لماذا يختار شباب مغاربة تركيا للدراسة أو الهجرة إلى ألمانيا؟
١ مارس ٢٠٢٤سفيان بوحمدي، شاب درس في المغرب إلى غاية المستوى الجامعي، تخصص في الفلسفة أولا، ثم قرر أن يحصل على دبلوم تقني. لم ترق له تجربته المهنية إن كان قبل أو بعد مرحلة التخرج، وعبر عن ذلك بالقول إن "العمل في المغرب، لم يمنحني شغفا لأتقدم أكثر، كنت أجد نفسي في نفس المنصب وأراوح مكاني لوقت طويل دون إحراز تقدم، فبدأت أفكر في الهجرة".
لكن قبل اتخاذ الخطوة ومغادرة البلد، كانت له تجربة مع البطالة، وحينها استثمر وقته الذي استمر عامين كاملين في العمل الخيري في أماكن بعيدة ونائية في مختلف المناطق المغربية، قبل أن يتخذ قرار الهجرة في مرحلة حاسمة.
فكرة تركيا لم تكن واردة حسب ما يحكيه سفيان لمهاجر نيوز، بل جاءت صدفة، بعد اطلاعه على منشورات رحلة سياحية لصديقه في اسطنبول، ليبدأ البحث عن معلومات عن كيفية دخول البلد وتوصل إلى أن الرحلات السياحية بدون تأشيرة بالنسبة للمغاربة لمدة 3 أشهر، وتذاكر الطيران لا تتجاوز 250 يورو ذاهابا وإيابا، ويوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، انطلقت الطائرة لتي تقله من الدار البيضاء نحو اسطنبول وفي حوزته مبلغ لا يتجاوز 400 دولار.
"أوروبا أبعد ثقافيا وطريقها أخطر وأطول"
يقول سفيان "لم أفكر أبدا في الهجرة إلى أوروبا بالطريقة التي يفعلها أغلبية الشباب المغاربة، أي عن طريق الهجرة السرية، لأن سلامتي أولى من الوصول لأي بلد أو حلم كيفما كان، فكانت تركيا اختياري الأفضل والأول، خاصة أنها بلد ثقافته قريبة من ثقافتي كثيرا. أما أوروبا فبعيدة عني ثقافيا وطريقها أخطر وأطول، بالإضافة إلى أنه في تلك الفترة، كانت تركيا جيدة على المستوى الاقتصادي، ولم تكن الليرة تعاني كما في الآونة الأخيرة".
لم يفكر سفيان في جعل تركيا محطة عبور نحو أوروبا مثلما يفعل كثيرون اليوم، بل العكس تماما، كان مصمما إما على النجاح فيها أو العودة إلى المغرب. وقد كان لقاؤه في المطار مع سيدة مغربية لاحظت أنه مشتت التركير٫ فتوجهت نحوه وسألته إن كانت هذه زيارته الأولى لتركيا، فأجابها بالإيجاب، وقالت له "هل تبحث عن عمل أم أتيت سائحا؟ فقال سفيان، نعم أريد العمل".
نصحته السيدة بالتوجه إلي منطقة تقسيم المعروفة في اسطنيول، فهناك يمكنه أن يجد فرصة. كما اقترحت عليه فندقا يأويه بثمن بخس 400 يورو لمدة شهر، وساعدته للوصول إليه. صبيحة الغد، زارته السيدة المغربية وأخبرته أن هناك معمل خياطة في حاجة لعامل، فوافق وانطلق فورا.
لم يمض الكثير من الوقت على عمله في المصنع، حتى قرر أن يجد لنفسه فرصة أفضل، ويقول سفيان "فور تقديمي أول طلبات العمل بالدبلوم الذي حصلت عليه وفي مجال خبرتي Graphique designe، بدأت أتوصل بعروض فورا، كان الأمر مفاجئا للغاية".
تأسيس عمل خاص!
حصل سفيان بعدها على أكثر من فرصة، لكن ما فتئت فكرة التغيير تظهر، خاصة بعدما انطلق في تجربة بث مقاطع فيديو عبارة عن نصائح للشباب عن كيفية إيجاد فرص للدراسة والعمل في تركيا. فتحولت الفكرة من نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي إلى شركة قانونية توفر الفرص للشباب من كل البلدان، للقدوم إلى تركيا، يديرها سفيان بنفسه.
انطلقت الشركة بجلب 5 طلاب من سلطنة عمان عام 2021 للدراسة في الجامعات التركية، كان فيها سفيان وسيطا بين الطلاب والجامعات، وبعد نجاح التجربة، بدأ سفيان يعمل على توسيع الفكرة لتشمل أي بلد يهتم مواطنوها بالقدوم إلى تركيا لأجل العمل والدراسة.
