لماذا أثار مشروع قانون 22.20 سخطاً واسعاً في المغرب؟
٢٩ أبريل ٢٠٢٠ليلة 27 أبريل/ نيسان، كانت المواقع الاجتماعية في المغرب لا تناقش سوى حالة الطوارئ الصحية المفروضة في البلاد بسبب كوفيد-19، أو الإنتاجات الكوميدية الرمضانية. فجأة، ينشر المدوّن المعروف "سوينغا" تسريبات من مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي.
تضمن التسريب ثلاث بنود قانونية، تتعلّق بمعاقبة الدعوات لمقاطعة المنتوجات، ما خلق ضجة واسعة، إذ لا يزال المغاربة يتذكرون حملة المقاطعة الضخمة التي بدأت من المواقع الاجتماعية عام 2018 وتضرّرت على إثرها ثلاث شركات كبرى.
لاحقاً، توّصل الكثير من الصحافيين بالمشروع الكامل للقانون الذي أعدته وزارة العدل. وهي النسخة الأولى من المشروع التي عُرضت على الحكومة يوم 19 مارس/ آذار الماضي، وصادقت عليها، رغم أن الحكومة تقول إنها قرّرت أن تشكل لجنة لأجل دراسة المشروع.
كما تبيّن لاحقاً أن هناك خلافاً داخل الحكومة حول النسخة الأولى للمشروع، إذ أرسل وزير المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، مجموعة ملاحظات على البنود القانونية الواردة في النص، كما صرّح أن النسخة التي سُربت غير نهائية. ولحدّ الآن، لم يتوصل البرلمان بمشروع القانون لأجل التصويت عليه.
ماذا يحتوي المشروع؟
يتكون المشروع من 25 مادة، لكن المواد الذي أثارت الضجة هي تلك التي تخصّ تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات، ونشر وترويج الأخبار الزائفة. فمثلاً تنصّ المادة 14 على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات و/أو غرامة مادية بحق من يدعون إلى مقاطعة "بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات"، بينما تنصّ المادة 16 على عقوبة السجن من 3 أشهر إلى سنتين و/أو غرامة مادية بحق كل من قام عمداً "بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً".
وعن أسباب الرغبة في تشريع هذا القانون، يقول المشروع إن المنظومة القانونية الحالية في البلد "غير كافية لردع كافة السلوكيات المرتكبة في مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، وذلك لوجود فراغ قانوني في ظل بعض الجرائم الخطيرة المرتكبة عبر الشبكات المذكورة". كما يقول المشروع إن القانون المرتقب يهدف إلى "ملاءمة القانون المغربي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد المصادقة على اتفاقية بودابست بتاريخ 29 يونيو (حزيران 2018)".
غير أنه بالعودة إلى اتفاقية بودابست، لا يوجد أيّ ذكر لما يخصّ التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي. وتختص الاتفاقية بالجرائم الإلكترونية التالية: التزوير والنصب والصور الفاضحة للأطفال وانتهاكات حقوق الملكية والحقوق المجاورة، وهو ما يؤكده الخبير الدولي في حقوق الإنسان، عزيز إدامين لـ DW عربية.
كما يوجد دافع آخر غير معلن، فـ "نجاح المقاطعة الاقتصادية التي شهدها المغرب كان له دور أساسي في صدور هذا المشروع"، يقول محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات لـ DW عربية، مضيفاً أن ما جرى عام 2018 "أثار انتباه الدولة وأصحاب المصالح الاقتصادية المقرّبين من الدولة إلى التأثير السياسي الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث خلقت فضاءات موازية للنقاش والتعبير لم تستطع الدولة السيطرة عليها، فحاولت تدارك ذلك بهذا المشروع".
جدل حقوقي وقانوني
يرى إدامين أن مشروع قانون 22.20 "يتعارض تماماً مع التزامات المغرب الدولية، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته 19، وكذلك مع التعليق العام رقم 34 للجنة حقوق الانسان"، ويشرح إدامين أكثر بالقول إن القانون الدولي "لا يتيح تقييد حرية الرأي والتعبير إلّا فيما يخصّ الدعوة إلى الكراهية والعنصرية والمس بالحياة الخاصة للأفراد". ويضيف المتحدث أن مشروع القانون المذكور "يخالف توصية لجنة حقوق الإنسان التي تؤكد أنه لا يمكن تضييق حرية التعبير إلّا وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد، وفي ما لا يتعارض مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان".
