لطفي العبدلي: أنا لا أبيع الخبز كي أطلب من الجميع شراءه
٢٩ سبتمبر ٢٠١٤مشاغب لأبعد الحدود خاصة بعدما وصف الرئيس التونسي منصف المرزوقي بطريقة "غير لائقة" أدت إلى انسحاب ضيفين من برنامج كانا يشاركان فيه. في ظرف سنوات قليلة، بزغ نجمه بشكل كبير، في الرقص، ثم المسرح، فالكوميديا، فالسينما التي جعلته يتوج بعشر جوائز عن دوره في فيلم "آخر فيلم".
نهاية الأسبوع الماضي في مهرجان "خارج أوروبا.. أفلام جديدة من إفريقيا" بمدينة كولونيا، كانت لنا فرصة إجراء حوار مع لطفي العبدلي. يتحدث ضيفنا هنا عن "جرأته الزائدة" وعن أسباب اختياره لهذه الطريقة في نقد ما يحيط به، معرجاً كذلك على قصته مع التيار السلفي الذي سبق وأن هدده بالقتل، وعن استمرار معاركه مع السياسيين التونسيين.
DW "عربية": كيف انتقل لطفي العبدلي من الرقص إلى السينما؟
لطفي العبدلي: هو طموح الفنان وقدرته على تجديد نفسه في مجالات متعددة. صحيح أنني بدأت مساري كراقص، إلّا أنني انتقلت في مرحلة متقدمة إلى المسرح الحديث، وهذا الأخير هو الذي نقلني إلى السينما. أتذكر في هذا الاتجاه حضور بعض المخرجين السينمائيين لعروضي المسرحية، وكيف أُعجبوا بها ليقترحوا عليّ أداء أدوار في أعمالهم.
هناك من يعرفني بفيلم "آخر فيلم" الذي أديت دور بطولته، وتحصّلت من خلاله على عشر جوائر، لكنني شاركت بعده في مجموعة من الأفلام، منها تونسية وفرنسية وكندية ومالطية.
أين يندرج حضور العبدلي في هذامهرجان كولونيا هذا؟
رغم أن "آخر فيلم" للمخرج نوري بوزيد قد عُرض ثلاث مرات في نسخ سابقة من هذا المهرجان، فقد تقرّر كذلك عرضه في نسخة هذا العام، في جلسة خاصة بالطلبة تبعها نقاش مطوّل عن الفيلم. وذلك لأن الفيلم يعالج قضية استقطاب الجماعات السلفية للشباب، حيثُ كانت جلسة النقاش فرصة لتبادل الآراء في هذا الموضوع الشائك.
وكيف وجدت المهرجان؟
صراحة مستوى غالبية الأفلام المعروضة جيد للغاية، والحضور يستمتع كل يوم بأفلام سينمائية تعكس قوة هذا الفن في القارة السمراء. أكثر ما أعجبني في هذا المهرجان هو كونه لا يعتمد على التسويق وعلى خلق الحدث، بقدر ما يعتمد على تقديم فن سينمائي يعالج هموم كل قطر من الأقطار المشاركة، بشكل يمكّن من فتح نقاشات مهمة. هذا مهرجان سينمائي وفقط، وهذه ميزة أساسية تجعله يتفرّد على مستوى المهرجانات الأوروبية.
زد على ذلك أنني أعجبت بمدينة كولونيا. سبق لي أن زرت مجموعة من المدن الألمانية، لكن لكولونيا طابع خاص للغاية.
بالحديث عن واقع السينما التونسية، هل ترى أنها حققت تقدماً بعد الثورة؟
لا أرى أيّ تغيير كبير، فالثورة ليست مجرد إطاحة بدكتاتور أو وصول حزب سياسي جديد إلى السلطة، بل يجب أن تبدأ في الأذهان وفي العقليات. تحتاج السينما التونسية هي نفسها إلى ثورة تصحيحية تعيدها إلى ما كانت عليه في السابق في مرحلتها الأولى، ثم تجعلها تتطوّر بشكل أكبر في مراحل أخرى، فقد كانت لدينا سينما مؤلف قوية، ولكنها تراجعت بشكل ملحوظ. فضلاً عن أننا ننتج حالياً أفلاماً بدون سياسة سينمائية واضحة، وهذا في رأيي يرجع إلى عدم الاستقرار السياسي، وعدم وضوح الرؤية منذ سقوط نظام بن علي.
