كردستان العراق تدق باب أوروبا لمواجهة أعباء اللاجئين
٥ أغسطس ٢٠١٦على ارتفاع آلاف الأقدام، تحلق الطائرة فوق السحب المارة على كردستان العراق. إلى جانب النافذة يجلس مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الإنسانية وإدارة الأزمات، كريستوس ستايليانيدس، والتعب بادي على محياه وعلى جبهته المكسوة بالتجاعيد. يتكأ ستايليانيدس على كومة من تقارير المشاريع الإغاثية.
فقبل فترة وجيزة وعد المبعوث الأوروبي كردستان العراق بمساعدات إضافية تبلغ 200 مليون يورو. بيد أنه يدرك أنها لن تكفي. "لا نواجه تحديا إقليميا أو أوروبيا، بل عالميا"، يقول الرجل كلمته بعد نزوله من الطائرة وقبل أن يصعد في سيارة مصفحة كانت بانتظاره عند مدرج المطار في أربيل في كردستان العراق.
تحت أشعة شمس آب/أغسطس الحارقة ودرجة الحرارة التي تصل حتى 50 درجة مئوية، يشق الموكب طريقه إلى مخيم ديباغا للاجئين في شمال العراق. يبشر ستايليانيدس بأن هناك تطورات إيجابية: سيتم دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي المعروف باسم "داعش". بيّد أنه يخشى أن "يؤدي اندلاع القتال للسيطرة على الموصل إلى التسبب بموجة لجوء كبيرة، قد تصل إلى مليون لاجئ".
المخيم مكتظ لدرجة الانفجار
يعيش اليوم في مخيم ديباغا 27 ألف لاجئ. هناك جزء من المخيم يتم فيه التأكد من هويات القادمين الجدد، لقطع الشك باليقين من صلتهم بتنظيم "داعش". هذا الجزء من المخيم مكتظ عن آخره. وخلف سياج كثيف من الأسلاك الشائكة ينتظر مئات الرجال دورهم للدخول إلى المخيم. في الماضي كان الناس يفرون من المناطق قبل سيطرة "داعش" عليها، الآن يأتون من المناطق التي سيطرت عليها "داعش" منذ سنتين. تدافع ممثلة حكومة إقليم كردستان العراق، فيان رشيد يونس، عن إجراءات التفتيش المشددة: "حصلت لنا تجارب سيئة. إذ قدمت عائلة قبل شهر وفجر أحد أفرداها نفسه، ما أدى إلى جرح اثني عشر شخصاً. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف لنا أن نميز اللاجئ من الإرهابي؟".
اخترقت جموع اللاجئين ورجال الأمن امرأة مسنة وارتمت في حضن المبعوث الأوروبي باكيةً. "يوجد كثير من البشر هنا. طوابير المنتظرين للحصول على الطعام طويلة جداً. في بعض الأحيان لا أحصل على أي طعام"، تقول السيدة المسنة وهي تطبع قبلة على خد المبعوث الأوروبي، الذي كبر وترعرع في قبرص. "يتأثر المرء من أعماق قلبه وهو يرى معاناة البشر. ولكني واثق أن وجودنا هنا سيعطي الناس هنا الأمل والكرامة من جديد"، يقول المبعوث الأوروبي.
تحقيق أرباح على ظهر معاناة اللاجئين
يتفق عمال الإغاثة أنه "يتوجب توسيع المخيم". بيد أن المشكلة تكمن في عدم توافر أرض للتوسعة: لا يمكن استخدام أراض الأملاك العامة (أراضي الدولة) ويطلب أصحاب الأراضي الخاصة الأكراد مبالغ خيالية. يعبر المبعوث الأوروبي عن عدم قبوله بمبلغ الإيجار البالغ مليون يورو سنوياً، كما أن ممثلة الحكومة الكردية تهز يديها بالرفض، أيضاً.
يتوجه كريستوس ستايليانيدس إلى عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، لمحاولة إيجاد حل وسط ومخرج للأزمة. يلتقي لهذا الغرض مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرازني، ورئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان بدرجة وزير، فلاح مصطفى بكر. بعد أخذ ورد يعطي الوزير الكردي المبعوث الأوروبي لب موقف حكومة الإقليم: "فعلنا ما بوسعنا. الآن نحن بحاجة لمساعدة من الأمم المتحدة. خفضت الحكومة المركزية في بغداد مخصصاتنا المالية، وأسعار البترول في الحضيض. وتكلفة الحرب ضد الإسلاميين باهظة الثمن. يكلفنا ما يقارب مليون لاجئ سوري وعراقي حوالي 150 مليون يورو شهرياً. هذا يكفي!".
سيناريو الرعب: مليون لاجئ
يعي فلاح مصطفى بكر وكل ساسة كردستان العراق جيدا ما يقولونه وخلفياته. لذا فقد أكد الوزير على ما قاله وبقوة: "عندما تقوم حكومة كردستان العراق بإغاثة اللاجئين هنا، لن يتوجهوا إلى أوروبا طالبين اللجوء. بينما إذا لم يتم ذلك ستتوجه موجات اللجوء إلى أوروبا".
يعتقد كريستوس ستايليانيدس أنه بالإمكان منع ذلك عن طريق منح اللاجئين "الأمل". "لدينا فرصة لخلق عراق آخر. سيهزم داعش في ساحة المعركة. ولكن من المهم إبطال مفعول سحر إيديولوجيا تنظيم داعش"، يقول المبعوث الأوروبي. هذا الأمر سيكون صعباً وهو يعلم ذلك. التحدي الأكبر هو إعادة بناء هذا البلد بعد ما شهد من تطهير عرقي. إذ إنه وبعد استعادة الفلوجة من براثن التنظيم الإرهابي حصل انتقام من السنة العرب.
هذا الأمر يجب منع تكرار حدوثه في الموصل من خلال بناء المزيد من المشاريع التعليمية، على سبيل المثال. كريستوس ستايليانيدس على قناعة أن التعليم غير الرسمي في المخيم مهم كأهمية الطعام والمسكن. ويمكن أن تساعد الصفوف الدراسية المختلطة من مختلف القوميات والطوائف العراقية على تخطي الانقسام في المجتمع وإقناع الآباء أنه من الممكن أن يكون لأولادهم مستقبل في العراق.
بيد أنه يتعين على فاعلين آخر في المنطقة كدول الخليج الانخراط أكثر في هذا الأمر. "الحاجة أكبر من استعداداتنا ومن إمكانياتنا. لحل المسألة العراقية لا بد من جهد دولي"، يقول المبعوث الأوروبي وهو متوجه إلى المطار. يوافقه الرأي رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان بدرجة وزير، فلاح مصطفى بكر، الذي جاء خصيصا إلى المطار لتوديع المبعوث الأاوروبي.
فمن المعلوم أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر المانحين لدول المنطقة. لوح الوزير الكردي بيده للمرة الأخيرة لتوديع ضيفه قبل أن يدخل الطائرة ويُغلق الباب خلفه. يأمل فلاح مصطفى بكر أن يكون في حقيبة المبعوث الأوروبي وجراح الأسنان، كريستوس ستايليانيدس، في زيارته القادمة حقنة كبيرة من المال لتساعد حكومة الإقليم على النهوض بأعباء اللاجئين.