لبنان: دعم بـ 370 مليون دولار وانتقادات دولية لأداء الساسة
٤ أغسطس ٢٠٢١تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر الدعم الدولي، الذي نظمته فرنسا والأمم المتحدة عبر الإنترنت الأربعاء (الرابع من أغسطس/ آب 2021)، بتقديم نحو 370 مليون دولار كمساعدات للبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، ودعت إلى تشكيل حكومة لـ"إنقاذ" البلاد من مأزقها الراهن.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن أربعين دولة ومنظمة دولية، وخُصص لتقديم مساعدات إنسانية للبنان، ويعتبر الثالثمنذ انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس/ آب 2020، الذي نتج عن تخزين كميات من مادة نترات الأمونيوم من دون اجراءات وقائية، وتسبب بمقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين. كما خلف الانفجار أضراراً هائلة في المرفأ ومحيطه وعدد من أحياء العاصمة.
وتخطت قيمة المساعدات التي تعهد المجتمعون بتقديمها الأربعاء، والبالغة 370 مليون دولار، قيمة الاحتياجات التي كانت الأمم المتحدة قد حددتها بـ350 مليون دولار، في مجالات المواد الغذائية والصحة والتعليم وتنقية المياه، في وقت تتراجع فيه قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات الأساسية.
وكرر المشاركون في المؤتمر دعوة القادة اللبنانيين الى تشكيل حكومة تسرع باجراء اصلاحات بنيوية يشترطها المجتمع الدولي منذ عام، مقابل تقديم دعم مادي، لوضع حد لانهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وشدد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال المؤتمر على أنه "لن تكون أي مساعدة خارجية كافية إذا لم يلتزم قادة لبنان بإنجاز العمل المضني، بل والضروري، القاضي بإصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد"، مضيفاً: "هذا أساسي. يجب البدء الآن". بيد أنه تعهد بتقديم نحو مائة مليون دولار من المساعدات الإنسانية، تضاف إلى 560 مليون دولار قدمتها بلاده خلال السنتين الماضيتين.
وندد نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي ترأس الاجتماع، في كلمة عبر تقنية الفيديو من المقر الصيفي للرؤساء الفرنسيين في جنوب فرنسا، بما وصفه بـ"اختلالات غير مبررة" في أداء الطبقة السياسية.
عام من الجمود السياسي
من جهته، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون، في المؤتمر إلى التضامن، قائلاً إن جائحة كورونا تسببت في نقص الأدوية وفاقمت معاناة الشعب اللبناني. وأضاف عون: "يمر لبنان حالياً بأصعب أوقاته".
وأضاف، رداً على تصريحات ماكرون والمجتمع الدولي بشأن الحاجة الملحة لتشكيل حكومة جديدة: "نحن اليوم في مرحلة جديدة. آمل أن تتشكل حكومة، حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة".
وكان انفجار المرفأ دفع حكومة حسان دياب إلى الاستقالة. ولم تتمكن القوى السياسية طوال العام المنصرم من تشكيل حكومة. وكلف رئيس الجمهورية، ميشال عون، في 26 يوليو/ تموز الملياردير ورئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، بتشكيل حكومة، ليكون بذلك ثالث شخصية توكل إليها هذه المهمة الصعبة، من دون أن يُحرز تقدماً بعد.
وقال ميقاتي هذا الأسبوع إنه كان يأمل في تسريع وتيرة التشكيل بعد اجتماعه مع الرئيس لمناقشة تعيين الوزراء.
لكن ماكرون، الذي زار بيروت مرتين منذ الانفجار، اعتبر أن "المسؤولين اللبنانيين يراهنون على ما يبدو على استراتيجية المماطلة"، متهماً الطبقة السياسية "مجتمعة" بأنها "استمرت في تعميق (الأزمة) من خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية وأنصارها قبل مصالح الشعب اللبناني".
شروط الدعم – حكومة كفاءات وإصلاحات
ومن بين شروط المجتمع الدولي لتقديم دعم ضروري للبنان بقيمة تتخطى 11 مليار دولار تشكيل حكومة تضم اختصاصيين وتقوم بإصلاحات جذرية. ويكتفي في أثناء تحقيق ذلك بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، رغم تكرار السلطات مناشدتها الجهات المانحة عدم ربط دعمها للبنان بتشكيل حكومة.
وكان مؤتمران سابقان جمعا مساعدات بقيمة 280 مليون يورو.
هذا وتعهدت باريس بتقديم مساعدات عاجلة بقيمة نحو مائة مليون يورو في الأشهر الـ12 المقبلة، بعد 85 مليون يورو قدمتها عام 2020، استجابة للحاجات العاجلة للسكان. كما سترسل نصف مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في الأسابيع المقبلة.
كما أعلن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بدوره عن التزامات تصل إلى 40 مليون يورو، بما في ذلك للاجئين السوريين، بعد 24 مليون يورو قدمتها ألمانيا العام الماضي.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 5.5 ملايين يورو من أجل التصدي لفيروس كورونا في لبنان.
مساعدات مباشرة للشعب .. دون المرور بمؤسسات الدولة
وستذهب المساعدات مباشرة إلى السكان عبر منظمات المجتمع المدني برعاية الأمم المتحدة، من دون المرور بقنوات أو مؤسسات رسمية، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وللحيلولة دون شبهات فساد تلاحق أداء الطبقة السياسية، التي يحملها كثير من اللبنانيين مسؤولية فشل إدارة أزمات البلاد المتلاحقة.
وأعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، خلال المؤتمر أن لبنان سيستفيد من 860 مليون دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة، التي تُمنح للدول الأعضاء، داعية إلى استخدامها "بطريقة مسؤولة وحكيمة".
وكرر ماكرون التأكيد على أن "مؤتمر اليوم هو مؤتمر إنساني لدعم الشعب وهو غير مشروط، لكن لن نعطي شيكاً على بياض للنظام السياسي اللبناني، لأنه منذ بداية الأزمة وقبلها حتى كان معتلاً".
وقال ماكرون: "لقد فوتوا كل الفرص ولم يحترموا أي التزام"، مضيفاً أن لبنان "يستحق .. ألا يستمر بالعيش معتمداً إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي".
تلويح بعقوبات أوروبية
ولوحت فرنسا، التي فرضت في أبريل/ نيسان قيوداً على دخول شخصيات لبنانية أراضيها تعتبرها مسؤولة عن الجمود السياسي والفساد، مجدداً بالعقوبات، بما فيها على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وصادق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الجمعة على إطار قانوني يتيح "إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولة عن التعرض للديمقراطية أو لسيادة القانون في لبنان". ويتعين أن تحظى قائمة المشمولين بالعقوبات بموافقة أعضاء الاتحاد الـ27 بالإجماع.
وقال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل: "نأمل ألا نضطر إلى الوصول لذلك"، فيما أكد ماس أنه "لا يوجد وقت لنضيعه".
يشار إلى أن لبنان يغرق منذ صيف عام 2019 في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فاقمتها تدابير التصدي لجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بينما فقدت الليرة أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية أكثر من 700 في المائة.
ي.أ/ أ.ح (أ ف ب، رويترز)