قوة عربية مشتركة في سوريا بإيعاز أمريكي.. فرص الفشل والنجاح
١٧ أبريل ٢٠١٨قوة عسكرية عربية مشتركة تعمل على تأمين استقرار شمال سوريا بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، هذا ما جاء في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال. ويفترض أن تتشكل هذه القوة من مصر والسعودية والإمارات وقطر. وحتى الآن أكد وزير الخارجية السعودي أن بلاده مستعدة لإرسال قوات لسوريا في إطار "ائتلاف أوسع إذا تم اقتراح ذلك"، مضيفا أن بلاده لطالما ناقشت مع الإدارة الأمريكية إمكانية إرسال قوات إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة فيها.
وبينما يعتبر بعض المراقبين هذه المبادرة مجرد فكرة لم تنضج بعد وتؤكد الارتباك الأمريكي فيما يتعلق بإدارة الملف السوري، يؤكد آخرون أن هذه القوة هي فعلا مشروع يتم التخطيط له وإن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه القوة ستعوض القوات الأمريكية في سوريا أم ستعززها. وفي كلا الحالتين فإن الغموض والكثير من الأسئلة يلفان طبيعة عمل هذه القوة وحجمها في ظل خلافات عميقة بين أطرافها بالإضافة إلى ردود الفعل العنيفة المحتملة من الأطراف الأخرى الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها روسيا وإيران وتركيا، ما قد يُعقد الوضع السوري أكثر مما هو معقد أصلا.
غياب رؤية أمريكية واضحة
حسب وول ستريت جورنال فقد تواصل جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد مع عباس كامل رئيس المخابرات المصرية لمعرفة مدى جاهزية القاهرة للمشاركة في هذه القوة، بينما يفترض أن توفر الدول الخليجية الدعم المالي. الرئيس الأمريكي لم يُخفِ، وهو يعلن عن توجيه الضربات لسوريا، نفاد صبره بسبب حجم التكاليف والجهد اللازم لتحقيق الاستقرار في سوريا، قائلا إنه سيطلب من شركاء الولايات المتحدة "تحمل مسؤولية أكبر في تأمين مناطقهم بما في ذلك المساهمة بمبالغ أكبر من المال".
وعاد الحديث عن هذه المبادرة إلى الواجهة مجددا، عقب الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة على المواقع التي يفترض أنها مرتبطة بقدرات النظام السوري الكيماوية. لكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تحالف عربي، فقد سبق أن أشارت الصحيفة ذاتها قبل حوالي سنة إلى أن واشنطن تدرس مع حلفائها في الشرق الأوسط إمكانية تأسيس تحالف عسكري عربي يهدف إلى مكافحة النفوذ الإيراني.
ويقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي في جنيف، إن طبيعة هذه القوة وحجمها لم يحدد بعد، ولكن يمكن القول إن تردد ترامب في سحب قوات بلاده من منبج هو ما عجل في التفكير في عملية بناء قوة عسكرية عربية مشتركة تحت قيادة السعودية تعزز من التواجد العسكري أمام تنامي النفوذين التركي والإيراني. فالرئيس الأمريكي يريد غطاء عربيا عسكريا وسياسيا لتغطية تكاليف هذه القوة.
أما حسن منيمنة، المحلل السياسي من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فيرى أن الحديث عن هذه المبادرة هو مجرد فكرة غير ناضجة وأطلقت للإعلام لاختبار الرأي العام. ويضيف "هي طرح من طروح عدة اقترحت من قبل، ولكن ثمة الكثير من العوائق التي تحول دون ترجمتها إلى واقع وعلى رأسها غياب رؤية أمريكية واضحة في سوريا، وهذا ما يجعل من الصعب وضع خطة استراتيجية ميدانية". هذا بالإضافة إلى الخلافات الكبيرة بين الأطراف التي يفترض أن تكون ضمن هذه القوة، وبالتالي فإن إضافة عنصر ملتبس كهذه القوة إلى المشهد السوري المعقد أصلا سيزيد الأمور سوءا، كما يقول المحلل السياسي في حديث لـDW عربية.
