كبرى شركات النفط تفشل في تحقيق أهداف المناخ العالمية
٢٤ مارس ٢٠٢٤بعد مرور قرابة عشر سنوات على اتفاق باريس التاريخي المبرم عام 2015، لم تقترب كبرى شركات الطاقة في العالم من الوفاء بالتزامات تخفيض الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، وهو حد يُرجح علماء صعوبة بلوغه. جاء ذلك في أحدث تقرير صدر عن مؤسسة "كاربون تراكر" البحثية التي تتخذ من لندن مقرا لها ، والمتخصصة في مراقبة تأثير الأسواق المالية والاستثمارات على تغير المناخ.
وخلصت المؤسسة إلى هذه النتائج بعد إجراء مقارنات بين 25 من أكبر شركات النفط والغاز في العالم بما في ذلك "بي بي" و "توتال إنرجي" و "أرامكو السعودية" و"بيترو تشاينا"، وهذه الأخيرة هي أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في الصين.
وفي تعليقها، قالت ميف أوكونور، الباحثة التي شاركت في إعداد التقرير، إن "الشركات في جميع أنحاء العالم تعلن على الملأ أنها تدعم أهداف اتفاقية باريس وتدعي أنها جزءا من الحل الرامي إلى تسريع وتيرة التحول في الطاقة". وأضافت الخبيرة في شؤون شركات النفط والغاز في مؤسسة "كاربون تراكر"، أنه "لسوء الحظ، نرصد أن خطط هذه الشركات جميعا لا تتماشى مع أهداف اتفاق باريس".
ويهدف التقرير إلى مساءلة شركات الطاقة وأيضا الضغط عليها من خلال زيادة توعية المستثمرين بمخاطر الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري الذي يعد أكبر مساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
بي بي.. أفضل من غيرها
وعقب تحليل بيانات الشركات، قام باحثو مؤسسة "كاربون تراكر" بتقييم أداء كل شركة في خمسة مجالات رئيسية هي خطط الاستثمار والمشاريع التي جرى اعتمادها مؤخرا وخطط الإنتاج وأهداف الانبعاثات وسياسات تقديم المكافآت لرؤساء مجالس الإدارة نظير قيامهم بزيادة عمليات الإنتاج.
واحتل عملاق النفط البريطاني "بي بي" المقدمة رغم أنه حصل على درجة "د" بالكاد فيما قالت المؤسسة أن الشركة "ما زالت تسكتشف احتياطيات جديدة في القارات الست وتخطط لزيادة كبيرة في إنتاجها من [الغاز الطبيعي المسال]".
وقالت "كاربون تراكر" إن شركة "بي بي" الوحيدة التي تهدف إلى خفض إنتاجها بحلول عام 2030، مضيفة أن ثلاث من كبرى شركات الطاقة في أوروبا وهي "ريبسول" الإسبانية و "إكوينور" النرويجية و "شل" البريطانية، تعهدت بالحفاظ على ثبات عمليات الإنتاج.
وفي أمريكا، كان من المخطط أن تخفض شركة "تشيسابيك إنيرجي" إنتاجها في عام 2024، إلا أن استراتيجيتها طويلة المدى يكتنفها الغموض.
وبشكل عام، فإن جُل الشركات التي شملها تقرير"كاربون تراكر" مازالت تخطط لتوسيع إنتاجها من الوقود الأحفوري خلال السنوات العشر المقبلة، قائلة إن شركة "كونوكو فيليبس" الأمريكية التي تعد من أكبر شركات الطاقة متعددة الجنسيات، تعتزم زيادة الإنتاج بنسبة 47 بالمائة على مدى السنوات الخمس إلى الثماني المقبلة، مقارنة بإنتاجها في عام 2022.
