لبنان.. المؤثرون في مواجهة الطائفية وخطاب الكراهية
٢٧ سبتمبر ٢٠٢١تعج مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بالكثير من المواضيع والأمور المثيرة للجدل، حيث أن الناس لديهم ولع كبير بالتكنولوجيا، وتبلغ نسبة انتشار الإنترنت في البلاد حوالي 80 بالمائة أي أكثر من خمسة ملايين شخص يستخدمون الانترنت. وفيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، ينشط أكثر من 4 ملايين شخص في لبنان على منصات التواصل الاجتماعي، وفقا لموقع datareportal.com
وبالنظر إلى أن لبنان يعد بلدا صغير المساحة إذ لا يزداد تعداد سكانه عن 6,8 مليون نسمة، فليس بالأمر المفاجئ أن يصل عدد متابعي بعض المؤثرين من أمثال نادين نجيم لأكثر من 2,8 مليون متابع على موقع فيسبوك، فيما بلغ عدد متابعي الإعلامية أماني جحا أكثر من 100 ألف متابع على موقع تويتر، وتجاوز عدد متابعي الناشط غيد شماس 334 ألف على موقع انستغرام.
وبمقارنة عدد المتابعين مع تعداد سكان لبنان، فيمكن لهؤلاء المؤثرين إحداث تغيير في آراء الكثير من اللبنانيين. ورغبة في الاستفادة من شعبية هؤلاء المؤثرين لأجل قضية جيدة بعيدا عن صخب القضايا المثيرة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، اختار المكتب اللبناني لمؤسسة بيرغوف غير الربحية ومقرها برلين، بحرص شديد عشرين من المؤثرين في لبنان ستكون مهمتهم الحد من تصعيد التوترات والخلافات حول الأمور التي يتم التفاعل معها ومناقشتها بشكل كبير على الإنترنت.
وفي ذلك، يقول علي عنان، رئيس المشروع في بيروت، في مقابلة مع DW "باتت الاتصالات هامة وحيوية في تعزيز التسامح والتفاهم المشترك، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة مثالية لتحقيق هذا الهدف".
تمويل المشروع
تبلغ تكلفة المشروع قرابة 250 ألف يورو وتموله النرويج، وكان يُفترض أن يبدأ قبل ثلاثة أيام من وقوع كارثة انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب عام 2020 وهو ما كان له تأثير كبير على المشروع، حسب عنان الذي أضاف بأنه كان للانفجار "وقع الصدمة على الجميعوالكل ويتعامل مع تداعياته، لذا بدأنا المشروع بشكل فعال مطلع العام الجاري".
ويمثل المؤثرون المشاركون في المشروع كافة أطياف المجتمع اللبناني الذي يشكل فيه المسلمون 61 بالمائة (30,6 من السنة و30,5 بالمائة من الشيعة ونسبة قليلة من الطائفتين العلوية والإسماعيلية) فيما يشكل المسيحيون نسبة 33,7 بالمائة والطائفة الدرزية 5,2 بالمائة من تعداد سكان البلاد. ويضم لبنان أيضا أقلية ضئيلة من اليهود والبهائيين والبوذيين والهندوس.
وينشط المؤثرون الذين انضموا إلى المبادرة في الحديث عن كافة القضايا السياسية بداية من الإخوان المسلمين وحزب الله وحتى تيار المردة المسيحي فضلا عن الحديث عن القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والتوجهات الجنسية.
ويقول عنان "قمنا بضم بعض المؤثرين المسلمين الذين شاركوا في السابق في مشروع مماثل كان يتعلق بالقضايا الطائفية فقط، وقمنا باختيار باقي المؤثرين وفقا لعدد متابعيهم (على مواقع التواصل الاجتماعي) وأيضا استعدادهم ورغبتهم للعمل معا وأيضا العمل على هذا المشروع بلا مقابل". أما فيما يتعلق بالتمويل، فهو ينحصر في تمويل نفقات تنفيذ المشروع بالإضافة إلى إنتاج فيديو لحملة ضد الاحتكارات في لبنان.
