لماذا يتأخر تنصيب الرئيس الأمريكي عدة أسابيع بعد الانتخابات؟
١٠ نوفمبر ٢٠٢٤أدلى الناخبون الأمريكيون في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، بأصواتهم لاختيار ساكن البيت الأبيض الجديد، لكن تنصيب الرئيس الجديد لن يتم إلى بعد 11 أسبوعا وتحديدا في العشرين من يناير/ كانون الثاني.
ويأتي هذا العرف السياسي الأمريكي على عكس التقاليد السياسية في الكثير من دول العالم؛ إذ في فرنسا لا تتجاوز المدة الزمنية بين التصويت وحتى تنصيب الرئيس، عتبة العشرة أيام. وفي بريطانيا، يتم تنصيب رئيس الوزراء بعد يوم من إعلان نتائج الانتخابات العامة.
من 4 أشهر وحتى 11 أسبوعا
واللافت أن المدة الزمنية بين التصويت والتنصيب كانت تصل إلى أربعة أشهر لقرابة قرن من الزمن، حيث كان يتم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد في مارس/آذار، لكن الأمر تغير عام 1933 مع التصديق على التعديل العشرين للدستور الأمريكي، حيث كانت البلاد تئن في تلك الحقبة تحت وطأة الكساد الكبير.
وإبان ذلك جرى تقديم موعد تنصيب الرئيس من الرابع من مارس/آذار إلى العشرين من يناير/كانون الثاني. وفي مقابلة مع DW، قال مات داليك، المؤرخ السياسي والأستاذ بجامعة جورج واشنطن، إنه في تلك الحقبة كانت "البلاد تعاني من نسبة بطالة بلغت 25 بالمئة وهي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة. كان فرانكلين روزفلت المنتخب حديثا ينتظر تولي منصبه، بينما كان الرئيس المنتهية ولايته هربرت هوفر خارج البيت الأبيض تقريبا".
وأضاف داليك "كان الغرض من تقصير هذه الفترة الحد من أي فرصة لإثارة أعمال فوضى وزعزعة الاستقرار واستمرار حكومة بلا قيادة".
التصديق على نتائج الانتخابات
ومتحدثا إلى DW، قال إريك إنغستروم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، إن الفترة الزمنية من بداية التصويت وحتى التنصيب "تتسم بالتعقيد، لأن آلية الانتخابات في الولايات المتحدة لامركزية بشكل كبير".
وعقب إغلاق صناديق الاقتراع، يتم الشروع في فرز الأصوات من قبل العاملين في مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد، ثم تبدأ مرحلة الإبلاغ عن النتائج وإدراجها في قاعدة البيانات على مستوى الولاية في ليلة التصويت. وعلى وقع ذلك، يتم الكشف عن الفائز بالانتخابات.
ورغم أن النتائج الأولية تشير إلى الفائز بالسباق بنسبة كبيرة، إلا أن النتائج تبقى غير رسمية وغير معتمدة.
وعقب انتهاء التصويت، تبدأ عملية التصديق داخل كافة الولايات في أنحاء البلاد بما يتضمن فحص بطاقات الاقتراع المفروضة وفرز بطاقات الاقتراع التي وصلت بعد موعد الانتخابات الرسمية وبطاقات اقتراع تصويت الناخبين الأمريكيين خارج البلاد وأيضا التعامل مع أي تضارب يتعلق بفرز الأصوات داخل الولايات أو بلدياتها.
وفي ذلك، يشير المراقبون إلى واقعة انتخابات عام 2000 بين آل غور وجورج دبليو بوش كمثال أبرز على طول أمد مرحلة حسم المسائل القضائية؛ إذ طلبت حملة آل غور إعادة فرز الأصوات في فلوريدا، لكن المحكمة العليا رفضت الطلب في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول عام 2000.
قرار المجمع الانتخابي
وعقب انتهاء عملية فرز الأصوات وحسم أي نزاعات قضائية، يتم إرسال النتائج إلى حكومات الولايات للتصويت عليها من قبل حكام الولايات.
وعلى عكس معظم البلدان الأخرى، لا يتم انتخاب رؤساء الولايات المتحدة بشكل كبير عن طريق التصويت الشعبي، وإنما يتم حسم السباق عن طريق تصويت المجمع الانتخابي.
فعندما يصوت الناخبون الأمريكيون في الانتخابات الرئاسية، فإنهم يصوتون أيضا لأعضاء المجمع الانتخابي. وتنص قاعدة المجمع الانتخابي على أنه إذا فاز مرشح بأصوات أغلبية أعضاء المجمع في إحدى الولايات الأمريكية، فإنه بشكل تلقائي يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي في هذه الولاية.
وتطبق هذه القاعدة على كافة الولايات باستثناء ولايتي "مين" و "نبراسكا" حيث تقسمان أصوات المجمع الانتخابي بين المرشحين بناءً على نسبة الأصوات التي يحصل عليها كل مرشح.
تصديق الكونغرس
في السادس من يناير/ كانون الثاني، يعقد الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ جلسة مشتركة للمصادقة رسميا على نتيجة الانتخابات. ويرأس الجلسة نائب الرئيس الأمريكي ويعلن الفائز.
وفي عام 2021، زعم دونالد ترامب بلا سند أن السباق الذي فاز به جو بايدن عام 2020 "قد سُرق" منه، مما أثار حفيظة أنصاره من معسكر اليمين المتطرف ليقتحموا مبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني عام 2021. وكان اقتحام الكابيتول يرمي إلى وقف عملية التصديق على نتائج الانتخابات، لكن بعد يوم صاخب أُعلن أن بايدن هو الفائز الشرعي بالسباق الرئاسي.
ومنذ السادس من يناير/كانون الثاني وحتى موعد تنصيب الرئيس في العشرين من الشهر ذاته، يكشف الرئيس الجديد عن أعضاء إدارته وخاصة الأسماء التي تتولى حقائب الخارجية والدفاع والمالية.
في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي للإدلاء بأصواتهم رسميا ثم يُجرى إرسال نتيجة التصويت إلى الكونغرس الذي يُحصي الأصوات رسميا في السادس من يناير/ كانون الثاني.
ويتألف المجمع الانتخابي من 538 مندوبا، فيما يتعين حصول المرشح الرئاسي على أغلبية أصوات أعضاء المجمع أي 270 صوتا. وفي حال عجز المرشحان عن الحصول على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي ورغم كونها حالة نادرة في تاريخ الولايات المتحدة، فإن أعضاء مجلس النواب ينوط بهم اختيار الرئيس.
"تحفة تاريخية"
ويشير مايكل بيركمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، إلى أن طول أمد الفترة الزمنية منذ بدء التصويت وحتى تنصب الرئيس، يحمل في طياته بعدا تاريخيا يعود إلى اتساع رقعة البلاد عند تأسيسها.
وفي مقابلة مع DW، قال إن هذا الأمر يعد بمثابة "تحفة تاريخية. لقد استغرق الأمر وقتا طويلا لقطع المسافة من بعض الولايات إلى نيويورك لحضور حفل التنصيب"، في إشارة إلى المستعمرات الثلاث عشرة التي كانت موجودة عند تأسيس دستور الولايات المتحدة عام 1789. وأوضح أن الانتقال والسفر إلى مركز الحكومة الأمريكية الذي كان في تلك الحقبة في قلب مدينة نيويورك، قد لعب دورا كبيرا في طريقة إنشاء الإدارة الأمريكية الجديدة.
أعده للعربية: محمد فرحان