ما حقيقة مزاعم روسيا بامتلاك أوكرانيا أسلحة بيولوجية؟
٦ مايو ٢٠٢٢زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر أبريل/ نيسان أن "شبكة من مختبرات أسلحة بيولوجية غربية" في أوكرانيا تعد أحد التهديدات التي تواجه روسيا، وهي أحد أسباب غزوها لأوكرانيا.
لكن ما حقيقة هذه المزاعم وهل سعت أوكرانيا فعلا إلى تطوير أسلحة بيولوجية في مختبرات سرية بدعم أمريكي؟ أم أن المزاعم الروسية ليست سوى حملة دعائية لتبرير حربها ضد أوكرانيا؟
تزامن هذا مع تأكيد وزارة الدفاع الروسية على امتلاكها أدلة تثبت تورط أوكرانيا في تطوير أسلحة بيولوجية "بمشاركة مباشرة من وزارة الدفاع الأمريكية"، رغم نفي أوكرانيا والولايات المتحدة هذه المزاعم بشدة.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية مكافحة الأسلحة البيولوجية تحظر تطوير وإنتاج وحيازة ونقل وتخزين واستخدام الأسلحة البيولوجية والسامة. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1975.
وفي مقابلات مع DWأكد خبراء أن هناك خيطا رفيعا يفصل بين أعمال البحث والتطوير لأغراض عسكرية أو مدنية، وهو الأمر الذي قد يتم استغلاله بسهولة للترويج وشن حملات دعائية.
وتدور المزاعم الروسية حول مسببات أمراض الطاعون والجمرة الخبيثة والدفتيريا، فيما يرى الخبير البريطاني في الحرب الكيماوية والبيولوجية، ريشارد غوثري، أن مثل هذه المزاعم باتت عنصرا مشتركا في الحملات الدعائية الحالية بسبب التأثير النفسي القوي الذي تخلقه شائعات امتلاك أي دولة لأسلحة بيولوجية. وأضاف الخبير أن الغرض الرئيسي من الأسلحة البيولوجية ليس بالضرورة إصابة الناس بالأمراض، لكن نشر الخوف في نفوسهم، وهو ما قد يدفعهم "على سبيل المثال إلى الامتناع عن الطعام والشراب".
وقام عدد من الخبراء الألمان في مجال الأسلحة البيولوجية بتدقيق ودراسة المزاعم الروسية بطلب من معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن في جامعة هامبورغ. واتفق الخبراء على أن إثارة الخوف العام كان الهدف الرئيسي وراء هذه المزاعم، فيما يلمحون إلى ما يشبه "تضليل روسي".
وفي هذا الإطار، أكد غونار يريمياس، الخبير في مراقبة الأسلحة البيولوجية، أن هناك "مختبرات بيولوجية في أوكرانيا تدعمها الولايات المتحدة وألمانيا أيضا، لكن الأبحاث التي أُجريت ليست سرية، ويتسم الأمر بشفافية كبيرة".
أكاذيب متعمدة
بدوره، يؤكد جون جيلبرت، المفتش الأمريكي السابق في مجال الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، أن المزاعم الروسية ليست سوى "أكاذيب متعمدة وتحريف للحقائقق". ويعمل جيلبرت حاليا في "مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار"، وهي منظمة مقرها واشنطن، تهدف إلى زيادة الوعي بشأن تهديد أسلحة الدمار الشامل، وقبل انضمامه إلى المركز عمل في عدد من دول الاتحاد السوفيتي السابقة بما في ذلك أوكرانيا.
وفيما يتعلق بأوكرانيا، قال جيلبرت إنه في مطلع تسعينيات القرن الماضي عملت الحكومة الأمريكية مع عدد من المختبرات البيولوجية في دول سوفياتية سابقة كجزء من برنامج "نون – لوغار" التعاوني لتفكيك أسلحة الدمار الشامل والسيطرة على تهديد المواد الانشطارية بدول المعسكر السوفياتي السابق، وإيقاف عمل مخزون الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية في هذه الدول. وأضاف بأن الولايات المتحدة "قامت بتمويل عدد من المشاريع عبر هذا البرنامج الذي شمل على إجراء أبحاث حول مسببات الأمراض مثل البكتيريا والفيروسات، في محاولة لمعرفة مسببات الأمراض وكيفية انتشارها". وشدد على أن روسيا كانت "على دراية بالأمر".
بدوره، قال ريشارد غوثري، إنه في أعقاب تجدد المخاوف من استخدام الأسلحة بعد هجمات الجمرة الخبيثة عام 2001 في أمريكا ووباء سارس الذي ضرب العديد من دول العالم عام 2003، أبرمت الولايات المتحدة معاهدة مع أوكرانيا عام 2005. كذلك، قامت الولايات المتحدة بتعزيز التعاون مع مختبرات بيولوجية أخرى كانت تحصل على تمويل بشكل جزئي من قبل وزارة الدفاع الأمريكية في جميع أنحاء العالم.
"اتهامات روسية لألمانيا"
ولم تتوقف المزاعم الروسية حيال امتلاك أوكرانيا مختبرات أسلحة بيولوجية، على توجيه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة؛ إذ شمل الأمر ألمانيا أيضا باتهام دبلوماسيين روس لبرلين بإدارة "برنامج بيولوجي عسكري" في أوكرانيا.
