "لقد حاولوا خلق صورة اهتمام ورعاية في محاولة للاقتراب من المشاكل التي يعاني منها الشباب."
وضربت فولكل مثالا لهذا الأمر إذ أوضحت أن حزب البديل كان الحزب الوحيد الذي أرسل رسائل شخصية لجميع الناخبين الذين يصوتون لأول مرة في مدينة ماغديبورغ، عاصمة ولاية ساكسونيا-أنهالت الألمانية.
ويقر جان وينزل شميدت، وهو يجلس في مكتبه في برلمان ولاية ساكسونيا-أنهالت، بذلك، ويقول "نعم هذا صحيح ونرى أن هذا الأمر قد حقق ناجحا مؤكدا".
ويرأس شميدت منظمة "شباب حزب البديل" في ولاية ساكسونيا-أنهالت، التي لعبت دورا كبيرا في تطوير استراتيجية الحزب الانتخابية.
ورغم أن عدد أعضاء المنظمة لا يتجاوز 160 شخصا، إلا أن المنظمة أولت اهتماما كبيرا للقيام بحملة انتخابية صاخبة في شوارع ماغديبورغ في الأيام الأخيرة من السباق الانتخابي.
ويمثل شميدت البالغ من العمر 29 عاما، الجيل الجديد من الشباب الطموح داخل حزب البديل وربما يمثل مؤشرا على الكيفية التي استثمر فيها الحزب في الأشخاص الذين في نفس المرحلة العمرية.
ويخوض شميدت انتخابات البوندستاغ إذ أنه من بين الذين يتصدرون قائمة مرشحي الحزب وبات خطوته السياسية إلى برلين شبه مؤكدة في سبتمبر / أيلول المقبل.
لكن حتى الآن، لا يزال شميدت - مسقط رأسه ماغديبورغ - سياسيا محليا لكنه أصبح مقتنعا بأن حزب البديل أبلى بلاء حسنا خلال انتخابات ولاية ساكسونيا-أنهالت لأنه امتلك دراية جيدة بمشاكل الشباب وما يزعجهم خلال العام الماضي في ظل القيود على الحريات جراء جائحة كورونا والتي يعتقد الكثير من الشباب أنها لا تشكل خطرا على صحتهم.
واثرت هذه القيود سلبا على المناطق الفقيرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة وسلطت الضوء على النقص الكبير في مشاريع البنية التحتية خاصة وسائل النقل العام.
فعلى سبيل المثال بعض القرى في ولاية ساكسونيا-أنهالت تتوفر فيها حرفيا قرابة حافلتين للنقل العام يوميا وأيضا تعاني من مشكلة "البنية التحتية الاجتماعية" خاصة ما يتعلق بأندية الشباب التي كانت في وقت سابق جزءا أساسيا للعديد من المجتمعات في شرق ألمانيا. وفي ذلك، قال شميدت "إن جيل الشباب بات محروما وفي حاجة إلى رعاية بشكل أساسي وذلك لأن الكثير من الاستثمارات التى يتم إنشاؤها لا تخدم الشباب أو لا يشعرون بفوائدها". وأضاف "لقد شاهدت هذا بعيني إذ نشأت في ماغديبورغ في تسعينيات القرن الماضي وكان بها العديد من أندية خاصة بالشباب وأماكن يمكن الشباب ارتيادها، لكنها اختفت في الوقت الحالي".
خيبة أمل الشباب
ولا تتوقف الشكوى من هذا الأمر على شميدت فحتى المعارضون السياسيون لحزب البديل من بنيهم يوهانس والتر من منظمة " Kinder- und Jugendring" التي تعمل تحت مظلتها عشرات المنظمات التي تخدم الشباب في ولاية ساكسونيا-أنهالت، عبروا عن الرأي نفسه.
وفي مقابلة مع DW، قال يوهانس والتر "إن الدعم المخصص للعمل الشبابي في ساكسونيا-أنهالت قد انخفض بوتيرة كبيرة في 2014، ولم يتم زيادته منذ ذلك الوقت".
وأضاف "وفي غضون ذلك، ارتفعت تكاليف التشغيل وأجور العاملين ما دفع أندية الشباب إلى إغلاق أبوابها واحدا تلو الآخر".
يرى مراقبون أن الكثير من الشباب وجدوا في الانتخابات وسيلة للتعبير عن خيبة أملهم العميق، وهو ما كان محور الحملة الانتخابية للحزب اليميني الشعبوي، كما يقول دافيد بيغريش من منظمة (Miteinander) أو معا المناهضة للعنصرية.
ويضيف بالقول: "هناك ملصق انتخابي يظهر عليه سهمان باللون الأحمر، ويشير إلى الملصقات الأخرى فوقه. ولم يكتب عليه سوى عبارة: (كان لديكم 30 عاماً لإنجاز ذلك). وهذا بحد ذاته ليس برنامجاً سياسياً مستقلاً، وإنما طريقة ما لمحاكاة عواطف الناخبين".
