كيف تؤثر القرارات السياسية على طرق الهجرة إلى أوروبا
١٦ سبتمبر ٢٠١٧لا يبدو أن موجة البؤس الإنساني التي تدفع كثيرين إلى الهروب إلى الشمال إلى أوروبا، ستعرف طريق النهاية أبدا، فالآلاف من الناس، الذين يفرون من الحرب أو الاضطهاد أو الفقر في بلدانهم الأصلية، ينتهي بهم المطاف معرضون للإساءة والتعذيب والاغتصاب في طريقهم إلى الجنة الموعودة في أوروبا ، فضلاُ عن معدل الوفيات المقلق في البحر الأبيض المتوسط. ومما لا شك فيه أن الجميع يتفقون على ضرورة معالجة هذه الحالة.
كانت الجولة الأخيرة من المحادثات التي أجريت في قمة باريس المصغرة حول الهجرة، هي المحاولة الأخيرة لإيجاد وسيلة لوقف تدفق اللاجئين المستمر للقيام بالرحلات الخطيرة، التي غالباً ما تكون قاتلة، بحثاً عن مستقبل أفضل في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن إغلاق مسار إلى أوروبا، يؤدي إلى اختيار طريق آخر مختلف. ويعتبر الوضع في طريق شرق البحر المتوسط ووسطه مثالا رئيسيا.
طريق شرق المتوسط
في آذار / مارس 2016، عقد الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي توجب على اليونان بموجبه إعادة طالبي اللجوء والمهاجرين، الذين يصلون بأعداد هائلة إلى تركيا. كذلك، تم الاتفاق على مخطط (واحد مقابل واحد)، أي أن كل مواطن سوري أعيد إلى تركيا، سيتم إعادة توطين سوري آخر في الاتحاد الأوروبي بالمقابل. كذلك، أغلقت دول البلقان، بما في ذلك مقدونيا والمجر وبلغاريا، حدودها ورفضت السماح للاجئين بالمرور عبر طريقهم إلى شمال أوروبا.
وبعد عام، أشادت المفوضية الأوروبية بنجاح الاتفاقية. وقال البيان: "إن نتائج الاتفاق الأوروبي التركي كانت فورية". وانخفض عدد الأشخاص الذين يسافرون في طريق غرب البلقان سيء السمعة، من 10 آلاف في اليوم الواحد، في تشرين الأول / أكتوبر2015 ، إلى 43 شخصا في اليوم بحلول آذار/ مارس 2017. وبعبارة أخرى، أغلق الطريق على نحو فعال.
ويوجد في تركيا في الوقت الحالي نحو 3.4 مليون لاجئ، أي أكثر من أي بلد آخر. لكن تركيا ترفض تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين على غير الأوروبيين، مما يعني أن الناس قد تركوا لتتقطع بهم السبل، ومعظمهم في ظروف فظيعة، وغير قادرين على ممارسة حق اللجوء. وفي إطار خطة إعادة التوطين، أعيد توطين نحو 4 آلاف لاجئ سوري فقط في الاتحاد الأوروبي، وذلك في مطلع شهر آذار/ مارس 2017. ومن الواضح، أن إغلاق طريق شرق البحر الأبيض المتوسط، يعني أن الناس قد اختاروا طرقات أخرى، لاسيما طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، الذي لا يقل خطورة عن الآخر. وفيما يتعلق بذلك، شهدت إيطاليا زيادة كبيرة في عدد الوافدين إليها، فضلاً عن عدد الوفيات الذين حاولوا الوصول إلى الشواطئ الإيطالية عبر طرقات الموت.
طريق وسط البحر المتوسط
نشرت الوسائل الإعلامية حوادث غرق جماعية رهيبة بين ليبيا وإيطاليا، ووصفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2016، بأنه العام الأكثر دموية حتى الآن بالنسبة للاجئين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، حيث قتل أكثر من 3 آلاف شخص وفقد آخرون. لكن وفقا لتقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية بعنوان "عاصفة مثالية"، من المرجح أن يشهد عام 2017 زيادة بعدد الوفيات، إذ بلغت أعداد القتلى أو المفقودين لهذا العام أكثر من ألفي شخص. ومن جهتها أعلنت إيطاليا أنها لم تعد قادرة على تحمل عبء استقبال معظم اللاجئين إلى أوروبا، وقدمت "مدونة قواعد سلوكية" للمنظمات غير الحكومية المعنية بإنقاذ طالبي اللجوء. وقد رفضت العديد من الجمعيات الخيرية، مثل أطباء بلا حدود، التوقيع على هذه المدونة المثيرة للجدل. وهم يعارضون الادعاء بأن بعثات الإنقاذ تعمل بمثابة "عامل جذب" للأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.
وناقشت القمة الأخيرة في باريس إقامة مراكز للاجئين في ليبيا يدعهما الاتحاد الأوروبي من أجل إبقاء الفارين في إفريقيا، ودراسة طلباتهم وإعادة إرسالهم في نهاية المطاف إلى البلدان التي فروا منها. وتقوم الخطة على ضخ التمويل إلى بلدان جنوب الصحراء الكبرى، التي تعاني من الفقر من أجل خلق فرص العمل، كمحاولة لوضع حد للاتجار بالبشر الذي يشتعل في جميع أنحاء شمال إفريقيا. وقال غوسيب لوبريت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في النيجر، إن عدد الذين يموتون في الصحراء، قد يكون أكبر منه في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الظروف القاسية في المنطقة تجعل معرفة العدد الدقيق أمراً مستحيلاً.
خيارات جديدة
قد يكون الانخفاض المفاجئ في عدد اللاجئين الذين يعبرون من ليبيا إلى إيطاليا في شهري يوليو / تموز، وأغسطس / آب 2017 انعكاسا للجهود المختلفة لإغلاق طريق وسط البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، يظهر تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن عدد الوافدين إلى إسبانيا قد ارتفع في النصف الأول من عام 2017 إلى 9500، مقارنة مع حوالي 5 آلاف للفترة نفسها من عام 2016، وهذا ما يثير قلق السلطات الإسبانية، فقد يعني ذلك إحياء طريق غرب البحر الأبيض المتوسط.
بالإضافة إلى بعض التوقعات بأن الطريق الجديد إلى أوروبا عبر البحر الأسود قد فتح، حيث أفادت السلطات الرومانية في آب / أغسطس أنها قد اعترضت قاربي صيد، كانا يقلان طالبي اللجوء القادمين من تركيا، الذين كانوا يحاولون تجاوز الشروط التي حددها الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.