كوكب الأرض يلتهب.. تداعيات خطيرة وحلول جزئية لارتفاع الحرارة
١٩ يوليو ٢٠٢٣
تخطت درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي أرقاما قياسيا مع اشتداد موجة الحر التي تجتاح أوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان ودول عديدة في الشرق الأوسط.
ففي الصين، أفادت وسائل إعلام محلية بأن درجات الحرارة تجاوزت 52 درجة مئوية في شمال غرب البلاد فيما أصدرت السلطات اليابانية تنبيهات باحتمال حدوث ضربات شمس مع الدعوة للحماية من درجات الحرارة الحارقة.
أما في الولايات المتحدة، فبات أكثر من 80 مليون شخص تحت تأثير الحرارة الشديدة، فيما توفي عامل نظافة في إسبانيا إثر تعرضه لضربة شمس خلال عمله في الشوارع.
يشار إلى أن دراسة نشرتها مؤخرا مجلة "استدامة الطبيعة" في مايو / أيار الماضي، ذكرت أن درجات الحرارة على مستوى العالم سوف ترتفع بأكثر من 1.5 درجة مئوية على مدار الخمسين عاما القادمة. ويتم تصنيف الطقس الحار بداية من بلوغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 29 درجة مئوية.
وأضافت الدراسة أنه في حال استمرار ارتفاع درجات الحرارة على هذا المنوال، وهو سيناريو محتمل في ظل التقاعس عن حلول جذرية لظاهرة الاحتباس الحراري، فإن حوالي 3.3 مليار شخص سوف يتعين عليهم التعرض لدرجات حرارة قصوى بحلول نهاية القرن.
وكشفت الدراسة التي أجراها علماء من جامعة إكستر البريطانية وجامعة نانجينغ الصينية، عن أن 60 مليون شخص يتعرضون بالفعل لمستويات حرارة خطيرة تبلغ في المتوسط أكثر من 29 درجة مئوية.
الجدير بالذكر أن العالم يشهد في الوقت الراهن ارتفاعا فعليا في درجات الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وفي ذلك، أشار علماء إلى تزايد احتمالات حدوث موجات حر شديدة في الولايات المتحدة بمعدل ارتفاع خمس مرات في يونيو / حزيران الماضي بسبب تغير المناخ فيما كانت درجات الحرارة البالغة 40 درجة مئوية التي شهدتها المملكة المتحدة العام الماضي مستحيلة بشكل علمي من دون تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتسخين الكواكب.
وكانت موجات الحر القاسية قد أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص في أوروبا وحدها الصيف الماضي.
وإزاء ذلك، يتبادر إلى أذهان الكثيرين تساؤلات حيال المخاطر الناجمة عن موجات الحر على صحة الإنسان؟ وكيف يمكن للبلدان أن تُؤقلم سكانها على التعامل مع موجات الحر التي باتت أكثر شيوعا في الوقت الحالي؟
المخاطر الصحية؟
يمكن أن تؤدي درجات الحرارة الشديدة إلى الإصابة بعدة أمراض وقد تؤدي إلى الوفاة حيث ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الإصابة بضربات الشمس هي الأكثر شيوعا، لكن مع بلوغ درجات الحرارة مستويات قصوى، فإن أصحاب الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري قد يكونون أكثر عرضة لمخاطر صحية.
ويعد كبار السن والرضع والأطفال والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعملون في الهواء الطلق والرياضيون والفقراء الأكثر عرضة بشكل خاص لارتفاع درجات الحرارة.
وكشف دراسة مجلة "استدامة الطبيعة" أن الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بموجب اتفاقية باريس عام 2015، سيظل يعرض 400 مليون شخص لمستويات حرارة خطيرة بحلول نهاية القرن.
وسوف يتحمل سكان الهند والسودان والنيجر العبء الأكبر من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، لكن في حالة تجاوز عتبة 2.7 درجة مئوية فإن صدى التأثيرات سوف تصل بلدان عديدة مثل الفلبين وباكستان ونيجيريا.
الكلفة الاقتصادية
وكشف باحثون عن أن موجات الحر القاسية لا تشكل خطرا على صحة الإنسان بل تلقي بظلالها على الاقتصاد.
وفي مقابلة مع DW، قال الناشط في مجال المناخ أشيش غاديالي إن النمذجة التي تركز على الاقتصاد "تضع قيمة أكبر على الحياة في ولاية نيويورك مما عليه الوضع في بنغلاديش."
وأضاف ان معظم النماذج الأخرى تعطي الأولوية للسكان الحاليين على الأجيال القادمة مع عدم المساواة في ظاهرة الاحتباس الحراري حيث يتم التوزيع "عالميا وليس بين الأجيال بمعنى إنها تقدر حياتي بشكل أساسي أكثر من حياة أطفالي وبالتأكيد أكثر من حياة أحفادي".
الحلول المطروحة لمواجهة ارتفاع الحرار
وقد أظهرت دراسات سابقة أن المدن معرضة بشكل خاص لارتفاع خطير في درجات الحرارة بسبب ظاهرة تُعرف باسم "الجزر الحرارية الحضرية" حيث تمتص المباني والطرق والبُنى التحتية حرارة الشمس وتشيعها أكثر من مناطق الغابات والمناطق الريفية والمسطحات المائية.
وتؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن والمناطق الحضرية بنسبة تصل إلى 15 درجة مئوية في بعض الحالات مقارنة بالقرى والمناطق الريفية.
وفي إطار الاستعداد للطقس الحار، قامت العديد من المدن باستحداث منصب كبير مسؤولي المناطق الحارة أو "مفوضي شؤون الحر" فيما تعد كريستينا هويدوبرو واحدة من المسؤولين حيث جرى تعيينها كبيرة مسؤولي المناطق الحارة في عاصمة تشيلي سانتياغو في مارس / آذار العام الماضي.
وفي مقابلة مع DW، قالت هويدوبرو إن العديد من مدن العالم باتت "تواجه موجات حر شديدة، لكن الحلول وطريقة التعامل معها مازلت تتسم بالمحلية بشكل كبير."
وأضافت أن جميع الطرق تعتمد على نطاق واسع على استراتيجية ثلاثية الأبعاد قوامها الاستعداد والوعي والتكيف، مؤكدة على أن زيادة الوعي بمخاطر الحرارة يجب أن تكون جزء لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية.
وقالت إن "الاعتناء بالنفس في حالة الطقس شديد الحرارة يعد بالأمر البسيط إذ يتعين شرب الماء وتجنب التعرض لأشعة الشمس وأيضا الحصول على بعض الراحة".
وفيما يتعلق بتكيف المدن مع الواقع الجديد المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، يتعين خلق المزيد من المساحات والمسطحات الخضراء داخل المدن وخارجها.
وفي هذا السياق، دشنت سلطات سانتياغو مؤخرا مشروعا لإعادة التشجير بما يشمل زراعة 30 ألف شجرة في جميع أنحاء المدينة ووضع استراتيجيات لحماية الأشجار كجزء من البنية التحتية الحضرية بعاصمة تشيلي.
وفي تعليقها، قالت هويدوبرو إنه "يتم زراعة أشجار كثيرة في كل مكان من أجل جلب اللون الأخضر إلى كافة مناطق المدينة، لكن التشجير ليس بالأمر السهل كما يعتقد كثيرون إذ إننا نعمل على زرع أشجار في شوارع مزدحمة خاصة على الطرق الرئيسية بالمدينة في ظل وجود كتل أسمنت كبيرة، لذا فنحن في حاجة إلى الحفر والقيام ببعض الأعمال المدنية".
ورغم ذلك، أقرت بأن الأمر لا يوفر حلا فوريا إذ تحتاج الأشجار إلى وقت كي تنمو، مضيفة "الفكرة تتمحور بشكل رئيسي حول محاولة زرع نبات الظل الذي سنحصل عليه خلال العشرين أو الثلاثين عاما المقبلة".
طريقة أمريكية في مواجهة الطقس الحار
وتقدم مدن أمريكية دروسا عدة في كيفية مواجهة الطقس الحار في ضوء ما أفادت به دراسات عن وفاة 12 ألف شخص جراء الطقس الحار سنويا ما دفع السلطات الأمريكية إلى تعيين مفوضي شؤون الحر في ثلاث مدن هي فينيكس وميامي ولوس أنجلوس.
ففي مدينة لوس أنجلوس التي تعد الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية بما في ذلك موجات الطقس الحار، أطلقت السلطات حملة لإنشاء "مراكز المرونة" تعمل بالطاقة المتجددة لتوفير أماكن باردة و للاحتماء من أشعة الشمس في المجتمعات المعرضة للخطر.
وتضم المدينة شبكة من مراكز مبردة عامة حيث يمكن أن يلجأ اليها الناس في أوقات درجات الحرارة المرتفعة فضلا عن استحداث نظام إنذار مبكر للتنبيه من حدوث موجات الحر القاسية.
أما مدينة في فينيكس الواقعة وسط ولاية أريزونا داخل صحراء سونوران، فجرى إطلاق عدد من المشروعات مثل بناء أرصفة باردة لعكس أشعة الشمس.
وفي مدينة ميامي بولاية فلوريدا، تقوم السلطات بحملات لزراعة أشجار في المناطق الحضرية فضلا عن انفاق ملايين الدولارات على وحدات تكييف الهواء لتركيبها في المنازل مع تقديم مساعدات مالية للأسر ذات الدخل المنخفض لتحمل عبء فواتير الطاقة.
بيد أن هويدوبرو شددت على أن خيار تكييف الهواء يعد الملاذ الأخير بشكل عام نظرا لآثاره الضارة للبيئة، مضيفة أن سلطات سانتياغو تخطط لزراعة 33 غابة صغيرة يمكن استخدامها كملاجئ مع ارتفاع درجات الحرارة خاصة قرب المدارس والمرافق الصحية.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يعد البديل المناسب عن المراكز المكيفة التي يتم تطويرها في الولايات المتحدة وأوروبا، قائلة "يمكن للناس خلال موجة الحر الولوج إلى مراكز التبريد الطبيعية للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة فضلا عن إمكانية نيل قسط من الراحة وشرب المياه".
أليستير والش / م. ع