كيف تتأثر كرة القدم الألمانية بالحرب بين إسرائيل وحماس؟
٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣اسم الشارع المؤدي إلى استاد "ميوا أرينا"، ملعب نادي ماينز، الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم، يلخص درساً تاريخياً في حد ذاته. فهذا الشارع يحمل اسم "أويغن سالومون"، أحد مؤسسي نادي ماينز عام 1905، والذي كان أول رئيس له، رغم أنه لم يتجاوز 17 عاما حينها.
وكان سالومون المولود عام 1888 يهوديا أيضا، لذلك تم تجريده من مهامه في النادي من طرف النازيين عام 1933 قبل أن يفر مع عائلته إلى فرنسا. لكن مع ذلك لم ينج هناك، إذ تم ترحيله في نهاية المطاف إلى معسكر أوشفيتز وقُتل في نوفمبر/ تشرين الثاني 1942.
ذكر القصة أمر مهم لفهم لماذا قام نادي ماينز باتخاذ قرار بتوقيف لاعبه أنور الغازي، هولندي من أصول مغربية، إثر منشور على إنستغرام حول الصراع الحالي في الشرق الأوسط.
اللاعب البالغ من العمر 28 سنة الذي انضم للنادي صيف هذا العام، عبّر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، إثر مقتل أكثر من خمسة آلاف، عدد منهم أطفال، في الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وخلّف أكثر من 1400 قتيل.
لكن الغازي كتب كذلك في منشوره: "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر". هذه الجملة يراها عدد من الخبراء القانونيين في ألمانيا كموافقة على جريمة بموجب الفقرة 140 من قانون العقوبات الألماني، ويمكن تفسيرها على أنها تطلب أن تكون المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط خالية من الدولة اليهودية إسرائيل، وهو تفسير تعترض عليه عدد من المجموعات الفلسطينية.
لم يتوقف الأمر هنا. في برلين، وبعد أن تم ترديدها في عدة مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في العاصمة الألمانية، بدأ الادعاء العام تحقيقًا في العبارة باعتبارها "خطاب كراهية" محتمل، بموجب الفقرة 130 من قانون العقوبات. كما أن المستشار الألماني، وخلاله زيارته للدولة العبرية، قال إن إسرائيل مصلحة وطنية لألمانيا، مشيراً إلى مسؤولية ألمانيا عن مقتل أكثر من ستة ملايين يهودي في الهولوكوست.
واحد من هؤلاء اليهود هو أويغن سالومون. نادي ماينز، قال إنه "يحترم وجهات النظر المختلفة في الصراع المعقد المستمر منذ عقد من الزمن في الشرق الأوسط"، لكن موقف الغازي بشأن هذا الموضوع "لا يتوافق مع قيم نادينا".
ماينز: دعم لقرار النادي
رغم الأزمة الحالية للفريق في الدوري الألماني، حيث أخفق في تحقيق الفوز في آخر 12 مباراة لعبها في البوندسليغا منذ الموسم الماضي، وهو حاليا في قعر الدوري، إلّا أن هناك دعماً واسع النطاق لقرار نادي مايننز المتعلق بأنور الغازي. المدرب الدنماركي بو سفينسون صرح: "الأمر ليس مثاليا، لأننا وقعنا تحديداً مع الغازي في الصيف، لكن بدوري أؤيد القرار.. أعتقد أننا فعلنا الشيء الصحيح".
لكن على موقع إكس (تويتر سابقاً)، حيث نشر النادي خبر فسخ عقده مع الغازي، جذب المنشور أكثر من 9400 رد، معظمهما مؤيدة للفلسطييين، مع ما يبدو عدم وجود تشجيع مسبق من جلّ هؤلاء المعلقين للنادي الذي قام بوقف خاصية الرد، بينما لا يمكن الوصول حالياً لحسابه على إنستغرام.
مارا فايفر، صحفية وكاتبة تقيم في ماينز، غطت أخبارالنادي لسنوات تقول: "من الصعب الحكم على التعليقات التي يتم نشرها عبر الإنترنت لأنها تأتي من أشخاص، غير واضح علاقتهم بنادي ماينز". وتضيف: "في كثير من الأحيان، نلاحظ وجود اختلاف صارخ بين آراء المشجعين وهم في منازلهم، وبين الذين يوجدون في الملعب".
هذا تحديدا ما سمعته DW خارج ملعب "ميوا أرينا" في عدد من المحادثات يوم السبت الماضي، إذ كان هناك دعم بالإجماع لقرار النادي، وأشار العديد من المشجعين، دون سياق لذلك، إلى مؤسس النادي سالومون. تقول مارغيت، وهي مشجعة للنادي، تتحدث وهي في شارع سولومون: "حرية التعبير مهمة، ولكن ليس عندما تكون معادية للسامية".
وتضيف: "لذلك عندما أسمع هذه العبارة، "من النهر إلى البحر"، فهذا يعني أن كل شيء بينهما لا ينبغي أن يكون هناك. ولا أستطيع أن أؤيد ذلك". " أندرياس، مشجع آخر، يوافق مارغيت الرأي، ويقول: "لقد كان قراراً مهماً، خصوصاً للسياق التاريخي، فأحد مؤسسي نادينا كان يهوديا من ماينز، وقد قُتل. لذلك لا يمكنني تحمل هذه العبارة".
