كشمير "برميل بارود" تتقاذفه باكستان والهند
٢٨ فبراير ٢٠١٩على غرار الكثير من نزاعات هذا العالم بدأ الخلاف حول كشمير مع الاستقلال من القوى الاستعمارية. ففي 1947 تنازلت بريطانيا أمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية وتخلت عن مستعمرتها الهند البريطانية. وخلف البريطانيون وراءهم دولتان: الاتحاد الهندي العلماني وجمهورية باكستان الإسلامية.
والدولة الأميرية جامو وكشمير التي تقع في المنطقة الحدودية الشمالية للدولتين الفتيتين كانت تقف مع تقسيم المستعمرة السابقة أمام مشكلة: فالحاكم كان ماهاراجا (ملك) هندوسي والسكان في غالبيتهم مسلمون. وكان الماهاراجا هاري سينغ يأمل في إعلان استقلال منطقته وكان يؤجل بالتالي الانضمام إلى إحدى الدولتين الفتيتين. إلا أن الوضع الخاص في سهل كشمير كان مهما لكلا الدولتين: فالهند ترى نفسها إلى اليوم أمة علمانية تتعايش فيها عدة ديانات، وعليه فإن الولاية الوحيدة بغالبية مسلمة مكون هام في الدولة الجديدة. أما باكستان فتنظر إلى نفسها كدولة لجميع المسلمين في جنوب آسيا.
حروب كشمير
وفي الوقت الذي مازال فيه الماهاراجا سينغ يتردد في تحديد موقفه، كان مقاتلون باكستانيون يحاولون خلق حقائق على الأرض وبسط السيطرة على كشمير. هاري سينغ طلب مساعدة الهند وبعدها بوقت قصير كانت وحدات الجانبين تقف أمام بعضهما البعض. وحرب كشمير الأولى انتهت في الأول من يناير 1949 بتقسيم كشمير على طول "خط المراقبة" وهي الحدود غير الرسمية إلى يومنا هذا.
والأمم المتحدة أرسلت حينها مهمة مراقبة ماتزال موجودة إلى اليوم في عين المكان. وباكستان تراقب منذ 1949 المحافظة الشمالية غلغيت بالتستان ومنطقة أزاد كشمير، والجزء الهندي انتقل في 1957 إلى ولاية جامو وكشمير.
والعقود اللاحقة كانت مطبوعة بالتسلح على كلا الجانبين. وبدأت الهند بتطوير قنبلة نووية، وأطلقت باكستان برنامجا نوويا خاصا بها كي تتمكن من مواجهة الجارة القوية. واليوم تملك الهند وباكستان حسب التقديرات نحو 140 إلى 150 من الرؤوس النووية. والهند على عكس باكستان استبعدت تنفيذ ضربات أولية. وتعد النفقات الباكستانية للبرنامج النووي مرتفعة جدا مقارنة بقوتها الاقتصادية، وتهدف باكستان في برنامجها أن لا تتأخر عسكريا عن جارتها الهند.
وفي 1965 حاولت باكستان مرة أخرى تغيير المسار الحدودي بالقوة العسكرية، إلا أنها فشلت أمام القوات العسكرية الهندية. وفي 1971 حصلت مواجهة للمرة الثالثة بين الجارتين، وهذه المرة كانت كشمير ساحة حرب جانبية، إذ دارت المعارك حول بنغلاديش التي تبعد 2000 كيلومتر عن كشمير. والهند التي كانت تدعم مقاتلي الاستقلال البنغال، هزمت هذه المرة باكستان أيضا. وعلى إثرها وقع البلدان في 1972 على اتفاقية شيملا التي تقوي أهمية "خط المراقبة" وتحبذ مفاوضات ثنائية توضح استحقاقات منطقة كشمير.
ومنذ عام 1984 حصلت مواجهات جديدة حول جبل سياشين الذي تسيطر عليه الهند، وفي 1999 تحارب الطرفان بسبب مواقع عسكرية على الجانب الهندي "لخط المراقبة"، وفي 2003 أبرمت الهند وباكستان وقفا جديدا لإطلاق النار لكنه أصبح هشا منذ عام 2016.
الجارة الثالثة
وحتى الجار البلد الثالث، جمهورية الصين الشعبية تلعب دورا في هذا النزاع، وقد استولت في 1962 على منطقة متاخمة لكشمير من الهند ودخلت في تحالف مع باكستان. والمنطقة الحدودية التي تربط بين باكستان والصين عبر كشمير الغربية تحولت إلى منطقة تجارة بين البلدين. وهذا الممر يُراد توسيعه في إطار سياسة التوسع الصينية، وتم تعبيدها، كما تستثمر الصين 57 مليار دولار في البنية التحتية الباكستانية ومشاريع الطاقة، وهو مبلغ لا يُستثمر في أي بلد في الجنوب الآسيوي.
حكومات الدول المجاورة لم تعد الأطراف الوحيدة في نزاع كشمير. فعلى كلا جانبي "خط المراقبة" تتمركز على أبعد تقدير منذ الثمانينات مجموعات مسلحة تريد إنهاء الوضع القائم بالعنف. وأدت اعتداءات إرهابية في السنوات الثلاثين الماضية إلى مقتل 45.000 شخص على الأقل. والعدد الإجمالي للموتى في هذا النزاع يصل حسب منظمات حقوق الإنسان إلى 70.000 شخص على الأقل.
والمجموعات القتالية الموالية لباكستان لها في الغالب خلفية إسلامية. والهند تتهم باكستان بتقديم دعم خفي للمجموعات المسلحة، مثل جماعة "جيش محمد" أو جماعة "لشكر طيبة". وكانت هناك مخاوف من أن يتمركز تنظيم "داعش" في كشمير.
وجماعة "لشكر طيبة" من بين ما أُتهمت به هو الوقوف وراء اعتداء مومباي الإرهابي في نوفمبر 2008. أما جماعة "جيش محمد" التي كانت في بداياتها مرتبطة بتنظيم القاعدة، فقد أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة في شهر شباط/فبراير الحالي في الهند. والهند تحمل الجماعة المسؤولية عن هجمات طالت البرلمان الهندي في نيودلهي عام 2001 والتي أدت إلى مقتل 14 شخصا.
ومنذ الهجوم بسيارة مفخخة في شهر 14 من شهر شباط/فبراير الحالي، والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 40 من القوات الأمنية الهندية في سريناجار، اشتد الصراع بين البلدين.
ونفذت الهند هجمات جوية انتقامية في الجزء الباكستاني من كشمير، ما أدى بباكستان إلى إسقاط مروحيتين هنديتين واعتقلت أحد الطيارين. وهذا التصعيد يحصل في أوج الحملة الانتخابية الهندية: ففي هذا الربيع سيتم انتخاب برلمان جديد. والحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" بزعامة رئيس الوزراء نارندرا مودي، سلك نهجا صلبا في نزاع كشمير. فيما دعا رئيس وزراء باكستان عمران خان دعا إلى الاعتدال. فهل سيقبل الحزب الهندوسي في نيودلهي وسط هذا الوضع المتشعب عرض عمران خان الحالي من أجل التفاوض، فهذا يجب ترقبه.
ديفيد إيل/ م.أ.م