النجاح في تغيير بعض المواقف
حقق المشروع نجاحات، وفقا لما ذكره عنان الذي قال إن أكبر إنجاز حققه المشروع يتمثل في "أن المؤثرين الذين شاركوا في المشروع التقوا مع بعضهم البعض ونشأت صداقات بينهم". وأضاف أنه قد لا يُنظر إلى هذا الانجاز باعتباره أمرا مهما، لكنه في حقيقة الأمر أمر هام إذ أخذنا في الاعتبار "المنافسة القوية" بين هؤلاء المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي. ويوضح عنان ذلك بأن "وجود 400 ألف متابع قد يصيب المرء ببعض الفخر والغرور، ورصدنا في السابق قيام بعض (المؤثرين) بحظر حسابات بعضهم البعض".
ومن بين هؤلاء المؤثرين محمد عواد (30 عاما) وهو ينحدر من مدينة جبيل على الساحل اللبناني وتبعد عن بيروت حوالي 37 كيلومترا، لكنه يعيش في الوقت الحالي في بيروت فيما يبلغ متابعيه قرابة 4500 شخص. وقال في مقابلة مع DW "أنا شيعي نشأت في مجتمع أنشأني على كره السنة!". وأضاف أنه عندما كان في العشرينيات، انضم إلى حركة أمل الشيعية وأصبح عضوا بارزا فيها "لكن عندما شرعت في مقابلة الناس وبدأت في النضوج، استوعبت أنه تم تغذيتي بالكراهية من أجل لا شيء. وفي نهاية المطاف، استقلت من الحركة وأصبحت شيعيا مستقلا يعارض السياسة التي ينتهجها الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل".
وباشتراكه في المشروع كأحد المؤثرين، كان عواد أول من تفاعل مع واقعة مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص منهم ثلاثة عناصر من حزب الله إثر اندلاع اشتباكات في بلدة خلدة جنوب بيروت التي يقطنها سكان من السنة ومؤيدون لحزب الله خلال تشييع عنصر من الحزب مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري ما أدى إلى تدخل الشرطة اللبنانية.
وأضاف عواد "قمت بجهود وساطة وتهدئة على شبكة الانترنت بين كلا الطرفين من أجل وقف العنف. وانضم إلى جهود التهدئة العديد من المؤثرين في لبنان ممن لديهم اتصالات ونفوذ مع الأطراف المختلفة، إذ ساعدوا من وراء الكواليس في الوساطة وتهدئة التوترات. مما ساعد لبنان على تجنب المزيد من إراقة الدماء والمعاناة".
صانعة سلام
وتعد ماري جو فرنجية (39 عاما مسيحية) من بلدة زغرتا شمال البلاد، من بين أبرز النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وتشارك في المشروع. وتقول في مقابلة مع DW "لم يخطر على بالي في يوم من الأيام أن تربطني صداقة مع شيخ!". ومنذ انضمامها إلى المشروع، تغيرت الكثير من أفكار ماري، وتقول "أنا فخورة جدا بما حققته، إذ كان بمقدوري كسر الحاجز (النفسي)".
ودفعها ذلك إلى مناشدة القادة والسياسيين في لبنان بالتوقف عن "إضفاء صبغة الدين على كل شي"، مؤكدة أن كافة المشاكل ذات أبعاد سياسية محضة. والآن تعتبر ماري نفسها "صانعة سلام وليست مجرد وجه جميل" يطل على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت الآن تغرد في قضايا تهم متابعيها البالغ عددهم 25 ألفا على موقع تويتر حيث نشرت قرابة 70 ألف تغريدة.
وعلى الصعيد المهني، تعمل ماري في دائرة الإعلام في تيار المردة الذي يعد حزبا مسيحيا ليبراليا يتزعمه سليمان فرنجية الذي يعد من أبرز المرشحين للرئاسة منتصف العام المقبل. وفي هذا الصدد، تقول ماري إنه ليس من قبيل الصدفة أن يتشابه لقب عائلتها مع لقب عائلة رئيس تيار المردة، مضيفة "كان أجدادنا إخوة".
ورغم تباين الخلفيات الدينية والسياسية للمؤثرين المشاركين في المشروع، يرى عنان أن هذا الاختلاف لا يمثل أي تضارب في المصالح بين المؤثرين. ويقول "لم نحاول تطوير مؤثرين جدد على أساس ما نحب أو نكره. فقد كانت آراؤهم الأهم وكذلك الانطباع حيال تغريداتهم". ولهذا السبب، يعتزم عنان المضي قدما في هذا العمل حتى بعد انتهاء المشروع في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
جينيفر هوليس/ رزان سلمان/ م ع