وقال التقرير إن خطط التوسع الحالية تتعارض مع الاتجاهات السائدة بشأن مستويات الطاقة فيما كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية العام الماضي تشير إلى أن الانخفاض في الطلب على الوقود الأحفوري سوف يبدأ في المستقبل القريب. وخلال الشهر المنصرم أفادت الوكالة بأن نمو الطلب العالمي على النفط يفقد زخمه ما دفعها إلى تقليص توقعاتها للنمو في 2024.
وقال مايك كوفين، أبرز خبراء النفط والغاز والتعدين في مؤسسة "كاربون تراكر"، في سبتمبر / أيلول إنه "يجب على الشركات أن تدرك كيف يمكن أن يؤثر التحول من الوقود الأحفوري إلى التقنيات النظيفة على أرباحها الإجمالية"، مضيفا "إنهم يواصلون تعريض المستثمرين للخطر من خلال الفشل في التخطيط لخفض الإنتاج مع تسارع وتيرة تحول الطاقة."
شركة واحدة تتماشي مع اتفاقية باريس
وفيما يتعلق بتقييم مؤسسة "كاربون تراكر"، فقد احتلت المراتب الخمس الأولى أربع شركات تتخذ من بلدان أوروبية مقرا لها فيما تذيلت شركات سعودية وبرازيلية وأمريكية القائمة وعلى وقع ذلك، فإن كافة الشركات سجلت درجات سيئة للغاية عند الحُكم عليها فيما يتعلق بخفض الانبعاثات الكربونية على أساس اتفاقية باريس.
وقال التقرير إن شركة "إيني" الإيطالية الوحيدة التي تمتلك أهدافا "من المحتمل" أنها تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس بما يمهد الطريق أمام تحقيقها صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 في كافة مراحل الإنتاج بداية من تشغيل محطات النفط والغاز وحتى الأبخرة المنبعثة من محركات السيارات والعمليات الصناعية في نهاية المطاف.
وفي تقرير العام الماضي، قالت وكالة الطاقة الدولية إن معظم الشركات لا تزال تركز فقط على تقليل الانبعاثات الناتجة عن إنتاج ونقل ومعالجة النفط والغاز والتي تمثل حوالي 15 بالمائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إجمالا. وجاء في التقرير "إن جزءًا فقط من هذه الالتزامات يطابق وتيرة الانخفاض التي شاهدناها في سيناريو [صافي الانبعاثات الصفرية لعام 2050] فيما تخطط غالبية (الشركات) لاستخدام بدائل لتحقيق أهدافها".
ويقول باحثون إن هذا المسار يمهد الطريق أمام تمويل مشاريع خفض الانبعاثات في أماكن أخرى بدلا من التركيز على خفض الانبعاثات الناجمة عن أنشطتها. وفي مقابلة سابقة مع DW، قالت فاي هولدر، الباحثة في مؤسسة انفلونس ماب/ Influence Map البريطانية غير الربحية المتخصصة في تحليل تأثير الشركات على سياسات المناخ، إن شركات الوقود الأحفوري لا تتغير بالمعدل المطلوب لمواكبة متطلبات الطاقة المتغيرة في العالم.
وأضافت "إنهم يمارسون بعض النفوذ ضد السياسات التي من شأنها فرض هذا التغيير أو تحقيقه بشكل أسرع. وفي الوقت نفسه، تروج هذه الشركات أمام الناس بأنها تبذل كل ما في وسعها (للحفاظ على البيئة)".
وقالت مؤسسة "كاربون تراكر" إن شركات الطاقة في حاجة إلى الاستعداد للتحول بشكل ضروري بعيدا عن النفط والغاز، مضيفة أن هذا المسار من شأنه أن يقلل من تعرضها لمخاطر الاستثمار بما يصب في صالح حماية كوكب الأرض. وجاء في تقرير المؤسسة "أن التحول في مجال الطاقة يجري على قدم وساق بفضل الزخم السياسي والابتكار التكنولوجي، لكن الأمر يحتاج إلى تسريع أكبر للسماح لنا بتحقيق أهداف اتفاقية باريس والحد من تجاوز درجات الحرارة."
أعده للعربية: محمد فرحان