قمة مجموعة العشرين- ضرورات التقشف ومتطلبات الإنفاق
٢٥ يونيو ٢٠١٠يبحث رؤساء دول وحكومات القوى الاقتصادية المشاركون في قمة العشرين سبل التغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. ويتواجه في هذه القمة تياران اقتصاديان: الأول يدعو إلى ترشيد النفقات والتحكم فيها وهو التوجه الذي تتبناه ألمانيا. وأما التيار الثاني فيتمثل في زيادة الإنفاق لدفع عجلة نمو الاقتصاد ، حيث تتبنى الإدارة الأمريكية هذا الاتجاه، دون إغفال وجهات نظر القوى الاقتصادية الناشئة.
ويعتقد المراقبون أن الرؤية التقشفية الأوروبية ستصطدم مع سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يأمل في أن يعمل شركاؤه على تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي عبر تشجيع مزيد من الاستهلاك. والواقع أن الخيارات البديلة عن التقشف محدودة أمام ألمانيا، فلم يعد أمامها من خيار آخر سوى كبح الاستدانة في ظل تقدم نسبة الشيخوخة في هذا البلد وعدد المتقاعدين، إضافة إلى كون الذهنية الألمانية تميل إلى الادخار وضبط النفقات.
الرؤية الألمانية والموقف الأمريكي
ولوجهة النظر الألمانية مؤيدون كثر داخل الاتحاد الأوروبي، إذ صرح رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو بهذا الخصوص أنه "ليس هناك فرصة أمام أوروبا لمزيد من الإنفاق في ظل العجز في الميزانيات"، مؤكدا على أن تعزيز الأوضاع المالية أمر ضروري لإعادة بناء الثقة من أجل تحقيق النمو. وأضاف أن "التشدد المالي ليس هدفا في ذاته بل وسيلة لاستعادة الثقة"، وقال إن أوروبا لن تضغط على الأعضاء الآخرين في مجموعة العشرين ليحذو حذوها، معتبرا أن الموقف يختلف كثيرا من مكان لآخر في أنحاء العالم.
ويظهر التباعد بين الموقفين الأمريكي والألماني كشرخ كبير سيكون من الصعب تجاوزه في هذه القمة، بنفس قدر صعوبة تجاوز الخلافات حول فرض ضريبة على التعاملات المصرفية. وقد عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن عدم ارتياحها لبطء عملية إصلاح الأسواق المالية العالمية وقالت بهذا الصدد "إننا لسنا مرتاحين بالكامل لما تحقق منذ قمة العشرين الأولى، ونحن نرى أنه لابد من الرفع من وتيرة إعادة النظام المالي العالمي". وتقصد ميركل بذلك الوعود التي قطعتها قمة العشرين السابقة بخصوص إصلاح القطاعين التجاري والمالي، وهي وعود لم يتحقق منها سوى القليل. كما تبذل ألمانيا جهودا كبيرة في محاولة للتوصل لاتفاق على ضريبة البنوك داخل الاتحاد الأوروبي أو في أسوء الحالات داخل مجموعة الدول التي تعتمد العملة الأوروبية الموحدة "اليورو". وتعتبر برلين إشراك المضاربين في تحمل مسؤولية مخاطر الأزمات المالية العالمية سبيلا لضبط النظام المالي وجعله أكثر مسؤولية.
أي مستقبل لقمتي الثماني والعشرين؟
ويتساءل المراقبون عمّا إذا كانت قمة العشرين ستحل في المدى المنظور مكان قمة الثماني، إلا أن ذلك ربما يكون سابقا لأوانه في الوقت الحاضر باعتبار أن مجموعة دول الثماني ناد بين دول تتقاسم نفس القيم حول قضايا مبدئية كالديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك. غير أن التعددية القطبية و تكاثر التكتلات الإقليمية وظهور دول صاعدة كالبرازيل والهند والصين، كلها عوامل جعلت دول الثماني تعي أنها غير قادرة وحدها على تحديد مصير الاقتصاد العالمي، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
وتتمتع مجموعة العشرين باحترام واسع في المجتمع الدولي لأنها تمتلك تمثيلا دوليا كبيرا، حيث تضم الدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل. كما أن نصف "حكومة العالم الاقتصادية" كما يسميها البعض من الدول الآخذة في النمو الاقتصادي والدول المصدرة للنفط. وبالنظر للتقسيم الجديد لمهام القمتين فإن قمة دول الثماني تظل تحتفظ بأهمية خاصة لأن معظم أعضائها من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن؛ أي الأعضاء الذين يمتلكون حق نقض الفيتو. وإذا ترسخ تقليد عقد قمة لمجموعة الثماني أولا ثم قمة مجموعة العشرين، فربما يشهد المستقبل تنسيقا بين دول المجموعة الصغيرة قبل المشاركة في المجموعة الكبيرة، مجموعة العشرين.
(ح.ز/ د.ب.أ/ أ.ف.ب/ دويتشه فيله)
مراجعة: هشام العدم