وحسب بينته شيلر، مديرة مؤسسة هاينريش بول في بيروت، فإن السعودية ومصر قد ترسلان فعلا قواتهما إلى سوريا لكنهما ستكونان متشككتين لأن مصلحتهما من هذه الخطوة ليست بهذه الأهمية، مقارنة مع تتطلبه قوة كهذه من إمكانيات كبيرة.
إعادة إنتاج "التحالف العربي في اليمن"؟
لكن في حال اقتصار هذه القوة بالفعل على الدول المذكورة فإن الأمر سيكون في اعتقاد المحلل السياسي حسني عبيدي بمثابة إعادة إنتاج للتحالف العربي في اليمن والذي فشل حتى الآن في تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها من خلال هذه الحرب، كما يقول في مقابلة مع DW عربية. وبينما يعتقد متابعون أن العلاقات المنقطعة بين قطر والدول الأخرى المشاركة في القوة لن يكون مؤثرا مادام الدور القطري قد يقتصر على تقديم الأموال، يرى حسني عبيدي أن انطلاق هذه القوة العربية قد يكون بداية النهاية لما يعرف بالأزمة الخليجية، وفي هذا السياق يشير الخبير إلى أن ترامب بدأ مؤخرا ضغوطا ودية على كل من الإمارات والسعودية ومصر لإنهاء الخلافات الحادة مع قطر.
وبالإضافة إلى إشكالية العلاقات المتأزمة بين أطراف القوة العربية المحتملة، يبقى من الصعب التكهن بردود أفعال الأطراف الأخرى المتدخلة في النزاع السوري وعلى رأسها روسيا وإيران وتركيا، بالإضافة إلى موقف الميليشيات الكردية وإسرائيل من مبادرة من هذا النوع.
وفي هذا السياق يقول منيمنة إن هذه الأطراف غير مهتمة بما يدور حول هذا الموضوع وتراه مجرد كلام إعلامي ولا تأخذه بجدية، بدليل أنه لم يأت أي رد رسمي حول الموضوع منها.
أما حسني عبيدي فيرى أن هذه المبادرة في حال تنفيذها سوف تشعل الوضع أكثر مما هو مشتعل. ويضيف "علاوة على المصالح المتضاربة، فقد يتم اعتبار إرسال قوة كهذه إلى سوريا اعتداء على سيادة دولة، خاصة في غياب تفويض من مجلس الأمن الدولي".
وتتفق الخبيرة شيلر مع القول إن القوة العربية ستزيد من احتقان الوضع السوري في حالة دخولها، فإيران لن تقبل بوجود قوات عربية تؤثر على مصالحها في منطقة شمال سوريا الغنية بالنفط والغاز والتي يسعى كل طرف لفرض سيطرته عليها. أما روسيا فلن تهتم كثيرا لهذه القوات حسب الخبيرة الألمانية، "رغم أن الروس يدعمون الأسد. فقد رأينا كيف أنهم سمحوا للأتراك بالتدخل ضد الأكراد رغم أنهم كانوا في نوع من التحالف مع هؤلاء". أما فيما يتعلق بتركيا، ورغم التحذيرات من احتمال حدوث تصعيد كبير بين السعودية وتركيا في حال دخول القوة، ترى شيلر أن أكثر ما يقلق الأتراك هو قيام كيان كردي وبالتالي فقد لا تمانع في وجود قوات عربية مادام ذلك قد يساهم في تقليص نفوذ القوات الكردية. أما إسرائيل فترى شيلر أنها غير معنية بشكل مباشر بهذه الخطوة لأنها مهتمة بالدرجة الأولى بالمناطق المحاذية لحدودها مع سوريا كمنطقة الجولان.
الكاتبة: سهام أشطو