كورونا: شعبية ميركل تعود والعالم معجب بها
٢٩ أبريل ٢٠٢٠"البطة العرجاء"، مصطلح سياسي أمريكي يُطلق على السياسي الذين يقضي ولايته الأخيرة في الحكم، ولا يريد الترشح مجددا لولاية جديدة. ويُعد السياسي من هذا النوع ضعيفا وأيامه في السلطة معدودة.
منذ سنوات يضع محللون سياسيون المستشارة أنغيلا ميركل في تلك الخانة مع كل حدث يزيد موقفها السياسي ضعفاً. ومما قالوه بهذا الخصوص أن أيامها معدودة بعد النتائج الضعيفة لحزبها المسيحي الديمقراطي في انتخابات 2017، وبعد إعلانها انسحابها من رئاسة الحزب في 2018. حتى أنصارها داخل الحزب ظنوا منذ سنتين أنها ستنسحب من رئاسة الحكومة في 2019. لكن لا شيء تحقق من هذه التوقعات، وظلت صامدة على رأس السلطة مثل عربة فولكسفاغن بيتل.
تقدير دولي لأداء ميركل
تلقى المستشارة الالمانية منذ بداية أزمة كورونا احتراما على الصعيدين الألماني والعالمي لم تحصل عليه منذ سنوات. يقول اميخاي شتاين، وهو مراسل دبلوماسي ل DW لدى هيئة البث الإسرائيلي "مكان":" الوسائل الإعلامية هنا في إسرائيل تراها {ميركل} كأقوى شخصية قيادية في العالم." فبسبب كورونا يراها الإعلام كقائدة "تستطيع أن تشرح الوضع بوضوح وبطريقة مفهومة للناس".
ليس هذا رأي الإعلام الإسرائيلي فقط، بل تتفق معه وسائل إعلامية تقليدية وحديثة حول العالم. ففي نيوزيلاندا نشرت صحيفة "نيوزيلاند هارالد" في مارس/آذار موضوعاً بعنوان: "القيادة الالمانية تتألق في الأزمة رغم تراجع سلطتها". و في أفريقيا والدول العربية تتعالى الأصوات المادحة أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر.
أما في أمريكا الجنوبية فقد انتشر تعليق في صحيفة "كلارين"، وهي من أكثر الصحف قراءة في الأرجنتين، ليعبر عن رؤية الإعلام لسلوك القادة السياسيين في هذه المنطقة خلال أزمة كورونا. كتب المعلق ريكاردو روا عن ميركل، السيدة "الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفيزياء، ابنة القس اللوثري ومعلمة اللغة اللاتينية ابنة الخامسة والستين عاماً"، التي ترعرعت في ألمانيا الشرقية ومازالت حتى بعد 15 عاماً على رأس السلطة "تتصرف مثل عوام الناس". وعندما جاءت أزمة كورونا كانت ميركل من "السياسيين القلائل" الذين لم يحاولوا إنقاذ أنفسهم،بل "أمسكوا بدفة القيادة" و"تواصلت مع الأخرين بحزم مستند على حقائق علمية وهدوء تطمئن به شعبها وتواجه به الهيستيريا". وأضاف روا أنه بجانب كل الخطوات والإجراءات التي اتخذتها فإن أكثر ما تتميز به ميركل، وهو ما أطلق عليه "ميركيلينا"، هو "إرادتها وحصافتها"، فهي "تحاول حل المشكلات وليس لاستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية" بحسب ما ختم روا مقاله.
مديح على ضوء المقارنات
يظهر هذا المديح حقيقة أخرى أيضاً، وهي أن نمط قيادة ميركل في الأزمة الحالية أصبح "سلعة شحيحة" في العالم، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. فمن يقرأ مقالات الصحف والمجلات الكبرى في هاتين الدولتين يلاحظ أن مدح ميركل يصاحبه انتقاد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو للحكومة البريطانية. ففي لندن على سبيل المثال قالت أحدى مراسلاتDW إنه لا يكاد مؤتمر صحفي رسمي يخلو من سؤال الصحفيين عن سبب عدم احتذاء بريطانيا بمنهج ألمانيا في مواجهة كورونا.
هذا المديح لا يتفهمه الكثيرون في ألمانيا بعد 15 عاماً من حكم ميركل، فهم يرونه حكماً على أسلوب قيادتها خلال أزمة كورونا وليس على مسيرتها السياسية. فالحديث في ألمانيا ألان صار عن عهد ما بعد ميركل. وعندما حلت قبل عيد الفصح ذكرى مرور 20 عاماً على توليها رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، لم تذكر وسائل الإعلام المناسبة. فالسبب الوحيد الذي يراه البعض في ارتفاع شعبيتها لتصل لأعلى مستوياتها منذ 2017 في استطلاع للرأي أجرته القناة الألمانية الأولى أي آر دي/ ARD هو جائحة كورونا وطريقة إدارة ميركل للأزمة.
