كيف يؤثر التحرك التركي في سوريا على الاتحاد الأوروبي؟
١١ أكتوبر ٢٠١٩تخضع العلاقات التركية الأوروبية، ولاسيما الألمانية – التركية، إلى اختبارات جديدة، مع بدء العملية العسكرية التركية في سوريا ضد "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أميركيا، والتي خلقت موجة احتجاجات، ومخاوف أغرقت الساحة السياسية الأوروبية، ووضعتها في موقف محرج.
ورغم تحذيرات من شركائه في حلف الناتو، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن، في وقت سابق عبر منبر الأمم المتحدة، عن توجهه لبدء عملية عسكرية في الشمال السوري، بدعوى "إقامة منطقة آمنة".
مخاوف من إعادة إحياء تنظيم "داعش"
شكلت قوات سورية الديموقراطية (قسد)، والتي يغلب عليها العنصر الكردي، تحالفاً قوياً للدول الغربية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وبهذا فقد أعربت فرنسا على لسان رئيسها مانويل ماكرون، عن تخوفاتها من زعزعة استقرار المنطقة، والذي قد يؤدي إلى ظهور التنظيم الإرهابي مرة أخرى.
وتطرقت وسائل إعلام أوروبية وعربية إلى أن الهجوم التركي قد يمنح "داعش" فرصة العودة من جديد. المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية، مصطفى بالي، حذر من أن الصمت الأوروبي سيؤدي إلى زحف مقاتلي داعش إلى أوروبا.
ولم تخفِ أوروبا قلقها من تطور الأحداث، ودورها في فتح بؤرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية مرة أخرى، لاسيما أن الآلاف من المقاتلين وأقاربهم محتجزين لدى قسد؛ إذ يبقى مصير 12 ألف مقاتل، بينهم 100 ألماني، غير واضح. في أثناء ذلك أعلنت تركيا عزمها إرسال هؤلاء المعتقلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، مما قد يشكل خطراً أمنياً داخلياً في الاتحاد الأوروبي.
وقد علق المحلل السياسي، بلال الشوبكي، لـDW عربية بالقول إن عملية "نبع السلام" لها أن "تتيح للتيارات الإرهابية إعادة بناء نفسها مرة أخرى، بيد أن إعطاء فرصة لهذه التنظيمات للبروز على الساحة مرة أخرى لا يشكل هدفاً تركياً"، مضيفاً أن "أي عملية عنف في نهاية المطاف ستعطي فرصة للمتطرفين من كافة الأطراف للنمو، وخاصة أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية حسم هذه المعركة بعد".
لكن الصحفي المختص بالشأن الأمريكي، طلال الجعبري، يجد أن العملية العسكرية الحالية، والتي وصفها بـ "المحدودة"، ليس لها أن تساهم حالياً في إعادة ظهور تنظيم الدولة من جديد.
موجة لاجئين جدد .. "ألمانيا هي الخاسر الأكبر"
جاء رد الفعل الدولي الأول من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، معرباً عن مخاوفه من ظهور كارثة إنسانية أخرى، قد تساهم في موجة نزوح جديدة. واليوم أعلنت الأمم المتحدة عن فرار 100 ألف شخص من مناطق المعارك في شمال شرق سوريا.
وتتأرجح التوقعات ما بين أن يذهب اللاجئون إلى شمال العراق أو إلى أوروبا، إن قامت تركيا بالسيطرة على المنطقة بشكل دائم.
وتتوجه الأنظار حالياً إلى اتفاقية اللاجئين عام 2016 ما بين تركيا وأوروبا، وإن كانت ستشكل بر أمان للاتحاد الأوروبي. وقد وصف الشوبكي التخوفات الأوروبية بـ"سياسية وأمنية ومالية"، خاصة أن الاتفاقية تجبر أوروبا على دفع 6 مليارات يورو لتركيا، باعتبارها "ورقة ابتزاز" مالية، مقابل منع تدفق اللاجئين نحو أوروبا.