وكان الدبلوماسيون الروس يشيرون في ذلك إلى "البرنامج الألماني للأمن البيولوجي" الذي أطلقته الخارجية الألمانية عام 2013 بهدف تنفيذ مشاريع خاصة بالسلامة البيولوجية والأمن البيولوجي بشكل رئيسي في أفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية.
ويرمي البرنامج في الدرجة الأولى إلى "التصدي للتهديدات البيولوجية، مثل سوء الاستخدام المتعمد لمسببات الأمراض البيولوجية والسموم أو تفشي الأمراض والأوبئة شديدة العدوى".
وقد أفادت وزارة الدفاع الألمانية لـ DW بأنه في إطار هذا البرنامج، هناك تعاون بين معهد الميكروبيولوجيا (علم الأحياء الدقيقة) التابع للجيش الألماني ومعهد الطب البيطري التجريبي والسريري في مدينة خاركيف منذ عام 2016.
وفي إطار هذا التعاون، قام المعهد بدراسة مسببات أمراض الجمرة الخبيثة وداء البروسيلات وداء اللولبية النحيفة وأنفلونزا الخنازير الأفريقية؛ وهي أمراض معدية يمكن أن تنتقل إلى البشر.
وفي ذلك، وصف مدير المعهد، رومان فولفيل، مزاعم روسيا بأن أوكرانيا كانت تعمل على تطوير أسلحة بيولوجية "جوفاء"، مؤكدا أن نشاط المعهد يقتصر على إجراء الأبحاث وتقديم الاستشارات. وأضاف "قمنا بتدريب الشباب على استخدام الأساليب التطبيقية في التشخيص الجزيئي"، مؤكدا أن باحثي الجيش الألماني شاركوا في هذا المشروع المدني بسبب خبرتهم في التدريب على الاستجابة السريعة لتفشي الأمراض.
وقام فولفيل في السابق بتفقد المختبر في خاركيف حيث التقى بالباحثين الذين يقتصر عملهم على دراسة أمراض الحيوانات التي يتم تربيتها في المزارع.
"أسلحة عرقية" غير واقعة
ومن بين الاتهامات التي ساقتها روسيا ضد جارتها أوكرانيا لتبرير غزوها العسكري، كان مساعدة كييف لواشنطن في تطوير ما يُطلق عليه "أسلحة بيولوجية عرقية" التي يمكنها بشكل افتراضي استهداف أشخاص من أعراق معينة مثل عرقية الروس.
وقد أثار هذا الاتهام في السابق الجنرال إيغور كيريلوف، قائد قوات الحماية البيولوجية والكيماوية ومن الإشعاعات في الجيش الروسي.
وفي هذا السياق، يتفق الخبراء بالإجماع على أن العالم لم يتمكن حتى الآن من تطوير مثل هذه الأسلحة، وهو ما أكد عليه رومان فولفيل بقوله: "فكرة تطوير سلاح بيولوجي يمكن أن يستهدف مجموعة عرقية بعينها دون غيرها، غير واقعية بالمرة".
بدوره، أشار الخبير البريطاني ريشارد غوثري إلى أن خططا مماثلة لتطوير مثل "أسلحة عرقية" تم اقتراحها خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكنه شدد على أنه لم يتم تنفيذ ذلك. وأضاف بأن الناس "يتحدثون عن هذه الأسلحة منذ السبعينيات، لكننا لا نزال بعيدين عن تطوير هكذا أسلحة".
على غرار جورجيا
وقال غوثري إن روسيا تروج بشكل مكثف لشائعات حول امتلاك أوكرانيا مختبرات أسلحة بيولوجية في إطار حملات دعائية لتبرير الحرب. ولفت إلى قضية مهمة جدا، وهي أن موسكو رغم إثارتها لهذه القضية داخل مجلس الأمن الدولي، إلا أنها لم تستشهد – حتى الآن – بالمادة السادسة من معاهدة الأسلحة البيولوجية التي تسمح لأي دولة بتقديم شكوى إلى المجلس، إذا اشتبهت في انتهاك دولة أخرى لهذه المعاهدة.
ولا تعد الاتهامات الروسية بامتلاك أوكرانيا أسلحة بيولوجية جديدة بالنسبة لموسكو، إذ وجهت في السابق اتهامات مماثلة لجورجيا حيث زعمت حينها أن "مركز أبحاث لوغار" في العاصمة الجورجية تبلّيسي كان يحظى بتمويل مشترك من الولايات المتحدة متورط في تطوير أسلحة بيولوجية لصالح واشنطن.
بيد أنه في عام 2018، قامت حكومة جورجيا بدعوة خبراء دوليين لزيارة المركز، وقد شملت الدعوة روسيا التي رفضت قبولها. فيما أكد الخبراء بعد تفقدهم المركز على أن العمل داخله أمن ويتسم بالشفافية مع الالتزام بقواعد معاهدة الأسلحة البيولوجية. ومن هذا المنطلق، يرجح الخبراء أن تقوم كييف بتكرار النموذج الجورجي بدعوة خبراء ومتخصصين لتفقد مختبراتها، لكن يتعين بادئ ذي بدء وقف الحرب التي تقودها روسيا في أوكرانيا.
رومان غونشارينكو/ م ع