لاجئات يتزوجن في المسجد هربا من القوانين الألمانية
١٥ أكتوبر ٢٠١٦"قررت الزواج هنا في برلين في الأشهر القليلة المنقضية في أحد المساجد العربية في برلين، بعد أن تعرفت على زوجي الحالي في مركز الإيواء، لم أعد أطيق الحياة مع زوجي العراقي ، وبدون عراقيل إدارية أضحيت اليوم أتمتع بعلاقة زوجية إسلامية سعيدة، أنا اليوم متزوجة عرفيا برجل عربي مسلم من سكان برلين". بهذه الكلمات بدأت لاجئة عراقية تروي كيف فارقت زوجها الأول لتتزوج من آخر تعرفت عليه في برلين.
السيدة آية لا تزال في مقتبل العمر، تبلغ 22 ربيعا، تزوجت من زوجها الأول في بغداد قبل أيام من مغادرتهما معا الأراضي العراقية متوجهين عبر تركيا نحو ألمانيا. إلا أنّ الأقدار كما قالت لنا آية، شاءت أن تقطع علاقتها نهائيا مع زوجها لتتعرف على شاب آخر. ثم تواصل الشابة في مجرى حديثها القول:" لم نكن نرغب في علاقة مفتوحة مثل الألمان، ديننا وتقاليدنا تفرض علينا الزواج الإسلامي. لذا اتصلنا بأحد المساجد البرلينية واستفسرنا حول شروط الزواج الشرعي، وبعد تشاورنا مع إمام المسجد كان قرارنا أن نتزوج في المسجد." إثرها انتقلت الشابة العراقية، كما قالت لنا، رفقة زوجها الحالي إلى مسجد برليني ومع ثلة من الأصدقاء لحضور قراءة الفاتحة التي حضرها أيضا آخرون يرتادون المسجد."
وحول سؤالنا لماذا لم يتزوجا في البلدية كما تجري عليه العادة هنا في ألمانيا، أجابت آية قائلة:"ليس من السهل بمكان أن تتزوج بهذه السرعة لدى الدوائر الألمانية. الإدارة الألمانية تشترط شهادة طلاق.أنا لست مطلقة قانونيا، لقد علمت بأنّ الطلاق في ألمانيا ليس بالأمر الهين ويمكن أن يطول سنين عديدة، ناهيك عن التكاليف المالية المرتفعة التي لا يمكننا توفيرها، زد على ذلك الانتظار الطويل للحصول على موعد للزواج في البلدية الألمانية". ولذلك، كما تقول الزوجة العراقية الأصل بأنها فضلت الزواج العرفي على الزواج المدني، والأهم من كل ذلك، كما تقول المرأة العراقية، أنها سعيدة في عشها الزوجي الجديد في برلين.
"الزواج في المساجد ليس زواجا قانونيا مدنيا"
السيدة كارولي كوكين من المدافعات عن حقوق المرأة في برلين، ترى في الزواج بين المرأة والرجل في المساجد حق مكتسب للطرفين إذا ما أرادا ذلك:" للمرأة مثل الرجل الحق في اختيار شريكها والزواج أو العيش معه. إنّ المهم بالنسبة لنا كمنظمة نسوية أن تختار المرأة شريكها بنفسها وبدون تأثيرات أو قيود عائلية تقليدية... نحن لا نعتبر الزواج في المساجد زواجا قانونيا مدنيا، بل هو بالنسبة لنا ارتباط بين طرفين يرغبان العيش المشترك بمباركة الإمام أو الديانة التي تبارك مثل هذه الطقوس." وأشارت السيدة كوكين الى أنّ من أهم الأشياء لديها ." أن تكون المرأة واعية بقضاياها وتعي حقوقها وواجباتها المدنية وألا تصبح لقمة سائغة لدى الرجل". وتقول السيدة كوكين إنّ في ألمانيا علاقات عيش مشترك بين الرجل والمرأة الألمانية بدون زواج، يعيشان معا تحت سقف واحد. وهذا لا يمثل عائقا بالنسبة لنا كمنظمة نسائية مدافعة عن حقوق المرأة. وتضيف أنّ القانون الألماني لا يرفض مثل هذه العلاقات.
قاصرات تحولن إلى زوجات رغم منع القانون المدني الألماني لذلك
الشابة مريم التي يبلغ عمرها 17 ربيعا واحدة من هؤلاء الزوجات اللواتي تزوجن عرفيا. إنها أم لرضيع يبلغ عمره 10 أشهر. البنت السورية الأصل والقادمة من ريف حماه التقليدي المحافظ، حملت هنا في ألمانيا من قبل إبن عمها الذي جاء هو الآخر إلى ألمانيا بحثا عنها، ليتزوجها حسب إتفاق أبويهما وهي لا تزال طفلة صغيرة.
