كيف يكافئ انستاغرام أدمغتنا؟
٨ أغسطس ٢٠١٩أظهرت دراسة مثيرة أجراها خبير علم الأعصاب البروفيسور دار مشي من جامعة ولاية ميشيغان، بالتعاون مع علماء آخرين من جامعة برلين الحرة، حول مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، أن تأثير عمليات نشر المحتوى على الإنترنت والحصول على إعجاب أو التفاعل مع ذلك المحتوى يتسبب في تنشيط أماكن معينة في المخ.
وأظهر المسح الضوئي لمخ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي - ومنها فيسبوك وانستاغرام – وجود مناطق في الدماغ تكون على درجة أعلى من النشاط عند حدوث عمليات النشر والإرسال والإعجاب على منصات التواصل الاجتماعي.
وتعرف هذه المراكز في المخ بمراكز المكافأة. واكشتف الباحثون أن هذه المناطق، تبدو مع نشاطها، وكأنها تومض في الوقت نفسه الذي يومض فيه زر الإعجاب على منصة التواصل الاجتماعي.
ويقول العلماء إن هذه المناطق من المخ تكون على درجة عالية من النشاط أثناء الأكل والشرب وممارسة الجنس وعند الحصول على المال أو أثناء استهلاك المخدرات، وأن التفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي يسهل أيضاً من إحداث هذا التنشيط من خلال حصول الشخص على تلك "المكافآت الاجتماعية الصغيرة".
"المؤثرون" في أزمة!
يتابع ما يقرب من 200 ألف شخص حساب الشابة البرلينية فيكتوريا فان فايولينس على موقع انستاغرام، والتي تنشر صوراً جميلة لها من حياتها اليومية في أماكن مختلفة.
الجدير بالذكر أن منصة انستاغرام يستخدمها يومياً نحو 500 مليون شخص.
لكنها ومع كل هذا العدد من المتابعين لا تبدو سعيدة للغاية بحياتها وترى أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تنقل الجانب الآخر من حياة "المؤثرين" على هذه الشبكات.
وتقول الشابة البرلينية واسمها الحقيقي فيكتوريا مولر - 30 عاماً- إنها تواظب على العلاج النفسي من الاكتئاب "فاستمرار الضغوط بمستوى مرتفع، وعدم القدرة على التوقف لأخذ استراحة، والاضطرار دائمًا إلى تحقيق المطلوب كلها أمور تسبب الإنهاك الشديد" خاصة مع استمرار متابعتها للتفاعل مع المواد التي تنشرها.
عندما يومض "مركز المكافآت"!
لكن لماذا تحظى منصة انستاغرام بكل هذا الاهتمام من جانب المستخدمين؟ ما الذي يحدث في أدمغتنا عندما نستخدم هذه المنصة؟
يقول دار مشي، عالم الأعصاب في جامعة ولاية ميشيغان: "إن البشر كائنات اجتماعية وأنه منذ قديم الأزل يفضل الإنسان العيش وسط مجموعة من البشر، وفي العصر الحالي يمكننا التواصل مع مئات أو آلاف الأشخاص على مدار الساعة، دون أن يكون علينا النهوض من أماكننا".
ولا يرغب البروفيسور ميشي أن يصف استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بأن لها تأثير الإدمان فهو يرى أن "الكلمة أكبر وأقوى بكثير من أن تستخدم لوصف هذه الحالة"، مضيفاً أنه "لم يكن هناك من حرموا من حضانة أطفالهم بسبب الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي حدث مع مدمني الهيروين"، بحسب ما أوضح عالم الأعصاب.
لكنه يستشهد بالدراسات والحالات التي كان فيها بعض الأشخاص يحصلون على قسط أقل من النوم أو يحصلون على درجات سيئة أو حتى يفقدون وظائفهم لأنهم لم يتمكنوا من الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم لفترة طويلة نسبياً.
ووجد عالم الأعصاب أن الأشخاص الذين هم عرضة للخطر بدرجة أكبر هم أولئك المحتمل أن يكونوا عرضة لإدمان المخدرات وأولئك الأكثر عرضة لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي.
المستخدم الإيجابي والمستخدم السلبي!
في دراستين أخريين، اكتشف الباحثون أن المستخدمين الذين كانوا أكثر نشاطًا في الواقع قاموا بنشر المزيد من المحتوى وحصلوا على إعجابات أكثر وهؤلاء كانوا أفضل حالًا بشكل عام من المستخدمين السلبيين الذين يكتفون بالمشاهدة فقط.
ويعتقد الباحثون أن هؤلاء المستخدمين السلبيين يقارنون حياتهم الحقيقية بشكل مستمر ومتواصل مع حياة الآخرين التي تصور بشكل رائع على مواقع التواصل، كما أنهم لا يحصلون على أي إعجاب لأنهم لم يقوموا بنشر أي شيء ما يجعلهم يشعرون بنوع من الحزن.
وأشار الباحثون إلى أنه من الممكن أيضاً أن يكون من يعانون من مزاج سيئ بشكل عام هم الأشخاص الذين يقومون بإرسال ونشر محتوى بدرجة أقل على شبكات التواصل الاجتماعي.
أسطورة الدوبامين
الدوبامين هو موصل عصبي في الدماغ يرتبط غالبًا بوسائل التواصل الاجتماعي. وأظهرت التجارب أن أحد طرق انتاج وتوزيع الدوبامين في المخ هي توقع المشخص أن يحصل على قدر من المال وبهذه الكيفية فسر الباحثون سبب استمرار الشخص في التمسك بآلة القمار، وهو أيضاً ما يشبه سبب استمرار البعض في النظر إلى تطبيق ما على الهاتف المحمول، بحسب ما قال العلماء.
وقال البروفيسور ميشي خبير الأعصاب إنه لا يمكن التأكيد على أن إنتاج الدوبامين مرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يشك في أن انتظار أو توقع تفعيل "مركز المكافآت" بالمخ يجعل وسائل التواصل الاجتماعي شديدة الجاذبية للشخص.
وبحسب العلماء، فإنه لا يتم تنشيط مركز المكافآت في أدمغتنا عندما نحصل على إعجابات بمنشوراتنا فقط، بل إنها تنشط أيضاً عندما نقوم بالإعجاب بصور الآخرين، أو عند إشباع فضولنا بتتبع ما يفعله أصدقاؤنا.
إيليزا ميباخ/ عماد حسن