كل ضحايا القمع والإرهاب يستحقون التضامن دون استثناء!
٧ فبراير ٢٠١٥أنا أنظر إلى العالم باعتباره عالمًا يتكوَّن من العديد من النقاط المنفردة، التي عندما أقوم بربط بعضها مع بعض، أرى وجه إنسان. لا يوجد سوى هذا العالم فقط - سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب. إنه عالم تجمعنا فيه الإنسانية المشتركة والمصير المشترك.
وأنا لا أميل إلى التركيز على الأحداث المنفردة، بل أحاول دائمًا أن أرى الصورة الأكبر - أي السياق العالمي. وعلى هذا النحو أيضًا يمكن التعرُّف على النقاط المنفردة: وعندما نقوم بربط بعضها مع بعض، نلاحظ كيف ترتبط قضية رائف بدوي مع قضية "شارلي إيبدو"، مع أحداث العنف المرتكبة من قبل جماعة بوكو حرام في نيجيريا ومع هجمات تنظيم القاعدة على مواطنين يمنيين كانوا يُقيمون احتفالاً دينيًا، وكذلك مع المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان بحقِّ تلاميذ مدرسة في مدينة بيشاور الباكستانية.
كم مرة سمعتم هذه الجملة التي تفيد بأنَّ "الغالبية العظمى من ضحايا التطرُّف الإسلاموي يعيشون في بلدان إسلامية"، وأنَّ الضحايا بالذات غالبًا ما يكونون من المسلمين (سواء كانوا من المسلمين السُّنة أو الشيعة)، أو أنَّهم مواطنون من ذوي الأصول المسيحية واليهودية والإيزيدية. أو أنَّهم يتبعون الطريقتين الأحمدية أو البهائية، أو أنَّهم كذلك ملحدون - أشخاص يفكِّرون ببساطة بشكل مختلف، ناهيك تمامًا عن النساء والمثليين جنسيًا.
ولكن يبدو أنَّ كلَّ هذا لا يثير اهتمام الناس. حيث يهزون رؤوسهم بشكل عابر فقط ولا يصرخون بصوت مرتفع إلاَّ عندما يحدث شيء ما في قعر دارهم.
المساواة بين الضحايا!
تم قتل نحو ألفي مدني من قبل جماعة بوكو حرام النيجيرية المتطرِّفة، وقد حدث هذا في غضون يومين فقط، في الأسبوع نفسه الذي وقع فيه الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس. ولكن مع أنَّ ذلك قد حدث في الأسبوع نفسه، لكن لم يتم حتى الآن منح هؤلاء الضحايا قدرًا مماثلاً من التضامن الذي تم منحه لضحايا الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" ولذويهم.
يتعيَّن عليكم أن تقدِّموا لهؤلاء النيجيريين الاحترام نفسه! وأن تثورا على ذلك! لأنَّ هذا الأمر لا يتعلق بعدد القتلى. ولا يتعلق بلون بشرتهم ولا حتى بجنسيتهم - سواء كانوا أفارقة أو أوروبيين، بل إنَّ الأمر يتعلق بالوجه الإنساني! وهذا هو المهم.
لقد تم قتل إنسان - ضمن سياق تهديد عالمي. وهذا هو بالضبط الأمر الذي يجب أن يشكِّل أهمية. وذلك لأنَّ هذا التهديد حقيقي ويهمنا جميعنا - ولديه اسم: هو التطرُّف الإسلاموي المسلح. فنحن جميعنا في قارب واحد - سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب.
وهنا لا بد من ذكر رائف بدوي. وهنا ترتبط النقاط بعضها مع بعض. ففي قضيته - مثلما هي الحال مع صحفيي صحيفة "شارلي إيبدو" - يتعلق الأمر بحرية التعبير عن الرأي. تم الحكم على رائف بدوي بالسجن عشرة أعوام وجلده ألف جلدة، وذلك لأنَّه انتقد تجاوزات المؤسَّسة الدينية في المملكة العربية السعودية. لقد خلق رائف بدوي منتدًى ليبراليًا، وكان يكتب مدوَّنة، ولذلك فقد تعرَّض للجلد. لقد أعرب كلٌّ من صحفيي "شارلي إيبدو" وكذلك رائف بدوي عن رأيهم فقط واعتمدوا على حقّ أساسي عالمي، أي الحقّ في حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي.
لا مجال للنسبية الثقافية
لا يوجد أي مجال للنسبية الثقافية. فمن دون حرية التعبير عن الرأي لا توجد أية حرية إطلاقًا. يجب على المرء التفكير فقط بجميع دول العالم السلطوية والثيوقراطية: إذ إنَّ القاسم المشترك بين جميع هذه الدول - بصرف النظر عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان - هو انتهاكها لحرية التعبير عن الرأي.
وكذلك توجد نقاط أخرى يمكن ربط بعضهامع بعض. فالأشخاص الذين قَتَلوا الصحفيين في باريس كانوا من أتباع تطرُّف إسلاموي عنيف. أمَّا الأشخاص الذين جلدوا رائف بدوي فهم من أتباع تطرُّف إسلاموي "غير عنيف". وعليه فإنَّ أتباع المجموعة الأولى يَقتُلون باسم الله، بينما أتباع المجموعة الثانية يَنتهكون باسم الله.
غير أنَّ كلا المجموعتين - أي أتباع التطرُّف الإسلاموي العنيف و"غير العنيف" - يرتبط بعضهم ببعض على المستوى العالمي. فالمملكة العربية السعودية تقوم من خلال قنواتها التي تتجاوز حدودها الوطنية بتصدير رؤيتها للتطرُّف "غير العنيف"، ومن خلال ذلك فهي تقوم بتسميم مصدر الإسلام وتوجد متطرِّفين من الشباب والشَّابات في جميع أنحاء العالم. وهذا الاتِّجاه من التفسير بالذات يُمهِّد الطريق لرسالة الإسلام السياسي (المتطرف) ويمهِّد الطريق في نهاية المطاف إلى اللجوء إلى العنف.
وعندما نطالب المملكة العربية السعودية بأن تُطلق سراح رائف بدوي ومحاميه وليد أبو الخير، وعندما نُصر على أن تراعي هذه المملكة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وأن تعامل مواطنيها - رجالاً ونساءً - باعتبارهم بشرًا متساوين في الكرامة والحقوق، عندما نفعل كلَّ هذا - فعندئذ نحن نطالب في الوقت نفسه أيضًا بإنهاء تصدير التطرُّف غير العنيف على الصعيد العالمي. لقد أنتجت هذه الأيديولوجية الكثير من الألم والبؤس - في أجزاء كثيرة من العالم: في الشمال وكذلك في الجنوب.
ولذلك يتعيَّن علينا أن نربط هذه النقاط بعضها مع بعض وأن نعرف التهديد العالمي الذي يواجهنا. يجب علينا أن نربطها ببعضها، لكي نرى في ذلك وجه الإنسان مرة أخرى. نحن مرتبطون بعضنا ببعض سواء أرغبنا في ذلك أم لم نرغب. ومتَّحدون في الإنسانية والمصير.
إلهام مانع
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2015