كوميديا مُرة ـ اللبنانيون يواجهون الأزمة بالدعابة والتضامن
٣٠ يوليو ٢٠٢٠لا زال الوضع الاقتصادي في لبنان يشهد تدوراً متزايداً، حيث اقترب معدل البطالة من 50 في المائة. منذ شهر مارس/ آذار يعتبر هذا البلد قادر على الدفع (مفلساً)، مع استمرار انخفاض قيمة العملة. في الخريف الماضي عند وصل سعر الربط الرسمي لليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي عند معدل1500.1وفي السوق السوداء عند سعر10.000 ليرة لكل دولار. وفق تقديرات جهات مختلفة، فقد ارتفعت الأسعار الأساسية للأغذية في لبنان من ضعفين إلى أربعة أضعاف ويعاني أكثر من نصف سكان لبنان من الفقر في الوقت الحالي.
وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة بل وبسببها، يواصل الكثير من اللبنانيين النزول إلى الشوارع للاحتجاج. فيما اختار بعض المحتجين السخرية كوسيلة للتعبيرعن استياءهم، كما فعل متظاهرون مؤخراً، إذ أقاموا مراسيم تشييع رمزية للليرة اللبنانية، بسبب تراجع قيمتها مقابل ارتفاع سعر الدولار.
في مقابلة له مع DW وضح حسين ياسين من موقع "The961" اللبناني خلفية لجوء المواطنين اللبنانيين إلى السخرية من الوضع الاقتصادي المتأزم، وقال: "عندما يضحك الناس على شيء ما هنا، فذلك راجع في الغالب إلى أنهم لا يستطيعون تغيير أي شيء في الواقع". وتابع حديثه "إنها ببساطة طريقة للتعامل مع الوضع".
طبق الحمص ضد ماكرون
لطالما كانت الكوميديا السوداء علامة على قوة التحمل والمقاومة في بلد تختفي فيه المواد الغذائية والوقود والأدوية من السوق في الوقت الحالي، لأن العملة الأجنبية اللازمة لاستيرادها لم تعد متاحة. عندما زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بيروت الأسبوع الماضي بهدف بحث الإصلاحات المحتملة التي من شأنها إنقاد اقتصاد البلاد، لكن باءت باءت بالفشل. ما دفع بمراقبين لبنانيين للسخرية من حكومتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وقالوا بأن الحكومة اللبنانية ستضطر إلى تهديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ "غزو" طبق الحمص الشعبي اللبناني حتى تتمكن من إخراج المساعدات منه.
التضامن ضد الحاجة
لا يقتصر حس التضامن لدى اللبنانيين على مستوى الفكاهة، بل يشمل أيضاً تقديم المساعدات. فقد اضطرت المحلات التجارية في البلاد إلى تغيير أسعار السلع القليلة التي لا تزال متاحة للحد من المضاربة وجنون الشراء الهستيري للسلع. في الوقت نفسه، تم إنشاء مجموعات على الفيسبوك مثل مجموعة "لبنان يقايض". وعبر هذه المجموعات، يتبادل المواطنون السلع المنزلية مثل البطانيات والساعات والأحذية مقابل الطعام وحفاضات وأغذية الأطفال. يوجد العديد من المجموعات من هذا النوع وتشهد جميعها تقريبا اقبالا كبيرا.
نور حيدر، إحدى القائمين على المجموعة، تقول إن "نظام المقايضة" يمكن الناس من الحصول على السلع التي هم بحاجة إليها دون إجبارهم على بيع سلع بأقل من قيمتها. كما أنه يُطلب من المشاركين أيضاً تقديم سلع للبيع، وليس الاكتفاء بالشراء فقط – ومن خلال طريقة التعامل عبر الإنترنيت، يمكنهم حفظ كرامتهم.
يذهب التضامن إلى أبعد من ذلك. فنظراً لأن العديد من المستشفيات والصيدليات تسجل نقصاً في الأدوية ، فإن العديد من أعضاء المجموعة يقدمون ما لديهم من أدوية بشكل مجانًي. يقول حيدر لـ DW "يحاول الناس مساعدة بعضهم البعض". وأضافت: " روح التضامن تظهر بشكل واضح خلال هذه الأزمة".