ومن أكبر الأسئلة التي طُرحت خلال هذه الضجة، هو لماذا لم يُنشر مشروع القانون في موقع حكومي رسمي؟ الأمر الذي طرح شكوكاً حول نية ما لإخفاء المشروع، كما لو أن الحكومة ترغب في الاستفادة من درس 2013، عندما سحبت وزارة الصناعة والتجارة آنذاك مشروعاً مشابهاً نوعاً ما يخصّ الفضاء الرقمي عام 2013، بعد نشر مسودته للعموم، وما خلّفه ذلك من ضجة واسعة من المغاربة وصلت حدّ الدعوة إلى "عصيان إلكتروني".
وفي الوقت الذي تحدث فيه أكثر من مستخدم على فيسبوك عن "عدم دستورية" هذا المشروع، يرى أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، أن الحديث عن هذا الأمر سابق لأوانه، لأن "المحكمة الدستورية هي من يُعهد لها بالبت في مدى دستورية القوانين بعد إحالة اختيارية من عدة جهات منها كالمؤسسة الملكية أو رئيس الحكومة".
لكن في الوقت ذاته، وتفاعلاً مع الانتقادات التي أشارت إلى أن المشروع لم تتم صياغته وفق منهجية يشارك فيها متدخلون آخرون كالمنظمات غير الحكومية، يؤكد السعيد لـ DW عربية، أن "الدستور المغربي يضع المقاربة التشاركية ضمن أسسه"، مبرزاً أن "هناك تراجعاً ملحوظاً من قبل الحكومة في إشراك المواطن في صبغة التشريع". ويضيف السعيد أن الحكومة "حجبت مسودة هذا المشروع دون مراعاة الفصل 27 من الدستور الذي ينصّ على الحق في المعلومة".
انتقال إلى الدول المجاورة؟
كان تأثير حملة المقاطعة الاقتصادية في المغرب كبيراً جداً، وانتقلت حماها إلى بلدان مجاورة، بنفس طريقة كتابة الوسم (هاشتاغ) المحرّك للمنشورات، فالمغاربة عمموا هاشتاغ "خليه_يريب" (دع الحليب يفسد) لمحاربة غلاء الأسعار، والجزائريون عمموا وسم "خليها_تصدا" (دعها تصدأ) وكانت موجهة لصناعة السيارات، بل وصلت الحملة حتى العراق، إذ انتشرت تحت وسم "خليها_تخيس" (دعها تفسد)، ووُجهت لمقاطعة البضائع الإيرانية، كجزء من الحراك العام الذي شهده البلد، ثم لمقاطعة شركات الاتصال والهاتف المحمول، التي انطلقت في آذار/ مارس الماضي وما تزال تأخذ زخماً متزايداً.
لكن مع معاناة العالم من جائحة كورونا، وانشغال الرأي العام بتداعياتها، قد تحاول الكثير من الحكومات استغلال الظرف لتمرير قوانين غير شعبية، فالحكومة المغربية صادقت على مشروع القانون المثير للجدل يوم 19 مارس/ آذار، وهو اليوم ذاته الذي أعلنت فيه وزارة الداخلية عن حالة الطوارئ الصحية، كما طرح نواب تونسيون نهاية مارس مشروع قانون لمكافحة "الأخبار الكاذبة" سرعان ما سحبوه بعد موجة الانتقادات الكبيرة.
ويرى محمد مصباح أن حكومات المنطقة قد تستغل الوضع الاستثنائي الحالي لأجل "التضييق على الحريات العامة ووضع قيود أكبر على حرية التعبير والرأي"، مشيراً إلى وقوع اعتقالات بسبب "خرق حظر التجوال والتعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي"، وأنه "رغم وجود حالة من التضامن الاجتماعي الواسع بسبب الأزمة الحالية، إلّا أن تضييق الحكومات على حرية التعبير، موازاة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي" حسب تعبيره.
إسماعيل عزام