حصن ألماني قديم يتحول لكنيسة للأقباط ومركز للاندماج
٨ ديسمبر ٢٠١٥حتى عام 2011، لم يتعدّ عدد الأقباط في ولاية نورد راين فيستفالن بضع مئات، فعدد الأسر المسجلة في كنيسة دوسلدورف للأقباط الأرثوذكس كان نحو مائة أسرة فقط، بالإضافة إلى بعض الطلبة الذين جاءوا للدراسة، كما يؤكد د. كريستيان جرجس، المتحدث باسم الكنيسة في مقابلة معDW ، لكن الأمر تغير بعد "الربيع العربي"، فأصبح عدد الأسر أكثر من ألف أسرة، معظمها من مصر بالإضافة إلى بعض الأسر السورية والعراقية والاريترية التي لجأت إلى ألمانيا.
معظم الأسر القبطية هاجرت هرباً من اضطهاد المتطرفين الإسلاميين، خاصة في قرى الصعيد. زادت موجة الفارين من مصر بشكل كبير في فترة حكم محمد مرسي، ولم ينته الأمر بعد نهاية حكمه، إذ حمّل كثير من المتشددين أقباط مصر مسئولية خروج الإخوان المسلمين من الحكم.
موجات الأقباط اللاجئين سبب لإقامة الكنيسة الجديدة
شكل هذا الأمر الكبير تحدياً كبيراً للكنيسة، التي لم يكن لديها المكان لاحتواء كل هذا العدد كما يوضح د.جرجس، وهو طبيب في إحدى مستشفيات مدينة دوسلدورف، ويعمل بشكل تطوعي في مجلس كنيسة دوسلدورف.
وبعد سنوات من البحث عن بديل للكنيسة القائمة حاليا وبعد محادثات كثيرة مع البلدية والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجيلية، قررت الكنيسة الكاثوليكية "إهداء الكنيسة القبطية كنيسة الحصن"، كما أعلن رئيس أساقفة مدينة كولونيا راينر ماريا فولكي، في حفل خاص يوم السبت (الخامس من ديسمبر/كانون الثاني 2015 ) . وقال الكاردينال فولكي في مقابلة معDW"إنه واجب هام علينا القيام به معاً. لقد جاء عدد كبير من الأقباط إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة، نحو 3 آلاف شخص تقريبا، وعلى الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية أن تقوم بجهود لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع هنا." ويرى الكاردينال أنّ التعاون بين الكنائس قد زاد بشكل كبير خلال فترة المحادثات للبحث عن كنيسة مناسبة، الأمر الذي سيدعم مزيدا من التعاون بين الكنائس في المستقبل.
تاريخ من العمل المشترك
من جانبه، أشاد الأب بولس شحاته، كاهن كنيسة دوسلدورف، بالتعاون بين الكنائس قائلا: "منذ أتيت إلى ألمانيا منذ نحو 29 عاماً وأنا أرى كيف تقدم الكنيستان المساعدات المختلفة، دون مقابل، فهم يريدون مساعدتنا لممارسة طقوسنا ولتقديم إيماننا لأولادنا بدون أي منافسة بين الكنائس. كما نقوم باجتماع كل ثلاثة شهور للصلاة معاً لكل المشاكل التي تحدث في كل أنحاء العالم. وهذه هي المحبة والروح المسيحية".
كنيسة "الحصن" لها خصوصية في شكلها، فهي مختلفة عن الكنائس التقليدية، ويرجع ذلك إلى أنّ النازيين استولوا عليها في عام 1940 وحولوها إلى حصن منيع أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب، في عام 1947، قام القس كارل كلينكهامر بتحويلها من جديد إلى كنيسة، وهي تعد رمزاً بالنسبة للمدينة. ويرى عمدة المدينة فريدريس كونتسن أنّ إهداءهاللاجئين أقباط يعد أمراً مناسباً "لأنها ستكون حصناً لهؤلاء الذين فروا من بلدانهم بحثاً عن ملاذ آمن. ونتمنى أن تكون لهم الملاذ"
كونتسن، المهتم بقضايا اللاجئين، تأثر بعدد الأطفال الذين قابلهم في الكنيسة عند أول زيارة له منذ عامين كما يوضح في مقابلة لـDW: "كانت لدي فرصة لزيارة الكنيسة القبطية منذ عامين، وتنظيم مسرحية عرائس للأطفال هناك، وأعدت الأمر بعدها بعام، وفوجئت كيف تعلم الأطفال الألمانية بهذه السرعة، وتأثرت بذلك، وشعرت برغبة في مساعدتهم". هذا التطور الكبير الذي وجده في الأطفال في مدة قصيرة جعله يهتم بقضايا الأقباط بشكل خاص، فوضع معهم رؤية حول كيفية مساعدة اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط: "نريد بناء مركز للاندماج ونعمل بشكل جماعي مع الكنيسة القبطية بالاتفاق مع بعض الجمعيات. وأرى أن هذا المركز يشكل فرصة لهؤلاء الذين يعيشون في هذا الحي لتحقيق المزيد من التبادل والانفتاح".