شركة الخدمات الطلابية التي أسسها سفيان، والتي تخصصت في جلب الطلاب الراغبين في الدراسة في تركيا، تقوم بمساعدتهم على إيجاد الفرص في الجامعات المناسبة لهم وتواكبهم بدءا من إجراءات الاستقبال إلى أن يستقروا بشكل قانوني. حققت الشركة سمعة طيبة لدى الجهات الرسمية والجامعات وفي صفوف الطلاب أيضا، لذلك صار حلم سفيان يكبر إذ يقول "أتمنى أن تفتتح الشركة فروعا أكثر في المدن المغربية".
تركيا.. معبر إلى ألمانيا!
بينما وجد سفيان في تركيا مستقرا ولو إلى حين، اختار ابراهيم أن يكون معبره من روسيا حيث عاش لفترة من الزمن، نحو ألمانيا، إذ أتى إليها في فترة تعلمه للغة وفيها اجتاز الامتحان.
حسب الشاب الراغب في الهجرة إلى ألمانيا، فإن عدم عودته لبلده والانطلاق من هناك واختيار تركيا، كان بسبب مشكل توقف إصدار التأشيرات وما تلاها من تأخر في فترة الأزمة الدبلوماسية بين ألمانيا والمغرب، فقد كان من الصعب الحصول على موعد في القنصلية لوضع الطلب. بينما كانت دراسة اللغة في المغرب دائما ميسرة في مختلف المدن المغربية وليس هناك فرق أبدا في هذا الصدد بين البلدين.
كذلك أشار المتحدث إلى أن معهداً شهيراً يجتاز فيه المغاربة امتحان اللغة معروف بيسر امتحاناته مقارنة بمعاهد معتمدة أخرى، له فرع في تركيا، لكن الفرق بين فرعيه في كلا البلدين، أنه في المغرب قد تنتظر أربعة أشهر بعد تقديم طلب اجتياز الامتحان، و تنتظر أسابيع طويلة بعده للحصول على الشهادة، بينما في تركيا هناك تنظيم أكثر ولا تحتاج سوى وقت قصير بعده للحصول على شهادتك، مدة أقصاها 4 أسابيع.
إضافة إلى ذلك، فجدولة المواعيد في القنصلية الألمانية في العاصمة المغربية الرباط، تعتبر بطيئة للغاية عند مقارنتها مع اسطنبول، فبينما يجب على من يريد الحصول على موعد الانتظار مدة عام كامل هناك، في اسطنبول يحصل عليه من يطلبه في 15 يوما فقط.
الغش أسهل من تركيا!
أما الميزة الثالثة لتركيا على المغرب، والتي جعلت إبراهيم يختار العبور نحو ألمانيا من تركيا، فتتعلق بمسألة التحقق من الوثائق، "وهنا لا أتحدث عن الوثائق الرسمية مثل الشواهد الجامعية أو شواهد اللغة، بل شهادات التدريبات المهنية المحصل عليها مثلا من الفنادق أو المستشفيات"، يقول المتحدث. في المغرب يتواصل الموظفون داخل القنصلية بالجهات المذكورة في هذه الشواهد للتأكد من أنها حقيقية، بينما في تركيا لا يفعلون ذلك، لذلك أغلب من يمتلكون شهادات تم شراؤها فقط، يفضلون دائما طلب التأشيرة من تركيا حسب قوله لـ مهاجر نيوز، ودون أن نستطيع التحقق من ذلك.
كما أشار ابراهيم إلى أن هناك فرقاً في وقت دراسة الملف المكتمل للقنصلية، "في المغرب إذا كان ملفك كاملا تماما، فدراسة الطلب قد تتطلب من 20 يوما إلى شهر أو أكثر، بينما في تركيا تكفيهم 3 أيام فقط أو أسبوع ليبلغوك بالرد".
ولأن ابراهيم لم ينجح في كل فصول اختبار اللغة، فإن أمر إيجاد تدريب مهني صار صعبا، لذلك يخطط للتطوع الاجتماعي في ألمانيا، وهو أمر غير متاح حاليا من المغرب، بينما تتم دراسة طلبات الشباب في هذا المجال في تركيا، ولا يُطلب ضمن الملف سوى المعارف اللغوية الأساسية، كأن تكون قد اجتزت الشق المتعلق بالامتحان الشفهي فقط ورسبت في باقي أجزاء الامتحان.
كل هذه الميزات والتسهيلات في تركيا، كان سماسرة عقود العمل والتدريبات المهنية في ألمانيا على علم بها، فعملوا في السنوات الماضية على جلب زبائنهم إلى تركيا لأجل تعلم اللغة في معاهدها الخاصة، ثم تحصيلهم فيزا لهم بسرعة.
وكان مهاجر نيوز قد وثق أيضا تلاعبات بزبائن بعض السماسرة في تحقيق سابق، كانوا ضحايا نصب عبر عقود مزورة لم تكشفها القنصلية الألمانية في تركيا، ووصل عبرها المهاجرون المغاربة إلى ألمانيا دون أن يدركوا أنهم كانوا ضحية نصب، وعاشوا حالة من الرعب في ألمانيا بعد الوصول وتنبه السلطات للأمر.
ماجدة بوعزة