من سوريا يتدفق حاليا أكبر عدد من اللاجئين في العالم
٢٩ أبريل ٢٠١٥
يحاول الشاب الكردي دَوْران أن يعيش جوا حميميا في مدينة بوخوم الألمانية التي هاجر إليها منذ عام ونصف. وكان دَوْران البالغ من العمر (25 عاما) قد غادر سوريا خوفا من تعرضه للأذى، حيث ترك ورائه عائلته هناك. وشارك دَوْران في احتجاجات مناهضة لنظام بشار الأسد في مدينة القامشلي بشمال سوريا وقام بتصوير تلك المظاهرات إلى أن ألقي القبض عليه بعد أياما قليلة من ذلك.
"ضربوني حتى فقدت وعيي" يحكي دَوْران عن الفترة التي قضاها في السجن والتي استغرقت 16 يوما. ثم أُطلق سراح دَوْران وعاد إلى منزله لكن قوات الأمن النظامية واصلت مضايقته في القامشلي وأيضا في مدينة حلب التي كان يدرس فيها الهندسة البيئية. وسرعان ما اتضح لدَوْران بأن بقائه في سوريا يشكل خطرا عليه ويجب عليه مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
الفرار إلى تركيا
قام والد دَوْران بتحضير هرب ابنه من سوريا بمساعدة مهرب، وبعد ساعات من الانتظار عند الحدود السورية-التركية دخل دَوْران ولاجئين آخرين الأراضي التركية عبر ثقب في السياج الحدودي. وكانت هذه هي أول مرة يغادر فيها دَوْران وطنه سوريا دون معرفة مصيره ومدى احتمال عودته إلى بلده في يوم من الأيام.
ومن مدينة دُنَيصَر (تل أرمن) الكردية نُقِل دَوْران إلى مدينة إسطنبول وانتظر هناك شهرا كاملا ليُنقَل صحبة ثلاثة أشخاص آخرين على متن شاحنة وفي أوضاع مزرية من دولة أوروبية إلى أخرى. واستمرت هذه الرحلة أربعة أيام اتسمت بالخوف من كشف أمره قبل أن يصل ألمانيا البلد الذي يعيش فيه شقيقه.
خطر الحرب الأهلية
ساعد دَوْران الحظ ولم يُكشف أمره ووصل إلى ألمانيا، وساعده سائق الشاحنة للوصول إلى مدينة بيليفيلد، هناك قدم دَوْران طلب اللجوء في أحد مراكز اللاجئين. ويعتبر دَوْران واحد من بين أكثر من 105 ألف سوري دخلوا ألمانيا منذ بداية عام 2011 وعددهم يتزايد يوما بعد يوم.
فمنذ اندلاع ما يطلق عليه بالربيع العربي عام 2011، والذي طالت نيرانه سوريا أيضا، والبلاد غارقة في حرب أهلية بين القوات الحكومية والمعارضة، حيث ذهب ضحيتها مئات الآلاف، بالإضافة إلى التهديد الذي تُشكله الميليشيا الإرهابية التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية".
ملايين الأشخاص يهربون من الحرب
يقول بيرند ميزوفيتش، نائب المدير التنفيذي في منظمة حقوق الإنسان "ProAsyl"، بمدينة فرانكفورت في مقابلة مع DW: "هذه أكبر أزمة لاجئين منذ عقود، وتشبه في حدتها أزمة اللاجئين نهاية الحرب العالمية الثانية وفي نهاية الثلاثينات حيث تعرض الكثيرون للاضطهاد النازي". ويضيف ميزوفيتش أن قرابة أربعة ملايين شخص غادروا البلاد في السنوات الأربع الماضية، ويقدر الخبراء عدد النازحين من سوريا بستة ملايين شخص تقريبا.
على مدى عقود طويلة تعايش في سوريا المسلمون والمسيحيون والدروز والعديد من الأقليات الدينية الأخرى في سلام جنب إلى جنب ، لكن الحرب الأهلية التي تدور رحاها هناك منذ فترة طويلة رفعت من وثيرة إلى الطائفية والتفرقة العرقية. ويسيطر على المنطقة بين حلب ودمشق إلى حد كبير أنصار نظام الأسد، حيث يحصلون على دعم من أقليات عرقية وطبقات اجتماعية ميسورة من طوائف متعددة. كما أن النظام، الذي لم يعد يسيطر على زمام الأمور في البلاد، يلقى دعما من إيران وميليشيا حزب الله اللبنانية.
الكفاح من أجل البقاء
يسيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" الإرهابي على مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد ويخوض معارك ضد الأكراد وجميع من يقف في طريقه. ويقاتل النظام السوري جبهة النصرة الإسلامية، الموالية لتنظيم القاعدة، ومن جهة أخرى ضد داعش. وفي الجنوب تقاتل قوات الجيش السوري الحر وكذلك جبهة النصرة بدعم من ميليشيات أخرى ضد داعش. الدمار الذي لحق سوريا جراء هذه الحرب لم يشمل البنية الاجتماعية للبلد فقط وإنما طال البنية الاقتصادية أيضا، فمئات الآلاف من السوريين يقاتلون من أجل البقاء على قيد الحياة.
أما دَوْران الذي شق طريقه إلى ألمانيا فهو محظوظ، فقد قبلت السلطات الألمانية طلب لجوئه ويسمح له بالبقاء في ألمانيا، وهو يتعلم اللغة الألمانية منذ عدة أشهر ويعمل في مقهى عربي. بداية حياته الجديدة في ألمانيا لم تكن سهلة كما يقول "لغة مختلفة، الناس مختلفون، كذلك الشوارع والمباني، كل شيء مختلف. لكن دروس الاندماج التي نتلقاها هنا تجعل الحياة سهلة بعض الشيء".
الخوف من تنظيم "الدولة الإسلامية"
رغم كل المصاعب التي تعرض لها دَوْران عند هربه من سوريا أو خلال الأيام الأولى في ألمانيا فهو يؤكد أنه سيختار الهرب من سوريا لو خُير بذلك مرة أخرى، ويقول إن "جميع الأكراد وكل السوريين يخشون الآن (تنظيم الدولة الإسلامية)" ويضيف "الإرهابيون دمروا المدن وخطفوا النساء والأطفال وقتلوا الرجال. لا أستطيع البقاء هناك. إما أن أحمل السلاح وأحارب ضد داعش والنظام السوري وإما أن ألوذ بالفرار!".