قمة الفقراء والأغنياء وتبادل الخطب!
٣٠ نوفمبر ٢٠١٠أمادو موسى مواطن من التوغو يمتهن التدريس باللغة الفرنسية في طرابلس، ويتنقل بين البيوت لتقديم دروس خصوصية، وبالرغم من انه مقيم بشكل غير شرعي إلا انه نادرا ما يجد صعوبة في التنقل في أنحاء المدينة، ولكن يوم الخامس و العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أوقفته الشرطة وأعادته إلي البيت مع تنبيه ألاَ يخرج منه حتى إشعار آخر وفق ما رواه أمادو.
التوغولوي موسى كغيره من الأفارقة المقيمين بصورة غير شرعية يمثلون احد أهم المشاكل العالقة بين افريقيا و أوروبا، والتي من أجل مناقشتها كانت استضافة طرابلس للقمة الافريقية الأوروبية الثالثة من 29 وحتى 30 من نوفمبر/تشرين الثاني، وربما أرادت ليبيا بمنع أمادو وغيره من التجول في الشوارع و البحث عن العمل بالقرب من ورشات البناء إرسال رسالة شكلية إلي الأوروبيون مفادها أن ليبيا بوابة الهجرة غير الشرعية الرئيسية تبذل ما في وسعها لمنع الأفارقة من التوجه إلي سواحل أوروبا الجنوبية.
أمادو عنوان مشكلة المهاجرين غير الشرعيين
وقد جدد الزعيم الليبي معمر القذافي توجيه طلبه إلى الإتحاد الأوروبي بمنحه مبلغ 5 مليارات يورو سنويا مقابل قيام ليبيا بإيقاف تدفق المهاجرين إلي أوروبا، محذرا أوروبا من هجرة 30 مليون افريقي آخرين ممن يعيشون على بحيرة تشاد التي التهمت الصحراء أكثر من نصفها وما تبقى منها مهدد بشكل جدي.
أمادو كمشكلة كان ودون أن يدري على رأس قائمة ما يقرب من ثلث دول العالم التي حط كبار سياسييها وقادتها في طرابلس التي ارتدت أجمل الحلل لترحب بضيوفها وأغلقت بعض شوارعها وعطلت الدراسة في بعض المدارس وزينت شوارعها بالأضواء الملونة فما الذي سيجنيه أمادو والآلاف من أمثاله ممن يستخدمون الأراضي الليبية للعبور إلي أوروبا. خسارة أمادو مضاعفة فبالإضافة إلى خسارته لأكثر من خمسة أيام عمل فلا هو ولا بحيرة تشاد يمكن أن ينالا الكثير.
ان قمة افريقيا أوروبا التي انتهت للتو في طرابلس لم تكن من الناحية العملية إلا لقاء للخطابة وتبادل المجاملات و ربما الأفكار أيضا التي يصعب وضعها في إطار عملي قابل للتطبيق، ذلك أن الأولويات لدى المجتمعين متباينة بشكل صارخ.
فالاتحاد الأوربي يقف شامخا كبناء يصنع التقدم والرخاء ويقدم منافع حقيقية لأعضائه في المقابل لايزال الإتحاد الأفريقي يحبو ولم يستطع بعد سنوات من تأسيسه أن يقدم أية نتائج ملموسة لأعضائه في افريقيا ولا حتى أن يتحدث باسمهم في مسائل بسيطة من قبيل مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير الذي اشترط الأوروبيون عدم حضوره وقبل الأفارقة بالرغم من أن أغلب أعضاء الإتحاد الأفريقي لا يعترفون بمذكرة القبض الصادرة بحقه بسبب ما حدث في دارفور.
وبالرغم من غناء جدول أعمال القمة التي انعقدت تحت شعار "الاستثمار وخلق فرص العمل والتغير المناخي" إلا أن أولويات الطرفين كانت محددة سلفا: ففي حين يتحدث الأوربيون عن ضرورة توقف الهجرة غير الشرعية وعن حقوق الإنسان والحكم الرشيد والإرهاب كأولويات ملحة ويصرون على المعالجة الأمنية لملفات الإرهاب والهجرة غير الشرعية. يجد بعض نظرائهم الأفارقة صعوبة في فهم هذا المنطق، فمشاغل هؤلاء هي المرض والجهل والتخلف الاجتماعي والفقر وانعدام النمو الاقتصادي والتصحر وانعدام الاستقرار في بلدانهم.
