"كل شيء في كل مكان في آن واحد".. تعدد العوالم خيال أم حقيقة؟
٢٠ مارس ٢٠٢٣حصد فيلم "كل شيء في كل مكان في آن واحد" Everything Everywhere All At One (EEAAO) سبعة جوائز أوسكار في الحفل الذي أقيم مؤخراً، كما حصل على إشادة من النقاد والجمهور على حد سواء رغم تعقيد قصته. لكن هل تتماس قصة الفيلم الخيالية بشكل ما مع واقع علمي ربما لا نعرف عنه الكثير؟
يحكي الفيلم قصة مالكة المغسلة المنهكة ايفيلين (ميشيل يوه) التي زارتها نسخة من زوجها وايموند (كي هيو كوان) من عالم مواز، والذي جاء برسالة مفادها أنها يجب أن تتحد مع نسخها الأخرى المنتشرة في الأكوان الموازية لعالمها لمواجهة وحش سيدمر الكون، وهو أحد نسخ ابنتها جوي (ستيفاني هسو).
تبدو القصة مشوقة مع الكثير من التعقيدات ومشاهد القتال والمواقف المثيرة للضحك وأحياناً للأسى. لكن وسط كل هذا تساءل الكثير من الناس عما إذا كان هناك أي "علم حقيقي" وراء الفيلم.
يبدو الأمر مستنداً إلى نظريات تشير إلى وجود أكوان متوازية لعالمنا الذي نعيش فيه، رغم نفي علماء آخرين للأمر برمته.
ففي مقال نُشر في مجلة Scientific American، على سبيل المثال، كتب عالم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا البروفيسور ماكس تيغمارك: "الأمر ليس خيالاً علمياً محضاً في أحد الأفلام، فالأكوان الأخرى هي نتيجة مباشرة للملاحظات الكونية." بحسب ما نقلت صحيفة ستاندرد البريطانية.
مفهوم الكون المتعدد
فكرة الكون المتعدد هي أننا نعيش في كون أو عالم واحد وسط العديد من العوالم أو الأكوان الأخرى. ووفقاً لقواعد الفيزياء وميكانيكا الكم التي تفسر الأمر، يبدو من شبه المستحيل إحصاء عدد هذه الأكوان.
في عام 2009، توصل أستاذان في جامعة ستانفورد، هما أندريه ليندي وفيتالي فانكورين، إلى أنه يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى مئات الملايين أو المليارات من الأكوان المتعددة، أو ما يمثل - كما وصفته صحيفة نيويورك تايمز- "واحد يتبعه مليار الأصفار ".
هناك العديد من النظريات التي تشرح الأمر، لكن يجمع بينها أن طريقتنا في فهم المكان والزمان ليست الطريقة الوحيدة لفهم الواقع. وفيما يلي بعض النظريات التي تفسر الأمر:
النظرية الأولى: التضخم الكوني
وهي النظرية الأكثر شيوعًا. وتقوم فكرتها على أنه عندما حدث الانفجار العظيم منذ حوالي 13.8 مليار سنة، توسع الكون بسرعة مذهلة لجزء من الثانية، مما خلق العديد من الأكوان (التي قد تكون لا نهائية) ، إلى جانب الكون الذي نعيش فيه حاليًا.
يوضح مركز ستيفن هوكينغ لعلم الكونيات أن هذه النظرية تساعد في تفسير سبب تشابه درجات حرارة الفوتونات من مناطق مختلفة من الكون، في حين أنه أمر ما كان ينبغي أن يحدث. ويقول المركز: "نلاحظ أن الفوتونات الضوئية من اتجاهات مختلفة في الكون يجب أن تتواصل بطريقة ما وذلك لأن الإشعاع الكوني له درجة الحرارة نفسها تقريبًا في جميع الاتجاهات ما يفيد بوجود صلة ما بين الفوتونات."
يقول امتداد لهذه النظرية إن الأكوان العديدة التي تم إنشاؤها يمكن أن تصطدم ببعضها البعض، وأن هذه الأكوان أشبه بفقاعات تحلق بسرعة الضوء وتتميز بالعشوائية في الحركة ولا يعرف أيها هو الأصل وأيها هو الموازي.