في هذا السياق يرى الجعبري أن التدفق الجديد للاجئين هو" أمر محتوم ولكنه محدود"، مؤكداً أن التدفق سيكون "قفزة صغيرة" وليس تدفقاً حقيقاً كما السابق. مشيراً إلى أن ألمانيا هي "الخاسر الأكبر"، وسط سيطرة فرنسا على مجلس الأمن، وانشغال بريطانيا في قضاياها الداخلية.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي ربيع الحافظ في حديث لـDW عربية أن التخوفات الأوروبية ليست حقيقية وأنها "مسيسة". إذ إن نجاح العملية التركية الحالية سيعمل على حل إشكالية اللاجئين بالنسبة إلى تركيا وأوروبا على حدٍ سواء.
موجة اللاجئين المتوقعة، جعلت ردود الأفعال في ألمانيا أكثر حدة. خاصة بعد ما جرى في 2015، ما أدى إلى صعود اليمين المتطرف في ألمانيا وفي العديد من الدول الأوروبية. ويصف الشوبكي هذه التوجهات بسياسة أوروبية تدير المعركة بطريقة "سيئة" جداً، وتغذي الخطاب اليميني المتطرف. ويرى أن هذه الأحزاب تمارس "تضخيماً" لأثر عملية اللجوء على الاستقرار والهوية الأوروبية.
نائب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي في البوندستاغ، يوهان فيدفول، انتقد الموقف الأوروبي والألماني، ورأى ضرورة مساعدة تركيا للتغلب على أزمة اللاجئين، وتقديم دعم مالي مدروس لها.
كما أشار سياسيون آخرون في الائتلاف الحاكم إلى تخوفات من تدهور العلاقات الألمانية مع تركيا، وتعزيز العزلة السياسية بين الطرفين. وعبر خبير السياسية الخارجية في الحزب الاشتراكي، نيلز شميد، في حوار مع صحيفة هاندلسبلات عن تفهمه للمخاوف التركية.
وقد رأى الجعبري في هذا أن العملية العسكرية لن تؤثر حقاً على العلاقات بين دول الاتحاد وتركيا، إذ أن "أوروبا خسرت أداة الضغط السابقة"، وهي رغبة تركيا بالانضمام إلى الاتحاد، وعليه فإن الاعتراض الأوروبي على العملية سيكون على المدى القصير فقط.
تعبئة تركية وكردية في الاتحاد الأوروبي
تشكل الجالية التركية في ألمانيا أكبر تجمع للأتراك في الخارج، والمؤيدة بأغلبيتها لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وبهذا فإن هناك مخاوف من تأثير المشاعر الوطنية لنحو ثلاثة ملايين تركي في البلاد على الاستقرار السياسي الحالي وإثارة الزعزعة الاجتماعية في ألمانيا.
خاصة بعد خروج مظاهرات لمهاجرين ولاجئين أكراد في مدن ألمانية مختلفة للمطالبة بوقف العملية العسكرية. وقد عبر محللون ألمان عن مخاوف من قيام حزب العمال الكردستاني المحظور في ألمانيا بتعبئة مناصريه من أجل الضغط على السياسيين في الاتحاد الأوروبي لتوفير الحماية للأكراد في سوريا.
إلا أن الشوبكي يجد أن هذه التخوفات غير حقيقية، لأن القوة الكردية داخل الاتحاد ليست بالقوة الكافية لتتمكن من تحقيق زعزعة أمنية داخلية، مشيراً إلى أن أوروبا لن تسمح لأردوغان بتصدير أزمته السياسية الداخلية إلى الخارج، وفي هذا اتفق الجعبري بأن المظاهرات والاحتجاجات داخل أوروبا وألمانيا ستكون محدودة.
هذه التخوفات تضع ألمانيا خاصة والاتحاد الأوروبي أمام اختبارات جدية، إذ يرى الشوبكي أن أوروبا أمام خيارين، إما بخلق جبهة دولية مناوئة لتركيا بهدف جعل العملية في شمال سوريا محدودة جداً، مضيفاً أن أوروبا بدأت بهذه الخطوات من خلال تحركها في مجلس الأمن. أو أن يعمل الاتحاد الأوروبي على مساومة تركيا مالياً، بتنفيذ التزاماتها تجاه أنقرة، واستغلال تدهور الليرة التركية.
مرام سالم/جهاد الشبيني