وتضيف الشابة السورية" نحن عائلة سورية محافظة والزواج لا يمكن أن يكون إلا على الطريقة الإسلامية. طلب ابن عمي يدي من والدي الذي وافق مباشرة على طلبه"، وتمضي مريم الى القول " ابن عمي يكبرني بست سنين، وهنا في ألمانيا لا يسمح لنا الدستور بالزواج المدني لأني قاصرة وعلاقتي بابن عمي غير قانونية، نظرا لفارق السن . لو لا موافقة والدي لكانت الأمور تختلف، أي لواجهت صعوبات من لدن "مكتب الطفولة والشباب، اليوكند أمت."
و رغم صغر سنها أصر ذوو العلاقة الثلاث، الأب ومريم وإبن العم، على الزواج العرفي الذي لا يمكن أن يتم إلا في أحد المساجد.
الشابة مريم وإن كانت قاصر إلا أنها تملك بنية جسدية قوية وتبدو للوهلة الأولى للعيان وكأنها امرأة يافعة، هذا ما جعل أولي الأمر في المسجد يوافقون على الزواج بينهما بحضور إمام ووالدها وإبن عمها وبعض الحاضرين في المسجد، كما قالت مريم.
واستمرت الشابة في حديثها قائلة:" زواجنا ليس قانونيا وعلاقتي بزوجي وابن عمي تمت بموافقة والدي ولا يحرمها القانون، قريبا سأبلغ سن 18، إثرها سنتزوج مدنيا في مقر البلدية حتى تصبح علاقتنا الزوجية معترف بها". كلاهما يريد أن تكون علاقتهما الزوجية قانونية.
"زواج القاصرات إستغلال جنسي لهن"
موقف السيدة كوكين المتعلق بالزوجات القاصرات المتزوجات برجال يكبروهن سنا واضح وضوح الشمس في كبد السماء، فهو كما تقول أمر خطير يجب محاربته بكل الوسائل، ثم تمضي الى القول :" كثيرا ما يتعلق الأمر في مثل هذه الحالات بالاستغلال الجنسي للمرأة للشابة وهنا تقوم منظمتنا بواجبها المتمثل في التدخل العاجل من أجل تقديم يد العون للشابة الضحية، وتوجيه النقد اللاذع لمثل هذه الأعمال الشنيعة وكل من يقومون بها". كما أشارت السيدة كوكين إلى أنها على علم بمثل هذه الحالات وأن مؤسستها قامت بالتعاون مع " اليوكند أمت" بإبعاد الضحية عن أهلها لأنهم لم يتولوا حمايتها كقاصر في حاجة ماسة للحماية والنمو السليم ، مبيّنة أنّ القانون الألماني يمنع منعا باتا كل علاقة زوجية بين قاصر و رجل. ثم تضيف تقول "على القضاء الألماني أن يضطلع بدوره من أجل حماية البنات والمراهقات من مثل هذه الظاهرة." وترى السيدة كوكين في الزيجات العرفية استغلال جنسي للأطفال من قبل الرجال.
مساجد ترفض زواج القاصرات وتراعي القوانين الألمانية
مسجد الرحمة في حي لشتنبارغ البرليني كغيره من المساجد في مختلف المدن الألمانية، فهو يقدم خدمة للراغبين في الزواج الديني.
السيد أبوسامي ذو الأصول الشمال إفريقية وإمام المسجد يقول حول موضوع الزواج في المسجد "هناك من يأتي إلينا ويقول إنه يريد الزواج شرعا في المسجد. ففي هذه الحالة نطلب من المتزوجين الهوية لنتأكد من أنّ الآمر يتعلق بهما حقا . كما نقول لهما بأنّ زواجهما هنا لا معنى له مدنيا، أي أنّ الإدارة الألمانية لا تعترف به". ويمضي إمام المسجد فيقول :" هنالك من الجالية المسلمة ومن بينهم اللاجئات من ضيوفنا الجدد الذين يتعرفون على رجال جدد و يريدون الزواج على الطريقة الدينية، التي اعتادوا عليها في سوريا أو العراق و لا تتم بدون موافقة الطرفين ". ويؤكد إمام المسجد أن الرغبة في الزواج العرفي ليست ظاهرة جديدة في برلين ، بل قديمة، إلا أنها أخذت في بحر السنة الماضية نسقا أسرع مما كانت عليه آنفا، ثم يواصل القول:" إن الزواج في المساجد ليس مرفوضا قانونيا في ألمانيا، فنحن هنا لا نصدر عقود زواج".
الزواج العرفي من القاصرات لن يتم في فضاء مسجده، كما أكد لنا إمام المسجد. ويقول في هذا الصدد:" هنالك من أتى راغبا في الزواج من شابة لم تبلغ بعد سن 18 ربيعا، إلا إنني رفضت ذلك نظرا لفارق السن بينهما، ومنع القوانين لمثل هذه العلاقات المريبة. لقد كان عمر الرجل 28 عاما".
شكري الشابي/ برلين