النظرية الثانية: تفسير العوالم المتعددة عبر ميكانيكا الكم
وهي النظرية التي اقترحها الفيزيائي الأمريكي هيو إيفريت لأول مرة في عام 1957، وتنظر في سلوك المادة. وتقول النظرية إن نتائج التجربة لا يمكن أن تُنسب إلا إلى الأرض فقط ولا ينبغي تطبيقها على الكون الأوسع، لأن التجربة تثبت فقط أنها حدثت على الأرض وليس أي مكان آخر، وأن نتائجها قد تختلف إن حدثت في عالم آخر له قواعد أخرى لا نعلمها، مفترضاً وجود عدد لا حصر له من الأكوان والأراضي.
وقال إيفريت إن التأثيرات الفيزيائية الكمية تتسبب في انقسام الكون باستمرار، بمعنى أنه في كل مرة تتخذ فيها قرارًا من أي نوع - مثل ارتداء حذائك الأيسر قبل الأيمن، واختيار تناول الزبادي بدلاً من الجبن - ينقسم الكون، ما يعني أنه على مدار حياة شخص واحد، فإن هناك ملايين الأكوان التي يتم خلقها، إن لم تكن مليارات.
يعني ذلك أيضاً أنه في كون آخر هناك على الأقل نسخة واحدة منك انتهزت الفرص التي رفضتها واستغلها بشكل جيد.
النظرية الثالثة: البقعة الباردة
هناك أيضاً نظرية تتساءل عن طبيعة "بقعة باردة'' في الفضاء - وهي جزء شديد البرودة بشكل غير عادي وهائل الحجم مقارنة بنتائج الحسابات الفيزيائية المتوقعة - ويمكن أن تكون في الواقع أثرٌ متبق من وقت اصطدام اثنين من الأكوان منذ مليارات السنين .
تقول شبكة سي ان بي سي NBC الأمريكية الإخبارية في تقرير لها إنه "في عام 2004، اكتشف علماء الفلك الذين يستخدمون القمر الصناعي WMAP التابع لناسا بقعة باردة تقع في كوكبة تسمى "ايريدانوس Eridanus"، والتي تبدو أكثر برودة بما يقرب من 100 مرة من مناطق أخرى في الفضاء وتقع على بعد هائل من مجرة درب التبانة.
هل يمكن أن تكون هناك أكوان متوازية؟
ببساطة ووفق النظريات الفيزيائية، نعم. بالنظر إلى أنه لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن الكون - بما في ذلك بعض الفجوات العلمية الكبيرة في فهمنا البشري المحدود، فمن الممكن أن تكون هناك أكوان متوازية. ولكن من الخطأ افتراض أن هذه الأكوان المتوازية ستبدو كنسخة أخرى خاصة بنا.
لكن على أرض الواقع، لا يوجد أيضًا أي دليل مادي يدعم نظرية الأكوان المتعددة - حتى الآن - إلا أن فرقاً من العلماء حول العالم بدأت بالفعل في العمل على إثبات الأمر.
وأوضح جيرانت لويس ، عالم الكونيات بجامعة سيدني، أن الكون المتعدد "ليس له أساس رياضي حقًا - إنه مجموعة من الأفكار ... وفي دورة العلم، يبقى الأمر في مرحلة الفرضية ويجب أن يصل إلى مرحلة الاقتراح القوي قبل أن نتمكن من فهم عواقب وجوده بالفعل".
لكن هناك أيضاً القليل من الأمل. ففي حديثه إلى ناشيونال جيوغرافيك، قال الصحفي العلمي توم سيغفريد إنه يصعب تصور خطأ مجموعة كاملة من قوانين الفيزياء، وأننا إن كنا اليوم لا نستطيع السفر إلى هذه الأكوان المتعدد فربما بعد ألف عام قد نكتشف شيئاً خارج حدود تصوراتنا يمكننا من التنقل بين هذه العوالم.
عماد حسن