مديح من يمين ويسار التيارات السياسية
لكن ما سبب كل هذا التقدير الدولي لميركل؟ يقول عضو البرلمان الألماني أندرياس نيك، وهو أيضاً نائب الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في ستراسبورغ في حديث مع DW: "يرى المراقبون الدوليون وزملائنا في برلمانات الدول الأخرى طريقة إدارة ميركل واتخاذها للقرارات بطريقة أقل حدة من الكثيرين في ألمانيا الذين عاصروها لمدة 15 عاماً". ويشير نيك إلى أن الأمر مرتبط أيضاً بمقارنتهم ميركل بالقيادة السياسية في بلدانهم. فبحسب نيك توجد خصائص تتميز بها المستشارة الألمانية ويضيف: "نهج ميركل براغماتي ومحدد الهدف. فهي تحلل الأمور وتقدرها بحرص، كما أنها لا تسعى للمجد الشخصي."
أندرياس نيك عضو في حزب أنغيلا ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، لذلك قد يكون كلامه منحازاً. لكن الحقيقة أن هذا الاحترام يأتي أيضاً من خصومها السياسيين. فالسياسي المنتمي للحزب اليساري ورئيس حكومة ولاية تورينغن بودو راملو من أكثر المتعاملين مع المستشارة الالمانية في الوقت الحالي بسبب أزمة كورونا. ويقول راملو لـ DW: "المستشارة تتصرف، مثلما يتصرف رؤوساء الولايات، كمديرة لإدارة الأزمة." ويرى راملو أن سلوكها "هادئ ومحدد الهدف، مما يبعث على الاطمئنان. ونرى هذا في المحادثات عن طريق الفيديو بيننا والتي تكون منظمة ومهيكلة." وبحسب راملو يتسبب ذلك في إحساس بالراحة بالرغم من طبيعة المحادثات الجادة.
وعن انتقاد ميركل لبعض إجراءات حكومات الولايات يعلق راملو:" أقدر هذه النظرة النقدية وأستمع إليها، فنحن الآن في وقت من المهم فيه العمل معاً. "وبسبب الوضع الحالي الذي يبدو أن العالم فقد فيه السيطرة وأصبحت مسؤولية تهدئة الناس والتوصل لحلول للجائحة على عاتق القيادات السياسية يفضّل راملو بحسب كلامه على أن تكون على رأس السلطة "إمرأة عالمة وهادئة وليس رجال شعبويين مدعي الأهمية ممن يتجاهلون الحقائق عن خطورة الوضع الراهن."
ميركل بلا قناع واق
لم تظهر ميركل منذ بداية الأزمة بالقناع الواقي. فهي تظهر بوجهها وشخصيتها، وهي الشخصية التي تجمع بين ميركل السياسية وميركل العالمة. ميركل التي تتحدث عن الدلائل العلمية والاحتمالات، تهتم بمراجعة التفاصيل وتترقب المستقبل بنظرة تحليلية. هذه الصفات قد تصيب البعض بالملل أو تضايق البعض الأخر منها. في عالم بلا كورونا كانت انتخابات خليفة أنغريت كرامب كارنباورعلى رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي ستتم خلال هذه الأيام، وكان المحللون سيرجعون من جديد ليؤكدوا على أن أيام ميركل صارت معدودة بعد تولي الشخص الجديد رئاسة حزبها. لكن هذه الانتخابات تم تأجيلها لشهر ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، وستتولى ميركل في يوليو/ تموز من العام الجاري منصب رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر.
قبل عام كان الكثيرون في التحالف المسيحي الديمقراطي يشككون في تولي ميركل لهذا المنصب الدوري، وتكهنوا بانسحابها أو إبعادها عن رئاسة الحكومة الألمانية قبل حلول موعد رئاسة الاتحاد الأوروبي صيف العام الجاري. لكن اليوم ربما لن يمانع الكثيرون استمرار ميركل في الحكم لمدة أطول قليلاً.
من سيخلف ميركل؟
بالرغم من النشوة الحالية السائدة إزاء إدارة ميركل لأزمة كورونا، إلا أن الكثيرين ينظرون لما بعد الأزمة. فحتى بعض الصحف الدولية بدأت طرح التساؤلات عمن سيخلف ميركل على رأس الحكومة الألمانية. ففي أحدث عدد من جريدة "صنداي تايمز" البريطانية نُشر موضوع يظهر صورة ميركل ورئيس حكومة بافاريا ماركوس زودر بعنوان: "كايزركورونا يتقدم في سباق خلافة ميركل". ويرى مراسل DW في تل أبيب أميخاي شتاين: "السبب الآخر لهذا الاهتمام الدولي {بميركل} في أن لا أحدا يعرف من سيأتي بعدها". ويبدو أن هذا السؤال لن تظهر له إجابة قريباً.
كريستوف ستراك/ س.ح