الفقر يقود إلى الجريمة
في الوقت نفسه يظهر ارتفاع في ما يسمى بـ"جرائم الجوع" أن مواجهة الأزمة بروح الدعابة والتضامن لا يشمل الجميع. وفي هذا الصدد صرح مسؤول أمني لبناني لوكالة الأنباء الفرنسية (أف ب)، بأن الشرطة رصدت "شكلاً جديداً من السرقة، حيث تتم سرقة سلع مثل حليب الأطفال والطعام والدواء".
من جهته قال المواطن اللبناني زكريا العمر لوكالة الأنباء الفرنسية (أف ب) إن الأمر لا يكون بذلك السوء دوماً، فهناك أيضاً جناة يندمون على أفعالهم: في الأسبوع الماضي حاول رجل السرقة من أجل شراء طعام لأسرته. ولكن بعد ذلك استدار الرجل فجأة مرة أخرى، واعتذر عدة مرات وأعاد الأموال المسروقة“. وقال الرجل الذي تعرض للسرقة: "أخبرني بعد ذلك أنه فقد وظيفته ولم يعد قادراً على دفع إيجار منزله. قلت له إنني سأعفوا عنه ثم غادر. كنت خائفاً وفي الوقت نفسه، كنت حزيناً لأن هذا الرجل انهار أمامي".
"الجوع كافر"
تتزايد التقارير التي تتحدث عن الأشخاص الذين قضت عليهم الأزمة الحالية. قبل أسبوعين، أقدم رجل على إطلاق النار على نفسه وسط شارع التسوق الرئيسي في بيروت. في مكان انتحاره إلى جانب شجرة ترك الراحل علم لبنان ونسخة من سجله العدلي النظيف تماماً من أيّ حكم قضائي ضده وورقة كَتب فيها عبارة "أنا مش كافر". هذه العبارة مقتبسة من أحد الأغاني الشعبية، والتي يأتي في السطر الثاني منها: "لكن الجوع كافر". وقد استخدم الكفر هنا في صورة مجازية للتعبير عن الوضع.
وفقاً لجامعة جونز هوبكنز، فإن الحوادث المماثلة منتشرة بشكل خاص بين أولئك الذين تضرروا بشكل أكبر مما كانوا عليه في السابق بسبب وباء كورونا، حيث سجل لبنان (الثلاثاء 28 يوليو/ تموز ) أكثر من 3800 إصابة. بالفيروس الوباء ألحق الضرر بفئات مختلفة من المجتمع اللبناني، ومنهم عاملات المنازل الأجنبيات اللاتي وجدن أنفسهن في الشارع بعد أن قام أرباب العمل بألغاء عقودهن. موظفون حرموا من أجورهم، كما لا يجد كثيرون في الوقت الحالي وسيلة للوصول إلى بلدانهم الأصلية. ففي حين يلجأ البعض منهم إلى الجمعيات الخيرية لطلب المساعدة، يقضي البعض الآخر معظم الوقت أمام سفارات بلدانهم الأصلية.
هموم اللاجئين
توصل استطلاع للرأي إلى أن حوالي نصف اللبنانيين يخشون من عدم تمكنهم من الحصول على الطعام خلال أسابيع قليلة. نتائج الاستطلاح أظهرت أيضاً أن اللاجئين الذين يعيشون في البلاد هم أكثر قلقاً بشأن مستقبلهم. وبحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، فإن ثلثي الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان قلقون بشأن تأمين لقمة عيشهم، ومن بين مليون ونصف مليون لاجئ سوري يشعر حوالي 75 بالمائة بهذا القلق. وبينما يحاول العديد من اللبنانيين مغادرة البلاد، فإن معظم اللاجئين لا يملكون هذا الخيار.
في رد على سؤاله ما إن كان سيغادر البلاد ، قال الكاتب الصحفي حسين ياسين في مقابلة مع DW: "بالتأكيد سأغادر البلاد في أول فرصة". وأضاف: "نحن نعيش في وضع صعب للغاية ومن المحتمل أن يزداد الأمر سوءاً في الأشهر المقبلة. هذا يخيفني حقاً".
يؤكد ياسين على أن اللبنانيين سيحتفظون بروح الدعابة في جميع الأحوال. وفي ختام حديثه قال: "في لبنان، يجب أن لا يخلو أي حوار كان من روح الدعابة، وإلا فإنه يعتبر حوارا ناقصاً. ستجد الفكاهة وروح الداعبة، في أي أزمة يمر منها اللبنانيون".
توماس ألنسون/ إ.م