جيل يبحث عن هوية
ويسود شعور بالاحباط بين الشباب في ولاية ساكسونيا-أنهالت فلا يمكن امتلاك سيارة ولا يوجد سوى حافلتين للنقل العام.
لكن ورغم أن الشباب وضعهم المعيشي صعب في المناطق الريفية بغرب ألمانيا ويشعرون بالإحباط أيضا لكن لماذا لا يصوتون لحزب البديل بنفس الأرقام؟
ينظم بيغريتش ورش عمل مدرسية كل أسبوع مع صغار السن في غرب ألمانيا وشرقها ويقول إن هناك اختلاف كبير في مستوى الثقة بالنفس.
وأضاف "أشعر أن الشباب في الغرب أكثر وضوحا وتواصلا مع الأخرين وأكثر ثقة بالنفس عند مقابلة الأجانب".
ويعتقد أنه على الرغم من مرور أكثر من 30 عاما على توحيد ألمانيا، فلا يزال هناك هوية في شرق ألمانيا متباينة عن غرب البلاد، وهو ما ورثه الشباب حتى بالنسبة لمن انتقلوا للعيش في غرب ألمانيا للدارسة أو العمل ثم عادوا وهم في السن العشرين أو الثلاثين".
وأضاف بيغريتش "نرى شبابا يبحثون بقوة عن هويتهم. ونلاحظ أن الشباب وصغار السن يتمسكون بشدة بهوية شرق ألمانيا وقضية شرق ألمانيا. حتى ابنتني وهي في الثامنة عشر من عمرها ترى نفسها مختلفة عن الألمان في غرب البلاد".
ويمكن توضيح انعدام الثقة في التركيبة السكانية المدمرة في ما كانت تعرف في السابق بألمانيا الشرقية.
وقد فقدت ساكسونيا-أنهالت بالكامل ربع تعداد سكانها منذ 1990 معظمهم من المناطق الريفية إذ انتقل الشباب وأصحاب المؤهلات الدراسية والعديد من النساء، فيما بقى الجيل القديم.
وقالت فولكل "الشباب من ذوي مستويات تعليمية أدركوا أنهم أصبحوا الجانب الخاسر وهو ما جعلهم أكثر انفتاحا للتيارات الشعوبية والسلطوية".
وعلى الرغم من أن شرق ألمانيا يسعى بقوة للالتحاق بالوضع الاقتصادي في غرب ألمانيا خاصة فيما يتعلق بالناتج الإجمالي المحلي ومتوسط الأجور، إلا أن الأمور تسير ببطء، إذ لا يزال إجمالي متوسط الثروة لدى الألمان الشرقيين أقل من نصف التي لدى الألمان الغربيين ما يعني أن صغار السن في شرق ألمانيا لا يرثون مقدار ما يرثه أقرانهم في غرب ألمانيا.
تفنيد الأراء المتطرفة بالحقائق
وعلى وقع هذه الظروف الاقتصادية، ينشط حزب البديل الشعبوي بشدة ويسعى لاستقطاب الناخبين.
ولم تقلل من عزيمة الناخبين ما كشفت عن تحقيقات صحافية عن روابط بين فرع حزب البديل في ساكسونيا-أنهالت ومجموعات متطرفة تابعة للنازيين الجدد في قضايا تخضع حاليا للتحقيق من قبل أجهزة الاستخبارات الداخلية.
وقال بيغريتش" إنه يتعين قبل كل شيء توضيح قضية وهي أن العنصرية والتطرف اليميني ليسا من المحرمات في شرق ألمانيا فهناك علاقة مختلفة بحرية التعبير."
وأضاف "أسمع من الطلاب خلال المشاريع المدرسية قولهم: "نعتقد أن أدولف هتلر كان سياسيا عظيما فقد قام ببناء طرق سريعة ووفر وظائف عمل للعمال وهذا رأيناه ونحن نعيش في بلد حر ويمكننا التعبير عن الرأي".
ويتساءل بيغريتش عن ما يمكن فعله عندما يبلغه مراهق بهذا القول، مؤكدا "أن الشيء الوحيد لمواجهة هذا القول يتمثل في تفنيده بالحقائق، وأيضا التعبير عن اعتقادي بان هتلر ليس سوى مجرما". واضاف "لكن كثيرا ما نرى أن مثل هذه الآراء اليمينية المتطرفة لا يتم تفنيدها بل يكتفي الناس بقولهم: "حسنًا هذا رأيك!".
أما فولكل فعتقد أن هناك حساسية أقل بين الشباب وصغار السن في شرق المانيا تجاه أهمية الديمقراطية في حد ذاتها وأهمية وجود محتمع مدني فعال يعمل على تعزيزها. لذا فهم يفشلون في إدراك الخطر الذي تمثله مثل هذه النزعات اليمينية المتطرفة"
بن رايت ( م ع)