كافكا والعرب – بين الاستقبال الأدبي وسوء الفهم السياسي
١ يونيو ٢٠١١فرانتس كافكا (1883 – 1924) اسم له مكانة خاصة بين القراء والكتاب العرب، وهو بلا شك أحد الأدباء الذين يرتبط اسمهم بالأدب الألماني في أذهان كثيرين، مثل غوته وشيلر وتوماس مان وبرتولت بريشت. ترك كافكا أعمالاً أضحت خالدة في الأدب العالمي، مثل "المحاكمة" و"القصر" و"أمريكاً" و"طبيب الأرياف" و"المسخ". وتتسم هذه الأعمال كلها بطابع قاتم سوداوي ينفر البعض ويسحر آخرين.
ولعل هذه القتامة تنبع من أن معظم شخصيات كافكا تجد نفسها في صراع مع قوى لا تستطيع مجابهتها، مثلما نرى في أشهر أعماله، أي في رواية "المحاكمة"، حيث يصدر أمر بالقبض على البطل يوزف ك، غير أنه إلى نهاية الرواية لا يعرف من أصدر الأمر وما هي التهم الموجهة إليه. ولذلك رأى عديد من النقاد في أعمال كافكا إرهاصاً بما يواجهه الإنسان الفرد في مطلع القرن العشرين وشعوره بالعجز والضياع.
كافكا يسرق النوم من العين
جذبت أعمال فرانتس كافكا المثقفين في المنطقة العربية منذ منتصف القرن العشرين. وكان أول من عرف القراء على أعماله باللغة العربية هو المفكر المصري طه حسين، وذلك في مقال صدر في منتصف الأربعينات، قارن فيه بين أجواء عالم فرانتس كافكا والشاعر أبي العلاء المعري معتبراً أن كلا الأديبين عاشا عصراً من الاضطراب والأزمات والفساد، وأن كلاهما عاش متأرجحا بين اليأس والأمل.
فتح طه حسين الباب على مصراعيه لاستقبال أدب كافكا في المنطقة العربية. حول ذلك يقول الباحث الأكاديمي الدكتور عاطف بطرس، أستاذ الأدب المقارن بجامعة ماربورغ الألمانية، في حديثه إلى إذاعة دويتشه فيله: "طه حسين قارن بين كافكا وأبي العلاء المعري، واستنتج أن كافكا وشخصياته مرت بحالة تشابه حالة أبي العلاء، فشخصيات كافكا تحاول التواصل مع الله، لكنها تجد صعوبة في هذا التواصل، دون إنكار الرب. وبعد طه حسين بدأت سلسلة طويلة من تلقي كافكا وأعماله".
ويذكر بطرس أن كتاب الستينات على وجه الخصوص اهتموا بكافكا وأعماله، مثل بهاء طاهر وإدوار الخراط في مجلة "جاليري 68، بل استوحى بعضهم أعمال كافكا في رواياتهم وقصصهم". كان تأثير كافكا على الأدباء العرب كبيراً، حتى أن الكاتب المصري محمد جلال يقول: "خرج جيلنا من جلباب نجيب محفوظ، أما بالنسبة لكتاب الغرب فقد سرق كافكا النوم من عيني".
"هل كان كافكا صهيونياً؟"
بعد هذا التلقي "الإبداعي" بدأ التلقي "السياسي" لأعمال كافكا وربطه بما يطلق عليه بـ"المشروع الصهيوني"، مثلما يقول عاطف بطرس. وقد اندلع هذا النقاش في عام 1971 عندما كتب الشاعر العراقي الراحل أنور الغساني مقالاً في مجلة "الآداب" بعنوان: "هل كان كافكا صهيونياً". وبعدها بعام كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف مقالاً بعنوان "كافكا صهيونياً" محاولاً إظهار فرانتس كافكا كاتباً صهيونياً. وأعقب ذلك سلسلة من المقالات والمعارك الفكرية حول الموضوع ذاته في عدد من البلدان العربية، لا سيما في لبنان والعراق.
وتمثل قصة كافكا "بنات آوى وعرب" محور النقاش حول "صهيونية كافكا". عاطف بطرس لا يرى في هذه القصة ما يبرر اتهامه بالصهيونية، وهو يقول لدويتشه فيله: "مَن يقرأ مخطوطات كافكا ويومياته سيتأكد أنه كان متشككاً تجاه المشروع الصهيوني، كما أن كافكا لم تكن له اهتمامات سياسية. قد يكون قد تعاطف مع فكرة الظلم الواقع على اليهود في أوروبا وضرورة أن يجدوا مكاناً آخر، ولكنه كان متشككاً بالنسبة لهذا المشروع".
ولكن هل حجب النقاش حول "صهيونية كافكا" المزعومة النقاش حول قيمته الأدبية في المنطقة العربية؟ بطرس يرد عن السؤال قائلاً لدويتشه فيله: "من اشترك في هذا النقاش لم يكن يهتم بكافكا أدبياً. لقد استخدموا كافكا وسيلة لبعض التحليلات السياسية. ولكن هذا لا يعني أن كل القراء تأثروا بهذا الهجوم".
كافكا والثورات العربية
كتاب عديدون تأثروا بكافكا في أعمالهم، مثلما يذكر بطرس في كتابه، ولعل أشهر الأمثلة على ذلك رواية الكاتب المصري صنع الله إبراهيم "اللجنة". وما زال لكافكا بريق في أعين القراء، وما زال أدبه يتمتع بالراهنية في كل أنحاء العالم، إذ أن "كثيرين يجدون أنفسهم في شخصية يوزف ك" بطل رواية "المحاكمة"، ويُرجِع بطرس ذلك إلى أن أي إنسان يعيش في ظل نظام شمولي متسلط وقامع يتفهم جيداً المتاهة التي يجد فيها يوزف ك نفسه والتي لا يستطيع الخروج منها. ويضيف الباحث المصري عاطف بطرس في حديثه لدويتشه فيله: "وهذه أيضاً هي التجربة التي تمر بها الآن الشخصية العربية، إذ أنها تكتشف أن هذه القوى الرهيبة التي تسيطر على الناس هي في الواقع قوى غبية تافهة".
سمير جريس
مراجعة: عبده جميل المخلافي