كيف يمكن استكمال المسار السياسي في مصر الآن؟
٢٠ أغسطس ٢٠١٣الباحث المتخصص في تاريخ الجماعات الإسلامية أشرف الشريف يرى أن مشاكل ثورة 25 يناير تبدو الآن واضحة أمام الأعين. ويقول لـ DW إن القوى المسيطرة على الشارع كانت من البداية الإخوان والجيش: "كانت هذه هي الحقيقة من البداية وإن لم تكن معترفاً بها، الفارق إن قطاعات الثورة من البداية كانت مستعدة للرهان على أحد الخيارين. الآن لا أحد لديه الاستعداد للرهان على أيهما، كما زاد الإدراك بأن القوى الثورية تأثيرها محدود للغاية. المراقبون الآن محبطون للغاية، يشعرون كأن هناك كارثة، الحقيقة أنه ليست هناك كارثة، تأثير ثورة 25 يناير لم ينته تماماً، هناك فقط حقائق نواجهها وكنا نرفض مواجهتها من قبل".
أبرز مشكلة كانت أن كتلة الثورة تعرف نفسها بالتضاد، أي أنها لا تملك مشروعاً محدداً ولكنها تصف نفسها فقط بأنها مختلفة عن الإسلاميين وعن الدولة القديمة: "ما صار مطلوباً الآن هو أن يكون لديها أفكار سياسية لكي تشتبك مع الواقع كما هو، والقدرة على حشد مجموعات من المواطنين وراء هذه الأفكار وهذا عن طريق التنظيم والأفكار والكوادر".
"ليس هناك أي مجال لممارسة السياسة في الوقت الحالي"، يقطع الشريف، مضيفاً أن المدافع هي المسيطر على المشهد: "هناك طرف لديه شراهة بالغة للعنف وهو الطرف الأقوى، والطرف الأضعف لديه شعور بالغ بأنه مظلوم، وبالتالي فليس هناك مجال للسياسة، يضاف لذلك إن غالبية الشعب بالفعل منحازة للجيش. عندما تحدث التسوية يمكننا الكلام عن شروط العمل السياسي، يكون هناك استحقاق انتخابي، وعمل حزبي، وتكوين خطاب وتكوين منابر، ولكن هذا صعب جداً الآن".
"الدولة تحتاج إلى الإسلاميين"
بالطبع ستحدث تسوية للصراع الدائر حالياً كما يرى، وذلك لسبب بسيط، أن ميزان القوى لا يسمح لأي طرف أن يفرض كلمته بشكل حاسم، كما أن الدولة على الصعيد الآخر لا تريد استئصال الإسلاميين، هي تحتاج للخطاب الذي يقدمونه ولكنها تريد أن تكون قادرة على التحكم فيه. ولهذا، فهو يرى أن الجيش قد تصرف بغباء شديد الأيام الماضية، لأن مصلحته تكمن في بقاء الإسلام السياسي لكونه يوفر الفزاعة الأمنية المطلوبة، كما يقوم بالتشويش على مطالب المعارضة الحقيقية من النظام، هذا باستثناء تداخل المصالح بين كوادر الإخوان وكوادر الدولة، كما أن الإسلام السياسي قوة مدجنة وقابلة للسيطرة عليها. ويرى الباحث في تاريخ الجماعات الإسلامية أنه كان ينبغي القيام بتسوية من البداية. "الإخوان كان من شروطهم للتسوية الإفراج عن جميع القيادات، أما الإصرار على عدم الإفراج عن أي أحد فهو خيار خاطئ، كما أن الاعتصام كان يمكن أن يُترك. الوضع كان سيئاً في منطقة رابعة ولكنه لم يكن أكثر سوءاً من الوضع الحالي".
"الشرعية الجديدة يجب أن ترتكز على الإنجازات"
لكن أين شباب الثورة مما يحدث هذه الأيام؟ موقعهم خافت جداً هذه الأيام كما يقول الصحفي محمد أبو الغيط، وهو أحد شباب الثورة المقربين من الإسلاميين، فرغم رفضهم لتفويض السيسي، إلا أنه حصل على تفويض الجماهير: "كان هناك وقت ما يمكن فيه لشباب الثورة أن يوجهوا نداء للجماهير فينزلوا جميعاً، لكن هناك قطاعات أخرى من الشعب صارت أكثر تسييساً الآن، وهي القطاعات الميالة إلى الدولة القديمة، ربما بسبب سوء أداء مرسي، كما أن الشعب كان متعطشاً للإحساس بالأمان، بينما شباب الثورة غير قادرين على توفير هذا لأنهم لا يملكون آلية محددة".