وتمثل هذه الأولويات الافريقية جذور المشاكل التي تعاني منها القارة السمراء وما عداها إنما هو أعراض لتلك المشاكل. فالمهاجرون غير الشرعيين سيستمرون في التدفق بحثا عن أسباب العيش طالما هم لا يجدونه في بلدانهم. وبجرأته المعروفة أعلن الزعيم الليبي موت التعاون الاقتصادي بين القارتين، منبها إلى البدائل التي تملكها افريقيا بأن تغير اتجاهها باتجاه الصين والهند وأميركا اللاتينية حيث العمالقة الاقتصاديون الجدد ممن لا يتدخلون في الأوضاع الداخلية للبلدان الأفريقية تحت شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، كما ينظر إليهم، على الأقل، الزعماء الأفارقة.
حضور مغاربي مفكك
ومع أن تسوية قد تمت تمكن بموجبها المغرب (غير العضو في الاتحاد الافريقي) من الحضور على مستوى رئيس الوزراء، إلا أن الدول المغاربية الخمسة بدأت أكثر تفككا في مواقفها حتى حول الموضوعات التي تمسها مباشرة من قبيل الهجرة غيرالشرعية. ذلك ان مواقف الدول الخمس وان اتفقت في المبدأ، إلا أنها لم ترق إلى مستوى مفصلية الموقف الليبي الأمر الذي ينسحب أيضا على عدد آخر من الملفات منها التنمية و التعاطي مع الجار الأوروبي العملاق: فليبيا العائدة للتو للأسرة الدولية لاتزال في علاقاتها الأوروبية مبتدئه في حين ترتبط كل من تونس والجزائر بعلاقات تاريخية متميزة مع أوروبا أما المغرب فوضعه خاص كون أن البعض هناك لايزال يعتقد بإمكانية ان يصبح عضوا في الإتحاد الأوربي ويطلق بذلك الفقر الي الأبد. ويبدو أن الأوربيين يسايرون المغرب في هذا الاعتقاد بالرغم من أن عددا من القادة الأفارقة طالبوا الإتحاد الأوربي أن يتعامل مع أفريقيا كوحدة واحدة وليس كدول متفرقة.
وبرز أيضا خلال قمة طرابلس، موضوع الإرهاب الذي يراه الأوربيون مشكلة أمنية بالأساس، في حين يراه أهل الضفة الجنوبية مشكلة تنموية في المقام الأول، وبالتالي يرفض بعضهم التدخل الأمني الأوروبي في محاربة تنظيم "القاعدة" في المنطقة، في حين قبلت موريتانيا مشاركة فرنسية من نوع ما في ظل غياب إجماع مغاربي حول الموضوع.
تراجع المساعدات الأوروبية
ان قمة طرابلس لم تكن في حقيقتها إلا لقاء الأغنياء بالفقراء، ومثل تلك اللقاءات تظل مسرحا تختلف فيه الرؤى والمواقف وحتى المنطلقات ودرجة الثقة بالنفس في التعاطي مع القضايا الملحة، فالأغنياء يفضلون أن ينصاع الفقراء لما يرونه وما يريدونه هم، والفقراء تعوزهم، في غالب الأحيان، الحيلة. ولكن ما ظهر في هذا اللقاء هو ان التباين بدأ كبيرا مع أن العكس كان يفترض أن يكون صحيحا فقمة لشبونة في العام 2008 وضعت نوعا من الآليات للتعاون، إلا ان شيئا لم يتحقق منها ليتم استعراضه في طرابلس كإنجاز وهذه سلبية كبيرة، إذ ان الجارين على ضفتي المتوسط ملزمان بالتعاون المبني على الاحترام وتفهم أولويات كلا منهما للآخر، لاسيما أن البدائل الأخرى ليست بأفضل.
أما على صعيد الشراكة الاقتصادية الحقيقة، فالأرقام تشير إلى تراجع المعونات الأوروبية لافريقيا بنسبة 60% ومجمل ما تدفق إلى افريقيا عالميا من رؤوس أموال لم يتجاوز 50 مليار ذهب معظمها الي دول افريقيا الأكثر غنى مثل جنوب افريقيا كون رأس المال يبحث دائما عن الأمان، وهذه مفارقة اذ أنها تزيد في اتساع الفجوة بين أغنياء افريقيا وفقرائها مما يجعل شمولية التنمية والاستقرار السياسي أمرا صعب المنال.
مصطفى الفيتوري رئيس قسم ادارة الأعمال بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا - طرابلس
مراجعة: منصف السليمي