"مركز مفتوح للجميع بدون النظر إلى الدين أو الهوية"
أما كريستيان جرجس، فيعتبر أن هذا المركز هو "أقل ما يقدمه الأقباط للمجتمع الألماني كشكر للتعاون الكبير والخدمات التي يقدمونها للاجئين" ويضيف: "هذا المشروع مهم لنا لأننا نريد أيضاً أن نرد للبلد بعض ما قدمه لنا من خدمات، وهناك احتياج كبير الآن لمساعدة العدد الضخم من اللاجئين الذي جاء إلى ألمانيا. وسيقدم المركز دورات تعليم اللغة الألمانية ودورات للتعريف بالثقافة الألمانية، كما سيساعد الناس على التلاقي فيما بينهم لتحقيق مزيد من التعارف والتعايش". ويتفق معه الأب بولس شحاته مؤكداً أنهم يساعدون بالفعل الكثير من اللاجئين بشكل تطوعي: "سيكون المركز مفتوحاً للجميع بدون النظر إلى الدين أو الهوية. ونحن بالفعل نساعد الكثير من اللاجئين في الترجمة والمعاملات مع الجهات الحكومية. ونتمنى أن يساعد المركز في تقديم المزيد من المساعدات". ويعتبر الكاردينال فولكي أن هذا المركز سيساعد كل القادمين من الشرق الأوسط، من مسلمين ومسيحيين: "لدينا الكثير من المسلمين الأتراك المندمجين، وأتمنى أن يساعد هذا المركز في تحقيق المزيد من الاندماج مع المسلمين القادمين من الشرق الأوسط"
من اللاجئين وإلى اللاجئين
لا تأتي المساعدات فقط من جانب الكنيسة، بل يسهم فيها كثير من أعضاء الكنيسة واللاجئين الذين جاءوا منذ سنوات، الذين يحاولون الآن مساعدة الآخرين. مريم (اسم مستعار)، جاءت منذ نحو 3 سنوات مع أسرتها، للبحث عن الأمان في ألمانيا، فأسرتها كانت قد تعرضت لمضايقات من قبل متطرفين إسلاميين في مصر كما تؤكد، وهي ليست وحدها في ذلك، فخاصة الأقباط في قرى الصعيد يعانون من ملاحقة كبيرة، زادت بشكل ملحوظ تحت حكم محمد مرسي، الوقت الذي جاءت فيه إلى ألمانيا.
وساعدتها الكنيسة لتحقيق الاندماج: "الكنيسة كانت بالنسبة لي المجتمع الصغير الذي يساعدني في الاندماج في مجتمعي الجديد". ولأنها تعرف جيداً مدى الصعوبات التي تواجه اللاجئين، فقد بدأت منذ سنوات في مساعدة اللاجئين داخل الكنيسة بشكل تطوعي، في تعريفهم بما عليهم تقديمه من أوراق، أو مساعدتهم في الترجمة. وعندما رأت كيف زادت موجة اللاجئين بشكل ضخم، تطوعت مع إحدى الجمعيات الألمانية لمساعدة اللاجئين المتحدثين العربية، "لأنها تعرف معاناة اللاجئين ومرت بنفس التجربة"، كما تقول.
*الأقباط الأرثوذكس يشكلون أغلبية مسيحيي مصر، ويتبعون بابا الإسكندرية، والبابا الحالي هو البابا تواضروس الثاني. يتفاوت عددهم طبقا للمصادر الرسمية أو المصادر الكنسية في مصر بين 10 إلى 12 مليون نسمة .