ويرى الصحفي أبو الغيط أن العمل السياسي الآن لابد أن يركز على القضايا المبدئية، مثل إنه لا يجوز قتل المدنيين المسالمين وأنه لا يجوز أن تسقط قضايا القتل بالتقادم ولا يجوز أن تكون العدالة انتقائية: "يعني لا يجوز أن تحمل طرفاً واحداً جميع خطايا المرحلة السابقة، أو على أقل تقدير لو أردت سحق الإخوان، فاسحق من شاركوا معهم، مثل وزير الداخلية الحالي محمد إبراهيم".
يؤمن أبو الغيط إن خطاب الناشطين السياسيين مع الناس لابد أن يركز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية بشكل أكبر: "الاقتصاد هو المحرك الأهم للمجتمع لكن الجميع متفق على تجاهله الآن". لكن الناس لن يستجيبوا لخطاب كهذا في اللحظة الحالية: "المطلوب منا أن نحتفظ بمواقعنا البديهية وألا نخسر أنفسنا في هذه اللحظة. على المدى القريب جداً، ربما يكون بضعة أشهر، سيبدأ الناس في مساءلة السلطة، سواء كان السيسي أو غيره. وكل الأسئلة التي طرحت على مرسي ستطرح عليه، وستنفجر من جديد موجة الاحتجاجات الفئوية".
الشرعية الجديدة بالنسبة لأبو الغيط لابد لها من أن ترتكز على إنجازات، فهو يوضح أن الناس تشبه السيسي بعبد الناصر، "لكن عبد الناصر كانت له إنجازات اجتماعية، أي أنه كان هناك إنجاز يجعل الناس يتغاضون عن القمع الأمني والسياسي".
تسوية تلوح في الأفق
محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي المشارك في الحكومة يتحدث عن تسوية تلوح في الأفق وعمل سياسي يمكن أن يبدأ بعدها. يقول لـ DW إن القيادي بالحزب زياد بهاء الدين قدم مبادرة لمجلس الوزراء لوقف مسار العنف الدائر، وحازت المبادرة بالأغلبية من أعضاء الحكومة. المبادرة ملخصها هو إعلان القوى السياسية في مصر نبذها للعنف، وفي المقابل يتم قبولها في المسار السياسي المقترح، ومن يرفض يتم إقصاؤه من الحياة السياسية. يضيف أبو الغار إن هناك أعضاء داخل الحكومة رفضوا المبادرة، ولكنهم أقلية، وليس من بينهم وزير الدفاع أو وزير الخارجية، كما يؤكد. بعدها يمكن أن يبدأ مسار سياسي حقيقي ويتم تنفيذ برنامج للعدالة الاجتماعية وبرنامج للعدالة الانتقالية بحيث يكون لكل القضايا العالقة منذ 25 يناير 2011 حل جذري ونهائي.
ولكن هل يمكن ضمان قبول الإسلاميين بهذه المبادرة؟
يجيب: "السلفيون وافقوا ونتوقع أن يحدث نزوعاً من شباب الإخوان تجاه الموافقة، بالإضافة إلى أن الإخوان مضطرون للقبول الآن بسبب الضغط الذي يتوقع أن تمارسه أمريكا والدول الأوروبية عليهم للموافقة".المبادرة أيضاً تتضمن إيقاف كافة أشكال العنف من الدولة ضد الإسلاميين، بما فيه العنف الإعلامي ضدهم. ويشير إلى مداخلة تليفزيونية قام بها مع الإعلامية لميس الحديدي، المعروفة بعدائها الشديد للإخوان ووشرح لها فيها لها الحالة الصفرية التي سيؤدي لها الصراع مع الإخوان فتفهمت هذا ووافقته على ضرورة أن يكون هناك حلاً سياسياً وليس أمنياً فحسب للأزمة.