داخل الملعب، تم الوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا الصراع، ورفعت الألتراس المتعصبة للنادي لافتات تعبر عن "التضامن مع جميع ضحايا الإسلاموية ومعاداة السامية"، كما أدانت "الإرهاب المعادي للسامية الذي تمارسه حماس"، وطالبت كذلك بـ "السلام لسكان غزة".
وتوضح فايفر: "لطالما اتخذ المشجعون النشطون في ماينز مواقف مؤيدة للسلام بشأن مثل هذه القضايا، ومن وجهة نظري، هم يدركون الفروق الدقيقة في هذا الموضوع". وتستطرد: "هذا يعني عدم الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك، بل الوقوف إلى جانب السلام والمدنيين وأولئك الذين يعارضون الحرب. هذا الفارق البسيط لا يتم التسليم به دائماً بسهولة".
ماذا عن موقف بايرن من مزراوي؟
في القضية التي أثارت اهتماما واسعاً، امتنع بايرن ميونيخ عن اتخاذ أي إجراءات ضد المدافع المغربي نصير مزراوي بعد أن نشر رسالة مؤيدة للفلسطينيين على موقع إنستغرام. وقال النادي بعد محادثة مع اللاعب إن بايرن "يدين هجوم حماس على إسرائيل".
وقال النادي إن مزراوي: "أكد لنا بمصداقية أنه كشخص محب للسلام، يرفض بحزم الإرهاب والحرب ولم يقصد أبداً التسبب في أي إزعاج بمنشوراته"، وأنه "يدين الإرهاب والمنظمات الإرهابية".
لكن بالنسبة لألون ماير، رئيس مكابي دويتشلاند، المنظمة الجامعة للأندية الرياضية اليهودية في ألمانيا والتي تضم أكثر من 6500 عضو، فإن رد مزراوي لم يكن مرضياً، وصّرح لقناة ZDF Sportstudio "لم يتم ذكر المذبحة ولو مرة واحدة.. ولا يوجد تعبير واحد عن العزاء، ولا يوجد ذكر واحد لدولة إسرائيل - ربما لأنه لا يعترف بها-، ولا كلمة اعتذار واحدة، ولا إدانة لحماس. ماذا يعني ذلك؟".
في السنوات الأخيرة تبنت العديد من أندية الدوري الألماني التعريف العملي لمعاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA)، بما في ذلك بايرن ميونيخ الذي عمل على تعزيز إرث كورت لانداور، الرئيس اليهودي الأسبق للنادي الذي فرّ من النازيين في الثلاثينيات.
"لقد قام بايرن بالكثير من العمل الجيد وعمل بشكل وثيق مع الجالية اليهودية ودولة إسرائيل، ولكن ما الفائدة إذا نشر لاعبوه النخبة أشياء مثل هذه؟" يقول ماير.
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا رأى بدوره أن تصريحات مزراوي ليست مرضية، لكنه وصف قرار نادي بايرن ميونيخ بأنه "مناسب نظراً للموقف الواضح الذي أظهره النادي دائما". ومن أسباب الجدل في هذا الموضوع، أن أحد زملاء مزراوي، هو حارس المرمى الاحتياطي دانييل بيريتس، وهو اللاعب الإسرائيلي الوحيد في الدوري الألماني "بوندسليغا".
وفي مقطع فيديو على إنستغرام الأسبوع الماضي، دعا اللاعب الإسرائيلي"جميع الرياضيين والمنظمات الرياضية" إلى الوقوف معاً لأجل محاربة الشر"، كما ظهر متأثرا بشكل واضح في لحظة دقيقة الصمت، في مباراة بايرن ضد نادي ماينز.
ولم يصدر أي بيان حتى الآن من مشجعي بايرن ميونيخ الذين اتخذوا موقفاً واضحاً ضد معاداة السامية وعبروا عن اعتزازهم بالتراث اليهودي لناديهم. لكن قد يتغير ذلك عندما يلعب بايرن على أرضه مع نادي دارمشتات يوم السبت المقبل.
دروس من التاريخ
وفي أماكن أخرى من ألمانيا، قام مشجعو فريق فرايبورغ بإبراز هجوم بزجاجة مولوتوف على كنيس يهودي في برلين، وكذلك حالات تلويث بطلاء نجمة داود على منازل يهودية، ورفعوا لافتة كُتب عليها: "لن يحدث ذلك مرة أخرى الآن. ضد جميع أشكال معاداة السامية".
السبب وراء هذا الموقف، هي الحساسية الكبيرة التي تظهر بها ألمانيا عندما يتعلق الأمر باحتمال انزلاق بعض أشكال الدعم للقضية الفلسطينية إلى معاداة السامية بشكل عام.
مات فورد/م.دا سيلفا/ف.تامسوت/ ع.ا/ ع.غ