ولكن نسبة الحرية ازدادت في تونس بعد الثورة، وهذا في حدّ ذاته تقدم نحو الأمام؟
صحيح، فالحرية موجودة الآن في تونس، ويمكن للفنان أن ينتقد من يريد وفي أي موضوع يريد، وبكل صراحة فأنا أنتقد في أعمالي الفنية بالطريقة التي أراها صالحة لذلك. ولكن الحرية في النقد ليست هي الثورة، بل على هذه الأخيرة أن تمسّ جميع الجوانب في السينما.
لذلك في رأيي أن خطوة الاستثمار ستساهم بشكل واضح في تقدم السينما التونسية، وستجعل لها موطئ قدم بين جيرانها في المنطقة. كما ستمكّن السينمائيين التونسيين من تقديم أعمال أقوى تعطي الإضافة المطلوبة التي ينتظرها الجمهور.
لنتحدث عن لطفي العبدلي، لسانك جلب عليك الكثير من المتاعب، وجرّ عليك الكثير من الانتقادات التي أشارت إلى استعمالك لغة مباشرة في الانتقاد، بشكل وصل إلى حدّ اتهاهمك بأنك" وقح" في نقدك، كيف ترّد؟
أنا اخترت أن أكون مباشراً في فني، وهذه طريقة موجودة في كل المدارس الفنية بما فيها المسرحية والسينمائية. أنا لا أبيع الخبز كي أطلب من الجميع شراءه، ولا يهمني أن أحقق إجماعاً لدى الجميع، علماً أن الشعب التونسي يحبني، وأتلقى التشجيع منه على الدوام، وهذه الانتقادات لا تأتي سوى من فئات قليلة.
تحتاج تونس في هذه المرحلة إلى لغة الاختصار، ولغة الحديث بشكل صريح عن المشاكل، وهذا هو ما حقق لي الشهرة، لأنني أعبّر عن تطلعات التونسيين دون نفاق.
ولكن لغتك قاسية بشكل كبير، خاصة عندما تتحدث عن السياسيين؟
أعترف بذلك، لكن كلامي يبقى صحيحاً، ولو لم يكن كذلك، لما عبّر السياسيون عن عدم رضاهم عمّا أقوله. أنا لا أنتقد طرفاً دون آخر، بل أنتقد الجميع، وهو ما سبّب لي مشاكل حقيقية مع الدولة.
وماذا عن السلفيين الذين اعترضوا على عرضك المسرحي " 100% حلال"؟
لم يعترضوا فقط، بل هدّدوني، وصدرت في حقي فتوى خطيرة، لكن في نهاية الأمر وقع حوار بيني وبينهم، وكل هذه الخلافات تم حلّها ووقع صلح بيننا. لقد عرضت عليهم أفكاري في لقاء جمعني بهم، وتأكدوا أن ما يجمعني بهم أكثر ممّا يفرّقني عنهم، ففي نهاية الأمر، أنا تونسي مسلم، ونقدي لم يكن موجهاً للدين، بل كان موجهاً لسلوكيات معينة.
وهل وقع التصالح ذاته بينك وبين الدولة؟
لا لم يقع، ولا أعتقد أنه سيقع، لأنني أريد أن يبقى نقدي لاذعا، وأريد أن أستمر في نهجي الذي يجعل فني واقفاً بالمرصاد لسياسات لا أرى فيها نفعاً. لا يقلقني أن أكون على خصام مع الدولة، ولا أن أكون متابعاً من طرف الأجهزة الأمنية، فقد اخترت منذ البداية هذا الطريق، وأنا مقتنع تماماً به.