كيف أججت قضية خاشقجي الحرب الإعلامية بين السعودية وقطر
٢١ نوفمبر ٢٠١٨منذ أسابيع وقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول تتصدر عناوين الصحف العالمية والعربية. الكثير من هذه العناوين تكون إما متعلقة بتفاصيل جديدة حول القضية، تنشرها في البداية الصحف التركية القريبة من الحكومة على جرعات كالقطارة لتأخذ منها وسائل الإعلام القطرية جرعة زائدة لنشراتها الإخبارية، أو تدور حول ردود الفعل على الجريمة التي قدمت السعودية حولها معلومات متضاربة في البداية، لتعترف في النهاية بمقتل خاشقجي. وقد تبنى الإعلام الممول من السعودية الأشكال المختلفة من الرواية بكل تناقضاتها.
"لا حرية تعبير تحت الأنظمة السلطوية"
ويرى زيباستيان زونس، الخبير في الشؤون السعودية في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، أن "حرب البروباغندا الساخنة" بين السعودية وحلفائها من طرف، وقطر وحلفائها من طرف آخر حول قضية خاشقجي ليست سوى استمرار لما جرى في الشهور التي سبقتها، في إشارة إلى الحملات التي يشنها الطرفان على بعضهما البعض منذ حملة مقاطعة قطر من قبل السعودية وحلفائها في حزيران/يونيو عام 2017 . ويضيف زونس لـDW: "قضية خاشقجي ليست استثناء رغم أن لها خصوصية".
من جانبه يؤكّد خبير شؤون الشرق الأوسط غونتر ماير إنه "لا توجد حرية للتعبير تحت الأنظمة السلطوية"، ويضيف الخبير الألماني لـDW: "غياب حرية التعبير (في غالبية وسائل الإعلام العربية) له علاقة بوجود أنظمة شمولية جداً في كل من السعودية وقطر ونظام أقل شمولية نسبياً في تركيا".
روايات وتفسيرات مختلفة لنفس الخبر
وكمثال على الاختلاف أو التناقض بين روايات وسائل الإعلام التابعة لكل من طرفي "حرب البروباغندا" هذه، نأخذ بيان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أكد فيه على تمسكه بالسعودية، رغم عدم استبعاده أن بن سلمان كان على علم بخطة قتل خاشقجي.
وتكفي قراءة الأخبار عن بيان ترامب على كل من موقعي، العربية السعودية، والجزيرة القطرية، لمعرفة مدى تركيز كل من القناتين – ومثيلاتهما - على التفاصيل التي تصب في مصلحة أجندات السلطات التي تمولها، مع إهمال أو التغاضي عن تفاصيل أخرى قد لا تكون أقل أهمية منها.
فقناة العربية السعودية لم تذكر أحد أهم النقاط التي جاءت في بيان ترامب وهي أن "هناك احتمال كبير أن يكون ولي العهد على علم بهذا الحادث"، بل اكتفت بالجملة التي جاءت بعدها وهي: "ربما لن نعرف أبداً الحقائق المحيطة بجريمة قتل جمال خاشقجي".
خبران رئيسيان على موقع العربية يظهران أكثر الرسالة التي تريد إيصالها للجمهور، بما يرضي السلطات السعودية. أحدهما بعنوان: " ترمب: أميركا تعتزم أن تظل شريكاً راسخاً للسعودية"، والآخر: "ترمب: لن أدمر الاقتصاد العالمي بالتشدد تجاه السعودية".
هذا البيان نفسه، فسرته قناة الجزيرة القطرية على أنه "إشارة جلية إلى أن هذه العلاقات الاستراتيجية (بين أمريكا والسعودية) لا تعتمد على بقاء شخص ما بسدة الحكم في الرياض أو حتى في واشنطن"، وأضافت: "كما يعني أيضاً أن حدوث عملية تغيير داخل بيت الحكم السعودي لن يتبعه توتر أو اهتزاز بالعلاقات الإستراتيجية بين الدولتين".
"في الإعلام السعودي السلطة هي الضحية"
وجاء في موقع "شبيغل أونلاين" الألماني تحليل عن تغطية الإعلام السعودي لقضية خاشقجي، ومما جاء فيه: "من يتابع الإعلام السعودي يتولد لديه انطباع أن الضحية ليس خاشقجي، بل ولي العهد محمد بن سلمان – (وكأنه) ضحية مؤامرة تقف وراءها إما قطر أوتركيا أوإيران أوالإخوان المسلمون أوإسرائيل أو المثليون جنسياً".
وأضاف شبيغل أونلاين: "يعلق الإعلام الخاضع للعائلة الملكية السعودية دائماً على قضية خاشقجي، بالشكل الذي يريده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
وكمثال على ذلك، سلط التقرير الضوء على تغطية صحيفة عكاظ السعودية لقضية خاشقجي منذ بدايتها في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر.
ورغم أن الصحيفة، التي تعتبر من أكثر الصحف قراءة في السعودية "ليست من الصفحات الصفراء"، بحسب شبيغل أونلاين، إلا أنها "ومنذ أن تولى محمد بن سلمان السلطة قامت بالتصعيد بشدة ضد كل المعارضين الفعليين والمفترضين لولي العهد السعودي"، وفقاً لما ذكره موقع شبيغل. وأضاف الموقع: "كلما طالت قضية خاشقجي فإن المعلقين في عكاظ يصعّدون من خطابهم حول المؤامرة".
تناقضات ونظرية مؤامرة
وسلط موقع شبيغل أونلاين الضوء على العديد من التعليقات المكتوبة في عكاظ حول تبنيها لخطاب المؤامرة، وعلى سبيل المثال كتب حسين شبكشي، عضو مجلس إدارة مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر في تعليق على قضية خاشقجي بعنوان: "اغتيال مواطن.. واغتيال وطن!" قال فيه: "نعم السعودية مستهدفة، وهذا لم يعد سراً (...) نظام الانقلاب في قطر تحالف مع إسرائيل وإيران والإخوان المسلمين على إسقاط السعودية وتقسيمها".
وذكر الموقع مثالاً آخر عن التعليقات في الصحيفة ، مشيراً إلى كيفية تغيير الإعلام المحسوب على السعودية خطابه مع تطور قضية مقتل خاشقجي. فقبل خمسة أيام من إعلان السعودية أن خاشقجي قتل، كتب هاني الظاهري في الصحيفة: "اقترب إسدال الستائر على مسرحية اختفاء المواطن جمال خاشقجي في تركيا، وهي للحق ليست سوى مسرحية كوميدية تحولت لحدث عالمي (...) من خلال الفبركات الكرتونية والمسرحيات العابرة للقارات".
لكن ومع إعلان السعودية أن خاشقجي مقتل في القنصلية، أشاد الكاتب نفسه بـ"دولة القانون في السعودية" وكتب يقول: "بإعلان النائب العام عن ملابسات وفاة المواطن السعودي جمال خاشقجي، أثبتت المملكة العربية السعودية للعالم أجمع أنها دولة عدل وقانون، ودولة مؤسسات لا يضيع فيها حق أحد".
محيي الدين حسين